حسين الديك25/11/2024
يُمثّل قرار المحكمة الجنائية الدولية الأخير باصدار مذكرتي اعتقال بحق كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت خطوة تاريخية على طريق تحقيق العدالة الدولية وترسيخها وافساح المجال أمام محاسبة مرتكبي الجرائم ضد الشعب الفلسطيني وأي شعب مظلوم على وجه الكرة الأرضية.
لا يقتصر الأمر على نتنياهو وغالانت بل يفتح الباب أمام محاسبة قادة وجنرالات الاحتلال الإسرائيلي الذين كانوا مسؤولين عن عشرات لا بل مئات المجازر الإسرائيلية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، أمام مؤسسات القانون الدولي. كما أن توقيت القرار يحمل في طياته دلالات كبيرة، حيث يعكس المهنية العالية والشفافية التي تعاملت بها المحكمة الجنائية مع القضية، استناداً إلى النظام الأساسي لاتفاقية روما، والتي تُعد فلسطين عضواً فيها.
ويُعد القرار دليلاً على فشل الضغوط الأمريكية التي مورست على المحكمة، سواء من الكونغرس أو مجلس الشيوخ أو الإدارة الأمريكية، بهدف ثني قضاتها عن أداء مهامهم، وبرغم تلك المحاولات، التزمت المحكمة بمبادئ القانون الدولي ونظامها الأساسي، ويُبرز القرار كذلك الإحراج الذي سيلحق بالدول الحليفة لإسرائيل، وبخاصة الدول الأوروبية الموقعة على اتفاقية روما، مثل ألمانيا، بريطانيا، هولندا، إيطاليا وغيرها، إذا قرّر نتنياهو أو يوآف غالانت زيارة أراضيها. كما أن هذا القرار يضع هذه الدول في مواجهة حقيقية مع التزاماتها القانونية، ما قد يدفعها لاتخاذ مواقف حاسمة، أو التهرب تحت ذرائع سياسية معينة حفاظاً على علاقاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة.
وعلى الصعيد الفلسطيني، سيُقابل قرار المحكمة الجنائية بموجة من التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين وقيادتهم، وخير دليل تلك التصريحات الصادرة عن وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الذي دعا إلى تشديد الإجراءات ضد السلطة الفلسطينية وضم الضفة الغربية، رداً على شكوى السلطة الفلسطينية المُقدّمة للمحكمة الجنائية الدولية.
وهذا القرار، من شأنه أن يُشجّع اليمين الإسرائيلي المتطرف على تصعيد سياساته القمعية، وتسريع مخططاته الاستيطانية، وتنفيذ ما يُعرف بـ”خطة الحسم”، التي تسعى إلى ضم الضفة الغربية بالكامل، بالتزامن مع تسلم دونالد ترامب مهامه في البيت الأبيض، مما سيعزز من دعم الولايات المتحدة لهذه السياسات، وخصوصاً مع سيطرة الجمهوريين، حلفاء اليمين الإسرائيلي، على الكونغرس.
إن موقف واشنطن التي هاجمت المحكمة في السابق، وفرضت عقوبات على قضاتها، سيتصاعد في ضوء هذا القرار، وخصوصاً مع عودة دونالد ترامب إلى الحكم، في العشرين من كانون الثاني/يناير المقبل، وهو المعروف بمواقفه العدائية تجاه المؤسسات الدولية ولا سيما تلك الداعمة لإسرائيل
إضافة إلى ذلك، قد تؤدي هذه التطورات إلى فرض مزيد من القيود الاقتصادية والمالية على الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية، في إطار سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها إسرائيل، ولا سيما في ضوء قرار المحكمة الجنائية الدولية.
وبرغم أهمية القرار، فإن تنفيذه يواجه عقبات عدة، أبرزها غياب آلية تنفيذية للمحكمة الجنائية الدولية، التي تعتمد في تنفيذ مذكرات التوقيف على حكومات الدول الأعضاء التي وقّعت اتفاقية روما.
كما أن تنفيذ الاعتقال يتطلب تعاون هذه الدول، وهو أمر يظل غير ملزم لها، حيث لا تتضمن الاتفاقية نصوصاً تفرض عقوبات على الدول الممتنعة عن التنفيذ.
ولكن الدول الأوروبية، التي تربطها علاقات استراتيجية قوية بإسرائيل والولايات المتحدة، قد لا تُقدم على اعتقال نتنياهو أو غالانت، ما يُضعف من قيمة القرار عملياً، وفي المقابل، قد تتخذ دولٌ أخرى، ليست لديها علاقات قوية مع إسرائيل، موقفاً أكثر صرامة في حال وطأت أقدام هؤلاء المسؤولين الإسرائيليين أراضيها.
هذا القرار سيدفع نتنياهو وغالانت إلى توخي الحذر في زياراتهم الخارجية، وبخاصة إلى الدول الموقعة على الاتفاقية الناظمة لعمل المحكمة، والتي قد تقوم بتسليمهما للمحكمة الجنائية الدولية؛ وقد يفتح القرار الباب أمام تصعيد أمريكي وإسرائيلي ضد المحكمة الجنائية الدولية.
إن موقف واشنطن التي هاجمت المحكمة في السابق، وفرضت عقوبات على قضاتها، سيتصاعد في ضوء هذا القرار، وخصوصاً مع عودة دونالد ترامب إلى الحكم، في العشرين من كانون الثاني/يناير المقبل، وهو المعروف بمواقفه العدائية تجاه المؤسسات الدولية ولا سيما تلك الداعمة لإسرائيل. لذا؛ قد تواجه المحكمة تحديات أكبر بينها امكان اتخاذ إجراءات أميركية انتقامية ضدها، ولا سيما ضد المدعي العام كريم خان، في محاولة من الولايات المتحدة لتقويض دور المحكمة الجنائية ومصداقيتها على الساحة الدولية.
في الخلاصة، إن قرار المحكمة الجنائية يُمثّل تحولاً قانونياً وسياسياً كبيراً، لكنه يُبرز في الوقت نفسه الصراع السياسي المحيط بالعدالة الدولية، وبينما يعكس القرار التزام المحكمة بمبادئ القانون الدولي، فإنه يُظهر التحديات التي تواجهها في تنفيذ قراراتها، في ظل الضغوط السياسية التي تمارسها الولايات المتحدة والدول الغربية عليها.