“لقد حلّ عيد الميلاد، ولا يزال الجيش الإسرائيلي منخرطاً في قتال بري واسع النطاق في قطاع غزة. كانت التوقعات المبكرة في واشنطن، وإلى حدّ ما في القدس أيضاً، تفيد بأن إدارة بايدن قد تطلب من إسرائيل إنهاء التحرك البري المكثف ضد “حماس” في القطاع حتى نهاية كانون الأول/ديسمبر، وأن الأميركيين سيسمحون، في أقصى حد، ببضعة أسابيع أُخرى من القتال بصورته الحالية.
في هذه الأثناء، دخلت الولايات المتحدة في عطلة العيد، كما هي حال دول العالم الغربي، وستعمل الإدارة في واشنطن بطاقم مقلّص خلال الأيام العشرة المقبلة. إن لم يحدث خلال هذه الأيام أمر شديد الاستثنائية في حرب القطاع، فإن الأميركيين لن يطلبوا من إسرائيل التوقف. لم ينسَ الرئيس جو بايدن الحرب في غزة، وهو ليس لامبالٍ تماماً بشأن محنة الفلسطينيين من سكان القطاع. بيْد أن الصفقة التي يظهر أنها عُقدت مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قد تتيح لإسرائيل مزيداً من الوقت من العمل الحربي بصورته الراهنة.
خلال نهاية الأسبوع، قامت الولايات المتحدة بإحباط مقترح قرار في مجلس الأمن الدولي، بادر إليه كلٌّ من الإمارات ومصر، بهدف الدعوة إلى وقف إطلاق نار فوري بين إسرائيل و”حماس”. وفي المقابل، استجاب نتنياهو للمطلب الأميركي بضمان دخول شحنات إغاثية إنسانية كبيرة نسبياً إلى القطاع. تظل الأزمة الإنسانية هناك شديدة الخطورة، على الرغم من كل شيء، لكن الشحنات المعززة التي يضمن الأميركيون انتظام دخولها، تحول دون تحوّل هذه الأزمة إلى أزمة إنسانية واسعة النطاق.
هذه هي الصفقة القائمة بين بايدن ونتنياهو، فالرئيس، الذي يبرر أخلاقياً، في أي حال، الرد الإسرائيلي على “مجزرة” السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ويؤيد تدمير سلطة “حماس”، يقوم بتأجيل وقف إطلاق النار. يضمن رئيس الحكومة دخول الإغاثات الإنسانية، بما يشمل إدخال جزء منها عبر معبر كرم أبو سالم (لإجراء الفحوصات الأمنية، وفي تعارُض تام مع تصريحات الحكومة التي قضت بأنه لن يتم السماح بإدخال شحنات من إسرائيل إلى القطاع بعد المجزرة). أما فيما يتعلق بالتغيير في شكل التحرك العسكري الإسرائيلي والتحول إلى صيغة تخفيف الوجود العسكري، والتحول التدريجي إلى صيغة هجمات المباغتة، فإن الأميركيين أقل تعجّلاً قليلاً منذ الآن، ما دامت المساعدات تدخل، وما دامت إسرائيل تقتل عدداً أقل من المدنيين في القطاع.
هناك نقطتا ضعف في التوافق الجديد الذي بدا واضحاً. أولاً، تساعد الشحنات الإغاثية “حماس” أيضاً. فهي لا تتسبب فقط بتخفيف الضغط على النظام في غزة من جانب السكان المدنيين، بل إنه من الواضح والمعروف أن جزءاً من كل شحنة “تنهبه” “حماس”، إذ يساعد الوقود على حفظ أنظمة التهوئة في داخل الأنفاق، في حين أن الغذاء يزيد في المخزون الكبير منذ الآن، والذي تحتفظ به المنظمة لعناصرها. وثانياً، من غير المؤكد أن التأخير في تغيير الصيغة المعمول بها حالياً سيخدم المصلحة الإسرائيلية.
من المفترض أن يشمل الأربعون اسماً، مجموعة من النساء اللواتي بقين في الأسر، والرجال الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً، فضلاً عن المخطوفين المرضى والمصابين بجروح خطِرة. وفي مقابل ذلك، تكون إسرائيل مطالبة بالموافقة على وقف إطلاق نار يستمر أسبوعاً، أو أسبوعين. وفي مرحلة متأخرة، ستتم مناقشة صفقة تشمل الجميع في مقابل الجميع
ورطة نتنياهو
هناك معسكر آخذ في الاتساع بالتدريج، في المستويات السياسية ومستوى هيئة الأركان، يرى أن هناك حاجة إلى تغيير أسلوب العمل في قطاع غزة بأسرع وقت ممكن، وذلك على خلفية الخسائر اللاحقة بالجيش الإسرائيلي في القطاع (14 قتيلاً خلال معارك نهاية الأسبوع؛ أما في معارك الأمس، فتم إعلان خبر سقوط ثلاثة جنود آخرين). كما تُطرح أسئلة أيضاً عمّا إذا كانت عمليات التفتيش البطيئة والممنهجة، بحثاً عن فوهات الأنفاق ومخازن السلاح، تقرّب الجيش، عملياً، من تحقيق الأهداف المعلنة للحملة: نزع قدرات سلطة “حماس”، وخلق ظروف تضمن استعادة المخطوفين.
