الإنتخابات النيابية الأردنية.. بريدُ رسائل أم تطبيبُ جِراح؟

لم يستفق بعد المراقبون من صدمة حصول "جبهة العمل الإسلامي" على 32 مقعداً من أصل 138 مقعداً في الانتخابات البرلمانية الأردنية التي جرت قبل يومين مقارنة بحصولها على خمسة مقاعد في العام 2020.

تأتي هذه الصدمة تحديدًا غداة الهزة الأخيرة التي طالت علاقة النظام الأردني بالإخوان المسلمين منذ عشرين عامًا وآخرها في نهاية شهر رمضان الأخير، يوم استمع الأردنيون (الذين يخرجون إلى الشارع دعماً لغزة وفلسطين بصورة دائمة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023) لدعوة القيادي في حركة حماس خالد مشعل وبعض القنوات غير الرسمية لحماس عبر السوشيل ميديا إلى الأردنيين للخروج إلى الشارع، وقد تلقفت الجماعة تلك الدعوات واستثمرتها ميدانياً حتى انتهى الأمر باحتواء أمني واضح للحراك – من دون القضاء عليه – واعتقال عدد من الناشطين الأردنيين.

الدم الغزاوي.. والانتخابات

بدايةً، لا بد من التأكيد أن القيادي الحمساوي يحي السنوار وحال توليه قيادة حماس في غزة في العام 2017 قام بفك ارتباط الحركة بجماعة الإخوان المسلمين، الأمر الذي يحمل في طيّاته دلالات كبيرة لا تتوقف عند علاقة السنوار بالمخابرات المصرية، ولها أثرها الكبير في نظرة “عقل الدولة” في الأردن إلى حركة حماس التي يصفها وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي منذ مجزرة الأهلي المعمداني في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 بأنها “حركة مقاومة فلسطينية”.

يدور على لسان الأردنيين الذين يشعرون بالعجز عن نُصرة إخوانهم في غزة والضفة الغربية، أن أقل ما يمكن أن نُقدّمهُ لأهلنا هو انتخاب الحركة التي رسخ في المخيلة الأردنية أنها الأقرب لحماس.. لا يتوقف الناس هنا كثيرًا عند خبر فك ارتباط حماس عن الاخوان، ولا يحبون سماع الأخبار التي تتحدث عن غياب الكيمياء بين خالد مشعل (زعيم التيار الاخواني في حماس) وبين يحيى السنوار (رئيس المكتب العسكري والسياسي في الحركة).

ويعتقدُ غالبية الأردنيين الذين صوّتوا للإخوان المسلمين أن أصواتهم هذه هي تحية لأهلهم في فلسطين، وكأنهم يقولون لهم “نحن معكم”..

صحيح أن غزة كان لها دور كبير في هذا الفوز، لكن سؤالاً مُلحًا يطرح نفسه على المشهد الأردني:

هل استخدم النظام الأردني هذا الفوز لتوجيه رسالة إلى الخارج والداخل، وما هو الحجم الحقيقي لهذه الرسالة؟

رسالة إلى الداخل الأردني

بعد أن تمكن الملك الراحل الحسين بن طلال من حشد تأييد الشعب الأردني حوله يوم وقف مع بغداد في حرب الخليج الثانية في مواجهة التحالف الدولي ضدها، سرعان ما خفّ جزء كبير من الالتفاف الأردني الشعبي حول القيادة – إن جاز التعبير – إثر توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل في منتصف التسعينيات الماضية.

ولّدت اتفاقيات السلام مع إسرائيل فجوة بين الشعب والدولة في الأردن، والملفت للانتباه في حرب غزة (2023) أنه وبرغم الموقف الأردني الداعم لغزة والمختلف عن الموقف الأردني مثلًا في فترة “انتفاضة الأقصى”، والذي يُعزّزه النفور السياسي بين حكومة بنيامين نتنياهو والدولة الأردنية، إلا أن الفجوة بين الدولة والناس لم يتم ردمها، بل عزّزها الحديث عن الممر الاقتصادي (الهندي) إلى اسرائيل والذي يتم عبر الأراضي الأردنية، بالإضافة إلى سعي الدولة لتحجيم التظاهرات التي تضامنت مع غزة أواخر شهر رمضان والتي كان سببًا في تحشيدها دعوات خالد مشعل للعشائر الأردنية، واستغلتها حركة الإخوان المسلمين الأردنية على الأرض جيدًا.

