سريعاً، أمسك الجانب الأميركي بتصفية السنوار للقول لنتنياهو إن “صورة النصر” التي كان يبحث عنها للإعلان عن وقف الحرب، قد توافرت، وأنه يتعين عليه الآن استغلال اللحظة من أجل استعادة ما تبقى من الأسرى الإسرائيليين لدى “حماس”، عبر إحياء المفاوضات المتوقفة للتوصل إلى وقف اطلاق النار وإبرام صفقة لتبادل الأسرى.
غير أن نتنياهو ليس في عجلة من أمره، على عكس إدارة الرئيس جو بايدن التي تعمل تحت تأثير عامل الوقت الضاغط بفعل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد حوالي الأسبوعين وتريد وقفاً للنار توظفه في حملة المرشحة الديموقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس في مواجهة المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب.
في خطابه المتلفز تعليقاً على تصفية السنوار، أبقى نتنياهو خياراته مفتوحة. فهو قال إن “الحرب لم تنتهِ”، في إشارة إلى أنه قد يتخذ من الحدث، دليلاً على نجاح استراتيجية الضغط العسكري التي يتبناها وتالياً يواصل الحرب. ولم ينسَ الغمز من قناة الضغوط التي تعرض لها من بايدن قائلاً: “الآن بات واضحاً للجميع، في إسرائيل وفي العالم، لماذا أصرينا على عدم وقف الحرب.. ولماذا أصرينا برغم كل الضغوط على دخول رفح حيث قتل السنوار”.
إن القرار الذي قد يتخذه نتنياهو سواء لناحية الذهاب إلى وقف الحرب أو لناحية المضي بها، وهو المرجح، “سيتوقف عليه مصير الحرب الأوسع في الشرق الأوسط، ومصير الرهائن، ومصير العلاقات المتوترة بين إسرائيل والعالم، ومصير نتنياهو نفسه”، بحسب ما استنتجت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية.
كان يحيى السنوار العقل المدبر لهجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، الذي أنزل أقسى هزيمة بإسرائيل منذ تأسيسها عام 1948. ولذلك يعتبر مقتله خسارة كبيرة لـ”حماس” والانجاز الفعلي الأول الذي تُحقّقه إسرائيل بعد عام من الحرب التي أودت بحياة أكثر من 42 ألف فلسطيني معظمهم من المدنيين، ودمرت 90 في المئة من البنى التحتية في القطاع.
وأتى مقتل السنوار بعد أيام من إطلاق إسرائيل عملية واسعة في مخيم جباليا بشمال القطاع في سياق تنفيذ ما باتت تُعرف بـ”خطة الجنرالات” الرامية إلى إخلاء الشمال من سكانه وإقامة حزام أمني دائم تمهيداً لاستئناف الإستيطان والعودة بالوضع إلى ما كان عليه قبل عام 2005.
يحدث ذلك بالتزامن مع الاستعدادات الإسرائيلية لشن ضربة عسكرية ضد إيران، رداً على الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل في الأول من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، انتقاماً من اغتيال الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في 27 أيلول/سبتمبر الماضي في الضاحية الجنوبية لبيروت ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في طهران في 31 تموز/يوليو الماضي.
كما أن مقتل السنوار، يترافق مع الحرب الإسرائيلية على لبنان ومحاولات التوغل البري في الجنوب، التي لم يعد عنوانها إعادة مستوطني الشمال، وإنما تعدت ذلك إلى تغيير التوازنات في الشرق الأوسط برمته وخلق واقع استراتيجي جديد.
بعد الإخفاق الكبير في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ساعدت الحرب نتنياهو على ترميم صورته كزعيم قادر على انتشال إسرائيل من هذا الإخفاق الذي يرفض تحمل تبعته. وهو أظهر دائماً ميلاً إلى تحدي إدارة بايدن، وحتى أنه رفض الأخذ بتوصيات جنرالات ومسؤولي استخبارات مفادها أن هدف القضاء التام على “حماس” ليس واقعياً.
ومع ذلك، لا تزال استطلاعات الرأي تُظهر أن نتنياهو سيخسر الانتخابات في حال أجريت اليوم، على الرغم من أن ما يسميه معلقون إسرائيليون بـ”شهر الانتصارات” قد زاد من شعبيته على نحو ثابت.
وهنا يبرز السؤال عما إذا كان قراراً بوقف النار سيساعد في زيادة شعبية نتنياهو أم العكس؟ لا يزال الوزيران المتطرفان إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش يرفضان أي وقف للنار على أي جبهة من الجبهات ويُهدّدان باسقاط الإئتلاف الحاكم إذا ذهبت الحكومة إلى أي صفقة من هذا النوع. كما أن شريحة واسعة من القاعدة الانتخابية لرئيس الوزراء الإسرائيلي ترفض وقف النار، من دون الأخذ في الاعتبار ما سيؤول إليه مصير الأسرى الإسرائيليين.
ويرى رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق الذي يترأس مركز دراسات الأمن القومي في تل أبيب، تامير هايمان، أن “إسرائيل يجب أن تقول لإيران الآن، أنها إذا أرادت تجنب حرب مباشرة مع إسرائيل وإنقاذ ما تبقى من حزب الله في لبنان، فإنها يجب أن تضغط على حماس للجلوس إلى طاولة المفاوضات”. لكنه يضيف أن وقف النار “يتطلب نوعاً من القيادة والشجاعة من نتنياهو لأنه سيتعرض للانتقادات من قاعدته”.
أما مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق ياكوف عميدرور، فكان أكثر حذراً، لأنه اعتبر أن “حماس” لا تزال من القوة بحيث أنها قادرة على مهاجمة أية سلطة بديلة في غزة، وتوقع استمرار القتال لسنة أخرى في القطاع.
ويقول المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ناحوم برنياع، إن اغتيال السنوار وقبله السيد حسن نصرالله، “يستحقان تسجيلهما على أنهما ذروة الحرب”، ويضيف “ثمة شك إذا ما كانت هناك إنجازات أكبر من هذه في المستقبل”، ويستنتج “هذه هي النقطة الصحيحة لبدء عملية دبلوماسية. ولدى إسرائيل ما يمكن أن تُقدّمه: إنهاء الحرب في كلتا الجبهتين. ولديها ما ستحصل عليه: إعادة المخطوفين، نزع سلاح غزة، غياب حماس كقوة عسكرية وسلطوية، نزع السلاح في جنوب لبنان من قوات حزب الله، استئناف القرار 1701 واستبدال يونيفيل بقوة أقوى وتأييد دولي لحق إسرائيل في توغل عسكري في غزة وجنوب لبنان إذا خُرقت الاتفاقيات”.
وإذا كان بايدن قد وصف تصفية السنوار بمثابة “فرصة للتفكير في اليوم التالي في غزة”، فإنه من المبكر جداً معرفة ما يجول في ذهن نتنياهو الذي حدّد أهدافاً قصوى لحروبه على “الجبهات السبع”، بما يتخطى غزة والضفة ولبنان إلى المنطقة برمتها، مستنداً إلى الشعور بنشوة المكاسب التكتيكية التي يراكمها.