إذا كانت هناك إرادة خارجية بتغيير موقع سوريا الإقليمي، مَنْ ساهمَ أكثر من غيره، ولو بطريقة غير مباشرة، في إنجاح ما كان يُخطط له الغرب؟ إنه بشّار الأسد. كيف؟
1- عناد واصرار بشار الأسد وثقته العالية بالنفس وثقته بفائض القوة التي استمدها من “المحور”، بدليل رفضه على مدى سنوات الدعوات للذهاب إلى حل سياسي وبالتالي تقديم تنازلات إلى شعبه.
2- رفض الانفتاح على المعارضة السورية حتى الداخلية منها وبينها منصات “تمون” عليها موسكو أو عواصم عربية لوضع آلية لإدارة البلد في المرحلة المقبلة.
3- عدم الأخذ بنصائح ومقترحات الحل السياسي الآتية من دول اتفاقية أستانة، أي إيران وروسيا وتركيا.
4- الرهان على حضن خارجي ما لحماية النظام وبالتالي اللعب على حبل التوازنات الدولية والإقليمية، مثل الإبتعاد النسبي مؤخراً عن إيران والإرتماء في حضن السعودية والإمارات!
اختار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التوقيت المناسب. استغل وضع حزب الله الخارج للتو من حربه مع إسرائيل، ليس منهكاً وحسب بل مثخماً بالجراح. كما استغل مرحلة اختلال التوازن في النظام الإقليمي وحاجة إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى أوراق تسند خيارها بالذهاب إلى مفاوضات مع إيران من دون أذرعة إقليمية.
هذا التوقيت يضمن لأردوغان عدم قتال المحور ضده في سوريا. أما عدم قتال الجيش السوري وسيطرة المعارضة على جميع المناطق السورية بسهولة فله أسبابه الداخلية، فضلاً عن أدوار أخرى تقاطعت عند المثلث الروسي – الإيراني – التركي.
إنها لعبة الأمم وتقاسم اللنفوذ..
لكن ما الثمن الذي قبضه الأسد ليُنهي في لحظة واحدة حكماً إستبدادياً دام 54 سنة، من دون الإدلاء بكلمة واحدة أمام الشعب السوري!
لا أحد يملك الجواب إلا الأسد نفسه، وإذا صحّ القول أن معظم الحرس الجمهوري قد ترك المقرات الرئاسية في الساعات الأخيرة، بما فيها منزل بشار الأسد الرئاسي، فإن ذلك يعني أن بشار الأسد إفتقد في ساعاته الأخيرة حتى إلى رجال حراسته.
***
تحاول “هيئة تحرير الشام” إعادة تسويق نفسها أمام الشعب السوري والخارج بحلّتها الجديدة:
1- تخلّى خرّيج تنظيم “القاعدة” و”جبهة النصرة” (هيئة تحرير الشام) أبو محمد الجولاني عن لقبه العسكري وأصبح التداول بإسمه الحقيقي أحمد الشرع.
2- أعلن أحمد الشرع نيّته حل “هيئة تحرير الشام” لخلق مؤسسات جديدة وهيئات انتقالية قادرة على إدارة المناطق الجديدة.
3- الانتقال من خطاب التشدد والتطرف الإسلامي (خطاب هو مزيج من مفردات داعش والنصرة)، إلى خطاب مُنفتح يدعو إلى الحوار واحترام الأعراف الاجتماعية والثقافية للشعب السوري مسلمين ومسيحيين.
وبمعزل عن نوايا أحمد الشرع الحقيقية، فإن الشعب السوري قال كلمته وعبّر عن خياراته. هي فرصة مناسبة لبناء دولة حقيقية جديدة. دولة القانون والمؤسسات والعدالة.
***
على الشعب السوري أن يعي خطورة التقسيم وتقاسم نفوذ الدول الخارجية في سوريا. على المعارضة السورية الإسراع في إيجاد حل سياسي. الفراغ الأمني وفراغ المؤسسات الرسمية خطيرٌ جداً. المستفيد الأول من هذا الفراغ هو العدو الإسرائيلي الذي دمّر كل مقدرات الدولة السورية العسكرية لا سيما الجوية والبحرية وترسانتها الصاروخية ومنشآتها العلمية. كما أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جيشه بالسيطرة على المنطقة العازلة التي تفصل مرتفعات الجولان المحتلة عن بقية سوريا (هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تمركز قوات إسرائيلية في المنطقة العازلة منذ اتفاق فض الإشتباك بين سوريا وإسرائيل في العام 1974). حيث اعتبر أن اتفاق فصل القوات انهار بعد إخلاء العسكريين السوريين مواقعهم، فضلاً عن سيطرة الجيش الإسرائيلي على قمة جبل الشيخ وعدد من القرى والبلدات السورية داخل المنطقة المنزوعة السلاح، وبعمق يصل إلى 18 كيلومتراً داخل الأراضي السورية.
خلاصة الأمر أنه ليس مسموحاً لسوريا الجديدة أن تقوم وأن تهدّد ما يُسمى “الأمن القومي الإسرائيلي”، وبالتالي يُراد لها أن تسكت عن ضم الجولان وعن التوغل الإسرائيلي حتى نحو 25 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من العاصمة دمشق!
***
تتسارع الأحداث وتتغير معالم المنطقة. صار الإقليم أميركياً أكثر من أي وقت مضى. تراجعت إيران وتقدمت تركيا فيما النظام الإقليمي العربي غير متوفر على السمع. أمامنا هدنة طويلة الأمد في مسلسل الصراع العربي – الاسرائيلي المفتوح. من اتفاقية وقف اطلاق النار في لبنان، الى الاقتراب من التوصل إلى اتفاق في غزة، وصولاً إلى إسقاط النظام في سوريا..
حتماً منطقتنا تتغير، وقد نرى المزيد من المفاجآت في العراق واليمن وإيران.
***
ماذا عن لبنان؟ على الدولة اللبنانية، وبكل جدية هذه المرة، ضبط الحدود مع سوريا من خلال تعزيز انتشار الجيش اللبناني ومراكز الأمن العام وصولاً إلى ضبط معابر التهريب، لا سيما وأن ملف النازحين السوريين يُشكّل عبئاً على البلد نظراً للمساحة الجغرافية والتعداد البشري فيه. بالإضافة الى خطورة تشكيل خلايا نائمة حيث توجد بيئة حاضنة للتكفيريين ممن لا يريدون الخير لهذا البلد الحبيب.
علينا أن لا نتردد في اتخاذ كل ما يلزم من خطوات سياسية وأمنية، وأولها تحصين لبنان بانتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة مهمة تأخذ على عاتقها تنفيذ الإصلاحات المؤجلة منذ عقود من الزمن.