إن هذا الفوز رسالة يُلوّح بها النظام الأردني لحكومة نتنياهو، غير أن هذا الفوز لا يعني أبدًا نهاية الخلافات بين النظام الأردني وحركة الإخوان المسلمين ما لم تتمكن الأخيرة من تعديل توجهاتها وإجراء مراجعة نقدية شاملة لمشوارها السياسي بما يتواءم مع تطورات المنطقة المتغيرة كما فعلت شقيقتها الفلسطينية حركة حماس على يد يحيى السنوار منذ العام 2017

وتأتي نتيجة الانتخابات الحالية، وكأنها مَرْهَمٌ للجرح الذي نكأته حرب غزة في أواخر رمضان، فهل هي خطوة من النظام الأردني لردم الفجوة مع الشعب الطامح إلى إسقاط اتفاقية السلام مع إسرائيل (وادي عربة) وإلغاء كل الإتفاقيات الأخرى معها؟

في حال كان هذا هو ما يجري في “عقل الدولة” فإن الطريق ستكون ممهدة تحديدًا في ظل المتغيرات في الإقليم، وفي ظل عمل الدولة الأردنية منذ 24 عامًا على ترويض حركة الاخوان المسلمين بكل طموحاتها السياسية العالية، والتي أصبحت تفهم جيدًا أن هوامش حركتها في مضمار السياسة الأردنية بات مرسومًا ومُحددًا من قِبَل الدولة الأردنية العميقة، بعد أن تمكنت عمّان من اجتياز كابوس الإسلام السياسي في عز ما كان يُسمى “الربيع العربي”.

رسالة إلى حكومة نتنياهو 

كما لديكم “ايتمار بن غفير” و”بتلئيل سموتريتش”.. لدينا في الأردن حركة الإخوان المسلمين الذين يدعون إلى حرقكم ويباركون كل عملية فدائية ضدكم..

بهذا المنطق، تُواجه الدولة الأردنية نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، وهو ما وصل فعلًا وفورًا وتمت ترجمته عبر الإعلام الإسرائيلي، إذ وحالما تم الإعلان عن نتائج الانتخابات الأردنية كتبت صحيفة “يسرائيل هيوم” – المقربة من رئيس الحكومة الاسرائيلية – مقالة حول فوز الإخوان المسلمين في الانتخابات الأردنية مُستعينة بصور عملية معبر الكرامة التي قام بها الشهيد الأردني ماهر الجازي يوم الأحد الماضي في 8 أيلول/ سبتمبر.

إقرأ على موقع 180  "ميني حرب لبنانية".. أين جعجع والجيش وحزب الله؟

إن من لا يفهم العبرية كان سيعتقد من الصور أنها مادة حول عملية معبر الكرامة وليس الانتخابات الأردنية، وفي اليوم التالي استعانت الصحيفة بصورة رئيسية لأردنيين يقومان بالتصويت، لكنها احتفظت بصورة الأردنيين وهم يوزعون الحلوى احتفالًا بعملية معبر الكرامة.

ولم يتوقف الأمر عند الصورة فقط لكنه تعدّاه إلى الطريقة التي تعاطى فيها الإعلام الإسرائيلي مع نتائج الانتخابات، مُذكرين بأن الاخوان المسلمين هم الذين يدعون للتظاهر بصورة يومية بالقرب من السفارة الإسرائيلية في العاصمة عمّان.

تأتي نتيجة الانتخابات الأردنية حاملة رسالة صريحة لإسرائيل، ومُعزّزة للرسالة التي أرسلها الشهيد الأردني ماهر الجازي ابن قبيلة الحويطات في معبر الكرامة للصهاينة، وهو أن مَن يكرهكم ويحاربكم ليس الفلسطينيون وحدهم، بل كل العرب، أو على الأقل عرب دول الطوق.

برغم ذلك، فقد اختتمت صحيفة “يسرائيل هيوم” وموقع “القناة السابعة” الإسرائيلية تقاريرهم حول الانتخابات بالإشارة إلى الدور السياسي المحدود للبرلمان في الأردن.

صحيح أن الدور البرلماني قد يكون محدودًا، لكنها رسالة مهمة، وكما أننا رأينا حضورًا إخوانيًا برلمانيًا غير متوقع في الأردن، من غير المستبعد أن نشهد في قادم الأيام مبادرة الحكومة الأردنية إلى أن تأخذ بعين الجد والحزم توصيات المجلس النيابي الدائمة بإعادة النظر في العلاقة مع العدو الصهيوني.

إذ أنه وعلى مر السنوات الماضية، كانت توصية البرلمان للحكومة بإسقاط وادي عربة تتم بصورة دورية في البرلمان الأردني، لدرجة أنها أصبحت روتينًا مملًا، لكن مجرد وصول الإخوان إلى البرلمان الأردني بهذا الشكل، واستمرار اسرائيل باستفزاز شعوب المنطقة بمجازرها، يشير إلى أننا قد نشهد بداية لخطوات أردنية رسمية في اتجاه لا ترغبه إسرائيل أبدًا.

إن هذا الفوز رسالة يُلوّح بها النظام الأردني الذي لم تتوانَ حكومة نتنياهو عن استفزازه، غير أن هذا الفوز لا يعني أبدًا نهاية الخلافات بين النظام الأردني وحركة الإخوان المسلمين ما لم تتمكن الأخيرة من تعديل توجهاتها وإجراء مراجعة نقدية شاملة لمشوارها السياسي بما يتواءم مع تطورات المنطقة المتغيرة كما فعلت شقيقتها الفلسطينية حركة حماس على يد يحيى السنوار منذ العام 2017.

(*) راجع سلسلة مقالات عن عملية البطل الأردني ماهر الجازي على موقع 180post

Print Friendly, PDF & Email
رانية الجعبري

صحافية وقاصة من الأردن

Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  عبد الناصر وثورة الجزائر.. الدور بالنضال لا بالادعاء