المفاوضات بين طهران وواشنطن.. ممكنة ومتی؟ 

عقد مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبوع الماضي اجتماعه الدوري الذي لم يغب عن جدول أعماله الملف الإيراني علی خلفية زيادة حجم كمية اليورانيوم مرتفع التخصيب الذي يصل إلی نسبة 60 بالمئة؛ في الوقت الذي أرسلت فيه الحكومة الإيرانية الجديدة إشارات لفتح باب المباحثات مجدداً مع الجانب الغربي لتسوية المشاكل الحاصلة بسبب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الموقع عام 2015.

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الذي فاوض المجموعة الغربية عام 2013 للتوصل للإتفاق النووي هو الآن يُمسك حقيبة وزارة الخارجية. قال الرجل للصحافيين إن الإتفاق النووي يُمكن أن يكون إطاراً مناسباً لبدء المباحثات علی الرغم من اعتقاده أن بنود الإتفاق المذكور قد لا تكون مناسبة لاتفاق أو تفاهم جديد. في المقابل، قال المرشح الجمهوري دونالد ترامب إنه يستطيع التفاهم مع إيران بشأن المشاكل العالقة بين البلدين شريطة تخليها عن برامجها في تصنيع السلاح النووي.

في ظل هذه الأجواء؛ ثمة اعتقاد سائد في طهران أن الظروف الحالية تختلف كثيراً عن ظروف العام 2013 التي أنتجت اتفاق العام 2015. قبل 11 عاماً، وجّه الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما رسالة إلى المرشد الإيراني الأعلی الإمام السيد علي خامنئي حملها سلطان عُمان الراحل قابوس بن سعيد أعرب فيها عن رغبته بفتح باب المباحثات علی كل الملفات العالقة وتسوية المشاكل عبر برنامج مُحدد يتم الاتفاق عليه. وبالفعل، حدث ذلك لكن هذا المسار اصطدم بفوز الرئيس ترامب في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2016 ومن ثم انسحابه من الاتفاق. أما في يومنا هذا، فلا توجد هكذا رسالة وليس معلوماً إن كان الرئيس الأمريكي الجديد سيبعث برسالة مشابهة أم برسالة مغايرة؟

هذا هو المتغيّر الاول؛ أما المتغيّر الثاني فهو أن إيران قبل العام 2013 لم تكن تملك يورانيوم مخصباً بنسبة 60 بالمئة وإنما مقداراً محدداً من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمئة. اليوم، تملك إيران 165 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة ومقداراً آخر من المخصب بنسبة 20 بالمئة وثالثاً مخصباً بنسبة 5 بالمئة؛ وهو المقدار الذي قال عنه مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي بأنه يستطيع أن يساهم في صنع السلاح النووي حتی وإن كانت إيران لا تسير بهذا الاتجاه راهناً، علی حد تعبيره.

وفي إطار هذين المتغيّرين، من الصعب رؤية مباحثات علی غرار ما حدث في العام 2103؛ لأن الأجواء اختلفت والظروف اختلفت أيضاً وهو الأمر الذي دعا وزير الخارجية الإيراني الجديد للقول إن عملية إعادة إحياء الإتفاق النووي غير ممكنة ويجب التفكير باتفاق جديد.

في أيّة مفاوضات محتملة، فإن الجانب الغربي سواء أكان أوروبا أم الولايات المتحدة سيؤكد طلبه بخفض نسبة تخصيب اليورانيوم، وفي هذه الحالة ماذا يُمكن للغرب أن يُقدّم لإيران مقابل تخليها عن نسبة وكمية التخصيب المرتفعة؟ وهل هو علی استعداد لاعطائها ما يسد طموحها مقابل هذا الصيد الثمين؟ في المقابل، ماذا تريد الولايات المتحدة من إيران؟

تبقی الأنظار مشدودة إلی جهود أطراف أخری كأصدقاء إيران في مجلس التعاون الخليجي أو في أوروبا. فهل تستطيع هذه الأطراف بناء معادلة تفاوضية متوازنة بين الجانبين خصوصاً وأن كفة الميزان التفاوضي غير متعادلة حالياً وهي بحاجة إلی من يستطيع جعلها متعادلة قبل الخوض في مفاوضات جديدة وجدية؟

تشي مناخات طهران أنّ الظروف باتت أصعب بكثير من السابق سواء بالنسبة للجانب الإيراني أم بالنسبة للجانب الأمريكي. ويقول الأكاديمي الإيراني (رحمان قهرمان بور) إن الملف الإيراني أمام ثلاثة مسارات:

المسار الأول، قانوني؛ يوجد نص هو الإتفاق النووي الموقع عام 2015 ويستطيع أن يكون إطاراً مناسباً للمباحثات كونه صار وديعة في مجلس الأمن الدولي بموجب القرار الدولي 2231.

المسار الثاني، فني؛ إيران، ومنذ انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الإتفاق النووي عام 2018، عمدت إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 بالمئة وبالتالي فإن الإتفاق السابق يحتاج إلی تغيير؛ ولا يُمكن لإيران أن تتراجع عن هذا التقدم في برنامجها النووي بهذه البساطة.

المسار الثالث، سياسي؛ الولايات المتحدة ليست راهناً في وضع يسمح لها بفتح باب المفاوضات عشية انتخاباتها الرئاسية برغم تغير الظروف الإيرانية بفوز الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان؛ ذلك أن دخول الإدارة الأمريكية الحالية في مفاوضات أو تفاهمات يجعلها في مواجهة مباشرة مع مدافع الرئيس ترامب، ولذلك صار مستبعداً خوض مفاوضات جدية في الوقت الحاضر.. وإذا كانت هناك فرصة تفاوضية فهي مؤجلة حتى الربع الأول من العام المقبل.

وعليه؛ المسار القانوني غير واضح المعالم والمسار الفني شهد ويشهد متغيرات جديدة في الوقت الذي لم يستقر فيه المسار السياسي. لذا، تبقی الأنظار مشدودة إلی جهود أطراف أخری كأصدقاء إيران في مجلس التعاون الخليجي أو في أوروبا من خلال الإشارات التي بعثتها طهران إلى الإتحاد الأوروبي. فهل تستطيع هذه الأطراف بناء معادلة تفاوضية متوازنة بين الجانبين خصوصاً وأن كفة الميزان التفاوضي غير متعادلة حالياً وهي بحاجة إلی من يستطيع جعلها متعادلة قبل الخوض في مفاوضات جديدة وجدية؟

إقرأ على موقع 180  إيران ما بعد "الطوفان".. خطوتان إلى الأمام، خطوة إلى الوراء!

وثمة اعتقاد إيراني وازن بأن سلطنة عُمان تمثلُ المنصة الأكثر ملاءمة وقدرة علی ايجاد مثل هذا التعادل أو علی الأقل خلق أرضية للذهاب بهذا الاتجاه لكن الأكيد أن هناك فرصة إيرانية وثمة أجواء مناسبة في طهران علی الدول الإقليمية والغربية استغلالها إذا كانت صاحبة مصلحة في التوصل إلى تفاهمات من شأنها أن تُسهم في تعزيز الأمن والاستقرار المنشودين في المنطقة.

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  دوْس الهيبة من الكابيتول إلى رياض الصلح