ثمة ركنٌ أساسيٌّ لهذا التّفكير السّبينوزيّ العامّ الذي يُمكن أن يُثير عجب و/أو غضب كثير منّا نحن المعاصِرين على الأرجح؛ هو من النّوع العقلانيّ واقعاً، ويتمثّل بقانون السّببيّة (الكونيّ، الأزليّ، الضّروريّ، والحقيقيّ).
فكلّ شيء وكلّ كائن: وُجد أو تَحرّك أو تَغيّر (إلخ..)، أو يُوجد أو يَتحرّك أو يَتغيّر (إلخ.).. فلسبب “موضوعيّ” حقيقيّ. وهذا السّبب بدوره له سبب، والأخير له سبب، والأخير له سبب، والأخير له سبب.. إلى ما لا نهاية من أسباب “موضوعيّة”، بما أنّ قانون السّببيّة يعمل منذ الأزل كما سبق وأشرنا.
وبما أنّ سلسلة الأسباب هي من النّوع اللّا-متناهي إذن، أو تكاد تكون كذلك (إذا ما تذكّرنا أن الله هنا هو “السّبب الأوّل” – أو “واجب الوجود”، الموجود بذاته ضرورةً والمُوجد أو المُسبّب لكلّ الأشياء): فأن يُوجدَ أو يَحصلَ شيء، في حقيقة الأمور، انطلاقاً من “إرادة حرّة” لإنسان ما أو لكائن ما.. مسألة مستحيلة بالمبدأ (رياضيّاً، ومنطقيّاً، وعقلانيّا).
وهذا، كما أشرنا، إنّما بسبب الطّبيعة الكونيّة واللّا-متناهية والضّروريّة والحقيقيّة للسّلسة السّببيّة إذا صحّ التّعبير.
إذن، ومن خلال قوانين المنطق والعقلانيّة: ففرضيّة الـ(Free Will) مستبعدة في حقيقة الأمور وفي الواقع الحقيقيّ لا المُتوهَّم. من هنا، وفي ظلّ غياب امكانيّة “الإرادة الحُرّة” هذه.. فماذا علينا “فعله” يا أيّها الشّيخ سبينوزا العجيب؟
***
عند هذا الحدّ، يُمكننا البدء بملاحظة نوع من التّناقض من زاوية أدائنا (Performance) لهذه المقولات السّابقة مع سبينوزا، أو لنقل من زاوية تعبيرنا عنها (وتفكّرنا في أفكارنا نفسها بالتّالي كما سنرى). فكما يشرح لوك فيري[1] لتلامذته عادةً، يقع السّبينوزيّون غالباً في تناقض من النّوع الأدائيّ (Contradiction performative) على حدّ تعبير بعض المناطقة المُعاصرين. ومن مثل ذلك قول أحدهم: “لقد كنت راكباً في سفينة، فغرق جميع ركّابها، فلم يبقَ منهم أحد”. فلو صحّ مضمون المقولة (“إنّ جميع هؤلاء الرّكّاب قد غرقوا”)، لاستحال أن ينطق (Enonciation) القائل ذاك، بهذه المقولة (Enoncé). هناك تناقض بين المقولة وبين زاوية.. أدائها (والتّفكّر، إذن، في الفكرة التي تحملها المقولة، من قِبَل قائلها).
وكذلك الأمر مع تعابير وخطابات السّبينوزيّين (أو بعضهم): فلو صحّ، حسب لوك فيري وغيره، أنّ الـ(Free Will) مستحيل أن يكون موجوداً في الواقع الحقيقيّ.. فكيف يسمح هؤلاء لأنفسهم بأن يطرحوا سؤال “إذن، ماذا نحن فاعلون؟” أو “إذن، ماذا علينا أن نفعل”؟
نحن هنا طبعاً أمام زاوية نقديّة مُهمّة، لا بدّ من العودة إليها لاحقاً.