أما نتنياهو، فيواصل بثّ صورة مضللة، نوعاً ما، للجمهور في البلد، مفادها بأن الجيش الإسرائيلي يتقدم بسرعة نحو تحقيق النصر في القطاع، من دون أي قيود. يوم أمس، خلال ظهورَين مختلفَين، وعد رئيس الحكومة بأن إسرائيل ستواصل قتال “حماس” “حتى تحقيق النصر الناجز”، من دون أن يناقش طبيعة العملية. وفي مقابل ذلك، صرّح الجنرال إليعيزر توليدانو، رئيس القسم الاستراتيجي في هيئة الأركان، أمام الوزراء، بأن “هذه الحرب ستستمر شهوراً طويلة أُخرى. وسنضطر إلى إدارة اقتصاد الذخائر. نحن لا نوفّر الذخائر في التحرك البري، ونقوم بكل ما علينا القيام به من أجل حماية حياة جنودنا”.
جاءت أقوال توليدانو، بعد أن أعرب الوزير نير بركات عن قلقه من أن إسرائيل “لطيفة للغاية”، وتأخذ في اعتباراتها المطالب الأميركية بتقليص الخطر الذي يهدد المدنيين الفلسطينيين، وبذلك، هي تقلل من استخدام الضربات، بصورة تعرّض حياة الجنود للخطر. إن صوت بركات، الذي تجرأ فجأة على مهاجمة نتنياهو بصورة غير مباشرة، يضاف إلى شكاوى متزايدة ومتصاعدة من الجناح اليميني المتطرف في الحكومة ضد طريقة خوض الحرب. هذه هي أيضاً الورطة التي يجد رئيس الحكومة نفسه فيها، عندما يسمع التوقعات الأميركية بشأن تغيير طبيعة القتال.
الخطوط العريضة المصرية
بعد فترة طويلة من الشلل في المفاوضات بشأن التوصل إلى صفقة رهائن جديدة، تتوسط فيها قطر، دخلت مصر إلى الصورة أيضاً. إذ قدّمت القاهرة بالأمس مخططاً جديداً، يتم بموجبه إطلاق سراح 40 مخطوفاً محتجزين في القطاع (هناك 129 مخطوفاً، لكن الجيش الإسرائيلي أعلن مقتل أكثر من عشرين منهم، بالاستناد إلى معلومات استخباراتية، ونتائج الطب الشرعي، وشهادات مخطوفين آخرين عادوا من الأسر).
من المفترض أن يشمل الأربعون اسماً، مجموعة من النساء اللواتي بقين في الأسر، والرجال الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً، فضلاً عن المخطوفين المرضى والمصابين بجروح خطِرة. وفي مقابل ذلك، تكون إسرائيل مطالبة بالموافقة على وقف إطلاق نار يستمر أسبوعاً، أو أسبوعين. وفي مرحلة متأخرة، ستتم مناقشة صفقة تشمل الجميع في مقابل الجميع: إطلاق سراح جميع المخطوفين الذين سيظلون في قبضة “حماس”، في مقابل إطلاق سراح جميع السجناء الفلسطينيين المحتجزين في إسرائيل، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع، ووقف طويل المدى لإطلاق النار، وإقامة “حكومة تكنوقراط” في القطاع، لا يكون أعضاؤها متماهين مع “حماس”.
تتداخل بعض عناصر المقترح المصري مع الأفكار التي نوقشت في لقاء بولندا، الأسبوع الماضي، والذي جمع بين ممثلين من الولايات المتحدة وإسرائيل وقطر. إلا إن التحرك القطري عالق، في حين أن القاهرة، على عكس نظام الدوحة، قادرة على الحفاظ على علاقة مباشرة (تقريباً) مع قيادة “حماس” في القطاع، التي يختبئ قادتها في الأنفاق. أما القطريون، في المقابل، فهم في وساطتهم رهن قادة “حماس” في الخارج، الذين تستضيفهم في الدوحة منذ أعوام.
ينبع الشك الإسرائيلي في الاقتراح المصري من أنه يبدو أن القاهرة، بعد المرحلة الأولى، ستحاول أن تفرض على إسرائيل إنهاء الحرب من دون تفكيك سلطة “حماس” بصورة عملية، مع نيتها الحفاظ على حضور جزئي للتنظيم في النظام الجديد الذي تُعتزم إقامته في القطاع، بعد انقشاع غبار الحرب”.
(*) المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية