ترامب يُعلن الحرب على.. العالم!

عندما وصل ادولف هتلر إلى السلطة في ألمانيا هزَّ أوروبا. أعلن نيته توسيع جغرافيا الرايخ. بعد ست سنوات من وصوله، أشعل الحرب العالمية الثانية في العام 1939.

ها هو دونالد ترامب يحذو اليوم حذو هتلر. يُعلن نيته تخريب العالم. يعقد عزمه على الابتزاز والمصادرة. يُريد كندا وقناة باناما وجزيرة غرينلاند، ويستهدف المكسيك، ويُخطط لتحدِّي الصين، ويرغب في محاصرة روسيا، ويسعى إلى الإفادة من الحرب في أوكرانيا لتحويل الاتحاد الأوروبي من الاستتباع إلى الاستغلال المباشر، في إطار التنازع ضمن الدائرة الرأسمالية الواحدة، ويحلم بالسيطرة على البحار ليتمكَّن من السيطرة على الكوكب. إنَّها عقدة الهيمنة في عقيدة الرأسمالية، وإنهاء التاريخ لا نهايته فحسب، كما يدّعي بذلك فرنسيس فوكوياما أو صموئيل هاتنغتون في مقولته حول “صراع الحضارات”.

ترامب يُريد أن يكون إمبراطوراً رومانياً جديداً بالقوة الأميركية، وذلك لـِ التشبيح على أمـوال الآخـرين وأراضيـهم [بالمناسبة كلمة تشبيح فصيحة تماماً] لكنه يتناسى أن الإمبراطورية الرومانية التي حكمت العالم، ووصلت إلى تسمية البحر الأبيض المتوسط بـِ”بحر الروم” دالَتْ، وتفسَّخت، وسقطتْ، وظهرت لها بيزنطة في الشرق.

بعد هذه التصريحات الترامبية الإمبراطورية تزداد حاجة لبنان إلى الوحدة الوطنية الفعلية لا الإنشائية وإلى تخفيف شروط القوى السياسية لتسهيل مهمة نوّاف سلام في تأليف أولى حكومة عهد الرئيس العماد جوزاف عون، وإلا فإن تأليف الحكومة سيكون فريسة الضغط الداخلي والخارجي معاً

ترامب المشبع بأفكار برنارد لويس الصهيوني – وهو أكبر منظّرٍ لإعادة تقسيم العالم ولا سيما الشرق وبلاد العرب والمسلمين – بدأ ولايته الثانية بتحويل أفكار لويس إلى سياسة. أطلق ما يشبه إعلان حرب عندما دعا إلى تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة إلى مصر والأردن. نطق فعلاً بروحية هتلر وبلسان نتنياهو بعد أن أهدى إليه صفقة أسلحة جديدة. التوقيت خطير. تزامن مع وقف إطلاق النار في غزة وفي لبنان وكلاهما يترنَّحان. دولتا مصر والأردن رفضتا. الأولى، خشيةً من الانفجار الداخلي حيث وحدة مصر نفسها مهددة، والثانية، خوفاً على العرش ومن الاضطراب الديموغرافي، وكلتاهما تتلقّيان المساعدات من واشنطن، ولهذا تعجرف عليهما ترامب فقال عنهما: “إن الولايات المتحدة قدَّمت لهما الكثير وعليهما أن تقبلا”.

ابتزاز كامل.. ومن الخطأ القول إنها سياسة ترامب. هذه سياسة الولايات المتحدة، لكن ترامب هو الأشد فجاجة في التعبير عنها. المسألة أبعد من مجرَّد ابتزاز خطير، فترامب يريد إطلاق النار من البندقية الإسرائيلية على الوضع في الشرق الأوسط. يستهدف تغطية احتمالات سقوط اتفاق غزة، وفرض تطبيق القرار 1701 في لبنان بالطريقة الإسرائيلية، الأمر الذي يتيح للاحتلال الإسرائيلي خرق الاتفاق المعقود في 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وربما السماح لـِ نتنياهو بتجديد العدوان على لبنان. وفي الوقت نفسه يهدف ترامب إلى تكريس هيمنة مباشرة على لبنان، ولا سيّما أن إشاراتٍ عديدة برزت في الأسبوع الماضي، ودلَّت على ضغوط وتدخلاتٍ أميركية في تأليف الحكومة اللبنانية. وهذا ما سيزيد المصاعب أمام الرئيس المكلف بالتأليف نوّاف سلام الذي عليه أن يُوفِّق واقعياً بين التوازنات الداخلية من جهة، والضغوط العربية والأميركية من جهة ثانية، ما سيؤخِّر إعلان الحكومة اللبنانية العتيدة.

إذاً، دعوة ترامب إلى التهجير الفلسطيني ورقةٌ تمسُّ المنطقة كلها، وعنوانٌ لنهج من الرعاية المستمرة للسياسات الإسرائيلية، من تقديم السلاح إلى تسويغ الاحتلال وإجراءات الضمِّ من الجولان في السابق إلى الضفة لاحقاً، إلى محاولة حكم قطاع غزة خارج إرادة المقاومة والشعب الفلسطيني، إلى التطبيع الموسّع، إلى مزيد من تهزيل العرب، إلى محاولة تجديد صفقة القرن بعدما جرى إضعاف الدور الإيراني ونقل سوريا إلى الفلك الأميركي في دورة كاملة.

يصعبُ على أيِّ مراقب أن يتجاهل قراءة أعماق دعوة ترامب وأبعادها. نحنُ في لبنان خصوصاً معنيون بالحذر الشديد منها، ولا سيما في ما يتعلَّق بمصير وقف إطلاق النار، وانعكاساته على تأليف الحكومة، والقضايا المستقبلية المتعلقة بأوضاع المخيمات الفلسطينية، فمن يدعو إلى التهجير يستبطن التوطين، ويرفض حق العودة، ويرفض طبعاً فكرة الدولة الفلسطينية، ما يعني أن الحرب هي سياسة الولايات المتحدة المستمرة، وأن فكرة السلام لا تعني أكثر من الهيمنة والمصادرة.

لا شك في أنّه بعد هذه التصريحات الترامبية الإمبراطورية تزداد حاجة لبنان إلى الوحدة الوطنية الفعلية لا الإنشائية وإلى تخفيف شروط القوى السياسية لتسهيل مهمة نوّاف سلام في تأليف أولى حكومة عهد الرئيس العماد جوزاف عون، وإلا فإن تأليف الحكومة سيكون فريسة الضغط الداخلي والخارجي معاً.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  "ما دام هتافاً".. إسرائيل كسبت فى قطر أيضاً!
بسّام ضو

عضو الهيئة الإدارية لاتحاد الكُتّاب اللبنانيين

Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  "المارونية السياسية": زمن يتوارى.. زمن لا يأتي (5)