***
لكن لنعُدْ الآن إلى مُضيفنا العزيز. يقول لنا سبينوزا وباختصار:
أوّلاً؛ عليكم إدراك هذه الحقيقة الكونيّة على غرابتها الظّاهرة: أنّه ما من خيار حُرّ لدى أي إنسان ولا كائن واعٍ، في حقيقة الأمور؛ وأنّ ما كان كان، وما لم يكن لم يكن، وما سيكون سيكون (و”لا حول ولا قوّة إلّا بالله”- حسب تعبيرنا العربيّ-الإسلاميّ من بعض الزّوايا).
ثانياً؛ وعلى المستوى العمليّ، علينا انطلاقاً من هنا: أن نعيش في ظلّ التّسليم الكُلّيّ وغير المشروط والدّائم في بواطن أنفسنا. التّسليم للإرادة الحرّة الحقيقيّة الوحيدة في هذا الكون أو الوجود عمليّاً ونظريّاً.. وهي الإرادة الالهيّة أو الكونيّة. بالطّبع: هذا لا يعني أنّه عليك ألّا تعمل “ظاهراً” وألّا تقوم بواجباتك المادّيّة الدّنيويّة “ظاهراً أيضاً”: ولكنّ المفتاح هو أن تعمل لكن مع إدراك أنّك لست لا المُريد للعمل ولا حتّى العامل الحقيقيّ. على طريقة أن: الحمد لله “العامل” و”الفاعل” الحقيقيّ ولا عامل ولا فاعل غيره؛ والذي قضى عليّ أن “أعمل” في هذا السّياق أو ذاك؛ والذي هو طبعاً: صاحب نتائج هذه الأعمال (“لا إله إلّا هو”، أيضاً بتعبيرنا العربيّ-الإسلاميّ ومن بعض الزّوايا).
إذا لم تستطع أن تنعزل كلّيّاً عن الدّنيا (للأسف، حسب السّبينوزيّين وأقرانهم)، ليس فقط في باطنك ولكن أيضاً في ظاهر الأمور والشّؤون: فعِش يوميّات هذه الدّنيا، نعم، لكن مع إدراك باطنيّ حيّ قويّ بأنّك واقعاً “كالرّيشة تحملها النَّسَمات” على حدّ تعبير نزار قبّاني.. أي بأنّك، في حقيقة الأمور، وبرغم كلّ ما قد يبدو لحواسّك ولذهنك: كالرّيشة الإنسانيّة تحملها نَسَماتُ القَدَر المعروف سلفاً من الإله الكونيّ هذا.
مع التّبسيط وباختصار: اعمل حيث يجب أن تعمل (أي لا تُقاوم هذه الضّرورة أو هذا القَدَر). لكن مع إدراك في باطنك أنّه: إذا كانت حياتك تتجلّى لك بحيث تفهم أنّه لا يمكنك إلّا أن تعمل، وإلّا لهَلَكت.. فافهم وعِش بالتّالي عمَلَك على أنّه في حقيقته تسليم مُبين لمشيئةِ “إلهٍ” حكيم (و”الحمد لله ربّ العالمين”، أيضاً بتعبيرنا العربيّ-الإسلاميّ ومن بعض الزّوايا).
ثالثاً؛ وبالتّالي أيضاً، وبعد القناعة العميقة والحيّة والحقيقيّة بأنّ “الخَيار الحُرّ” هذا هو وهم الأوهام وحجاب الحُجُب، علينا أن نترفّع عن – ونترك – ما يأتينا هذا الوهم به: أي “الأهواء الحزينة” (Passions tristes) كما يُعبّر شيخ التّسليم والرّضا.
عليك إذن ألّا تُعير انتباهك أبداً، وعلى سبيل المثال لا الحصر: للشّعور بالعار، وللشّعور بالنّدم على أنواعه.. وبالأسف، وبالغضب، وبالسّخط، وبالنّقمة، وبالكراهية.. وبالحبّ الدّنيويّ الفانِي، بل وبالأمل! وهل يجلب الأمل في هذه الدّنيا، إلّا الخيبة والخوف والحزن في نهاية المطاف؟
ابتعدْ، حسب الشّيخ الهولنديّ، عن هذا الاضطّراب العبثيّ (Agitation)، واستعذْ منه ومن أهله: هذا الاضطراب القائم إذن، بشكل رئيس، على وهم أنّ لديكَ خياراً.. وهل من خيار مع خيارات “الكون الإلهيّ” هذا (أو “الإله الكونيّ”)؟
وبهذا وحده، يُمكننا التّركيز إذن على نيل وتقوية المعرفة الحقيقيّة الوحيدة (“المعرفة من النّوع الثّالث”، بتعبير شيخ السّبينوزيّين أجمَعين).. وهي المعرفة بماهيّة أو ماهيّات “الإله”. وبهذا وحده، طبعاً، ستبلغ مقام الفرح غير المشروط والدّائم.
هذا الفرح الثّابت هو الفرح الذي يقترن “بالحبّ الفكريّ لله” إذن (Amour intellectuel de Dieu)، كما يُعبّر سبينوزا، والقائم إذن على المعرفة الحقيقيّة به. لأنّ هذا “الإله” هو من الكَمال والعظَمة، بحيث أنّ من عَرفَه حقّاً أحبَّه، ومن أحبَّه حقّاً عرَفَه.
هذا المقام الفكريّ (أو الرّوحيّ) هو وحده: الذي سوف يفتح لك باب الأبديّة السّعيدة “في الله” كما نُعبّر أحياناً بالعربيّة (و”نِعم أجرُ العامِلين”، أيضاً بتعبيرنا العربيّ-الإسلاميّ، مع التّحذير من المعنى الحقيقيّ لعبارة “عاملِين” كما رأينا).
***
بعد هذه الجرعة القويّة جدّاً من التّسليم، وهذه الحقنة العميقة جدّاً من الطّمأنينة العقلانيّة والرّوحيّة، وهذه الزّيارة الرّوحانيّة للأبديّة.. وعند هذا الحدّ، يُمكن الادّعاء، وبلا تردّد يُذكر حقيقةً: أنّ باروخ سبينوزا يتبنّى فلسفة من النّوع الصّوفيّ-العرفانيّ كما عرّفناها سابقاً. فهو، من جهة، صاحب تصوّر، معروف ومحوريّ بين المتخصّصين، لوحدة الوجود (مع التّبسيط: “الله” هو واقعاً هذا الكون الذّكيّ والكامل، أو هذه الطّبيعة الذكيّة والكاملة – قد نعود إلى نقد هذه الفكرة لاحقاً). ومن جهة ثانية، فصديقنا سبينوزا يؤمن بثنائيّة المعرفة الإلهيّة والمحبّة الإلهيّة كما رأينا، ولو أنّه يميل بشكل عامّ إلى نظرة يغلب عليها الطّابع الذهنيّ-المفاهيميّ-العقلانيّ (ويبدو من خلالها أنّ الماهيّة عنده سابقة على الوجود، كما عند كثير من الفلاسفة العقلانيّين الكبار بالمناسبة، وقد نعود لهذا الحديث “التّقنيّ” لاحقاً أيضاً).
أضف إلى ذلك أنّ سبينوزا يؤمن أيضاً بوجود العقل الرّوحيّ الحدسيّ المتعالي، برغم عدم اشتهاره بذلك بين النّاقدين والمُدرّسين والشّارحين على علمنا (باختصار أيضاً: إنّه العقل الذي يُمكنك من خلاله معرفة الأشياء والحقائق في ذواتها بشكل فوريّ ومباشر، بلا واسطة للأفكار وللأوهام، وربّما حتّى بلا واسطة للمفهوم وللتّصوّر الذّهنيّ من أساسهما).
***
ولكن، هل يستقيمُ هذا الحديث بشكل عامّ في ما يخصّ الخيار والعمل الإنسانيَّين؟
زاوية نقديّة أساسيّة لا شكّ في أنّ أتباع الفيلسوف الألمانيّ النّقديّ الكبير، عمانوئيل كانط، سيأتون بها بلا تردّد عند قراءة مقولات كهذه، تتمثّل في السّؤال التّالي: ماذا عن الأخلاق؟ أو بالأحرى، ماذا عن الحُكم الأخلاقيّ و/أو القِيَميّ؟
إن صحّت النّظرة السّبينوزيّة هذه عموماً، والتي تدّعي إذن أنّ الإرادة الحُرّة هي مُجرّد وهم في الواقع الحقيقيّ للأمور: يُصبح الحُكم الأخلاقيّ على أيّ عمل (ذهنيّاً كان أو غير ذهنيّ) يقوم به الإنسان.. وهماً أيضاً! “فَهمُ كلّ شيء، يعني غفران كلّ شيء”، كما تقول العبارة الشّهيرة المنسوبة إلى كثيرين ومنهم الفنّان الهولنديّ الكبير، فانسانت فان غوغ (ت. ١٨٩٠ م). فلو فهمتَ الأسباب الحقيقيّة وراء أعمال البشر.. لما حَكَمت على أحَدٍ منهم في باطن الأمور وحقيقتها.
هل يستقيمُ هذا الكلام؟ سيزيدُ الكانطيّون، بالتّأكيد أيضاً، زاوية نقديّة محوريّة أخرى تعتبر أنّنا مع سبينوزا أمام صرح دوغمائيّ كما يشير لوك فيري في المصدر المذكور آنفاً، وفي دروسه حول الفيلسوف الهولنديّ الكبير عموماً: أي أنّنا أمام صرح قد يكون منطقيّاً وعقلانيّاً ومتماسكاً في داخله، ولكنّه لا يصمد أبداً إذا ما قارنّاه بالواقع الخارجيّ، بمعطيات الملاحظة والتّجربة. تذكّر دائماً أنّ كانط والكانطيّين لا يُعطون أي قيمة علميّة حقيقيّة للتّفكير الميتافيزيقيّ الطّابع، ومن الواضح أنّ أغلَبَهم سيعتبرون صرح سبينوزا المذكور من النّوع الميتافيزيقيّ-الدّوغمائيّ.
ولكن، هل نحن حقّاً أمام مجرّد صرح دوغمائيّ، و/أو أمام طرح ميتافيزيقيّ صرف؟
بمعزل عن طريقة تعبير وتقديم سبينوزا لمفاهيمه ولطروحاته.. لا أعتقد أبداً بهذه النّظرة التّبسيطيّة للأمور. القضيّة، قضيّة “الإرادة الحرّة” أو “الخيار الحُرّ”، عميقة جدّاً وليس من السّهل حسمها أبداً. فعلى المستوى العقلانيّ الصّرف، الأخذ بقانون السّببيّة تحديداً: يُجبرنا، في المبدأ وكما رأينا، على الأخذ باستنتاجات سبينوزا عموماً (نحيل إلى ما سبق طبعاً). وأمّا على المستوى التّجريبيّ-الأمبيريقيّ، فقد أشرنا أيضاً إلى تأكّد علماء العلوم الطّبيعيّة، يوماً بعد يوم، لا سيّما على مستوى الفيزياء الكونيّة: من صحّة ظاهرة الضّبط الدّقيق (Fine Tuning). يبدو أنّنا بشكل عامّ: أمام كونٍ وطبيعةٍ ظاهرَين.. تحكمهما قوانين من النّوع العقلانيّ وبدقّة تكاد تفوق الوصف كما أشرنا سابقاً. تبدو أكثر الاكتشافات الحديثة الكبرى ذاهبة في اتّجاه تأييد “الفرضيّات” السّبينوزيّة، بعكس ما قد نظنّ (هذا من غير ذكر لنظريّة التّطوّر الدّاروينيّة، لا سيّما في نِسخِها الأكثر قرباً من مفهوم “الحَتميّة البيولوجيّة” إذا صحّ التّعبير).
***
مُجدّداً؛ لقد تحدّثنا حول هذه الأمور في مناسبات سابقة، حتّى في ما يخصّ أهمّ الجوانب البيولوجيّة وفيما يخصّ نشوء الحياة والفرضيّة الأنثروبولوجيّة. ولكن، ضمن الإطار عينه، فقد يسأل سائل: ماذا عن الدّماغ، وقدرته الظّاهرة على خلق أو تظهير “النّيّات” و”الأفكار”؟ أليس وجود هذه الوظيفة لدى الدّماغ دليلاً على أنّ هذا الأخير “مُبرمج” على الإرادة الحُرّة.. ممّا يُثبت حقيقة وواقعيّة هذه الأخيرة؟ لقد بدأنا بالحديث حول هذه النّقطة في ما سبق: من الصّعب جدّاً، بل من المستحيل على الأرجح، القبول بقانون السّببيّة في كلّ الأشياء والظّواهر.. ما عدا النّيّة والفكرة المتأتّيين من الدّماغ البيولوجيّ هذا! لا دليل قاطعاً (بل بالعكس!): على عدم تحكّم قانون السّببيّة الأزليّ نفسه بأدقّ “نيّاتنا” و”أفكارنا”.
إنّه عموماً طرح الفيلسوف الأميركيّ المعاصر والاختصاصيّ في علوم الأعصاب، سام هاريس[2]، صاحب كتابٍ ذي عنوان مُبين، (Free Will).
يختصر بوتلر- باودن طرح هاريس كما يلي، بعد ذكره لنَقلِ هذا الأخير لتجارب علميّة حديثة تُبيّن أنّ بعض القرارات “للقيام بشيء ما” تحصل في دماغنا بمدّة معيّنة قبل أن نُصبح “نحن” واعين بها[3]: “وبالتّالي، جهازنا العصبيّ يكاد يكون مُكوّناً بحيث يجعلنا نُصدّق الوهم القائل بأنّنا نتصرّف بحرّيّة”. ولكنّ الحقيقة، كما يدافع هاريس، هي أنّ نيّاتنا وأفكارنا وأعمالنا.. “هي النّتيجة المباشرة لأسلاكنا العصبيّة ولأحوال دماغنا” (يقصد خصوصاً: أحوالَه الكهرو-ماغنصيّة والكيميائيّة). من هنا: “القرارات لا تنشأ من الوعي، بل تظهر في الوعي!”.
وبالتّالي، ومن هذه الزّوايا الجديدة أيضاً: تكون المعطيات التّجريبيّة والأمبيريقيّة تؤيّد عموماً فرضيّة أنّ الـ(Free Will) ما هو إلّا وهم وسراب. يقول هاريس، ومن هذا المنطلق: هل من العقلانيّ بعدُ لوم النّاس لما هم عليه.. بما أنّهم ليسوا “أحراراً” في حقيقة الأمور؟ (لاحظ الصّفعة العميقة والخطيرة جدّاً، التي يتعرّض لها مفهوم المسؤوليّة – الأخلاقيّة وغيرها – بشكل عامّ).
من جديد، تظهر قوّة الطّرح السّبينوزيّ الكبيرة، عقلانيّاً وواقعيّاً وتجريبيّاً، ولو تعجّبنا وثُرنا كمعاصرِين.. ومن جديد أيضاً، تظهر التّداعيات الخطيرة لذلك، بل والتّداعيات الوجوديّة على المسائل القِيَميّة والأخلاقيّة برمّتها مثلاً (كما أسلفنا). فهل نُسلّم مع الشّيخ السّبينوزيّ الأكبر بأنّه لم يكن بالإمكان إلّا ما كان.. ونترك وهم التّحكّم بمجرى الأمور والأحداث الكونيّة والطّبيعيّة (والنّفسيّة) كُلّيّاً.. ونلتفت إلى شيء “آخر”، هذا إذا كان بيدنا “قرار الالتفات” هذا أصلاً؟
هل نستسلم كُلّيّاً لهذه المقولات التي تبدو قويّة (جدّاً) على مستويات عديدة؟
بانتظار ما سيلي، تأمّل وتفكّر معي، أيّها القارئ العزيز، في هذا السّؤال الجدّيّ (جدّاً أيضاً): في النّهاية، ماذا لو لم يكن بالإمكان – حقّاً، وحقيقةً، وواقعاً، وكُلّيّةً، وفي أدقّ الأمور وأصغرها وأكبرها – إلّا ما كان؟
فعلاً، أيّها الانسان: ماذا لو لم يكُن بالإمكان حقّاً.. إلّا ما كان؟ (يتبع)
(*) راجع الجزء الأول بعنوان: مفاجأة سبينوزا.. هل نحنُ “مُخيّرون” حقاً؟
المصادر والمراجع:
[1] Ferry, Luc, Ibid., p. 112.
[2] Butler-Bowdon, Tom, Ibid., p. 114-117.
[3] Ibid., p.115.