ورقة أمريكية لإيران.. لكن فرص التفاوض تتراجع!

أعطی الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "العين الحمراء" للذين كانوا يحبسون أنفاسهم استعداداً للعشرين من كانون الثاني/يناير الماضي، تاريخ دخوله إلى البيت الأبيض ومن بعدها كيفية تعامله مع ملفات مستعصية موجودة على مكتبه الرئاسي. ولعل منشأ هذا الترقب هو الشخصية الجدلية والمتناقضة للرئيس الجديد، ما جعل معظم المتابعين يُردّدون أنّه من الصعوبة بمكان التكهن بماذا يُفكر ترامب.. وماذا يُريد أن يفعل؟ 

في هذه المقالة، سأتطرق إلى آلية تعاطي ترامب مع الملف الإيراني بعدما حدّدت الحكومة الإيرانية رؤيتها استعداداً لمفاوضات تريد لها أن تفضي إلى طي صفحة العقوبات الإقتصادية المفروضة على طهران مقابل إزالة المخاوف الغربية وتحديداً الأمريكية.

في هذا السياق، استطاع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان اقناع المرشد الإيراني الامام علي خامنئي بجدوی المفاوضات مع الجانب الأمريكي. اتفقا علی ان تكون “مباشرة” هذه المرة علی عكس المفاوضات السابقة إبّان ولاية الرئيس جو بايدن؛ إضافة إلی قضايا تفصيلية تبعاً للملفات المطروحة.

وأوضح المرشد الإيراني قبل نحو أسبوعين أنه لا مانع من استئناف المفاوضات مع الجانب الأمريكي، لكنه دعا إلی التحقق من الجانب الآخر ومعرفة مدى جديته بالدخول في مفاوضات تستند إلی الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة؛ لكنه عاد في 7 شباط/فبراير المنصرم للدعوة إلی عدم التفاوض مع الولايات المتحدة، ورأی أن مثل هذه المفاوضات “عديمة الحكمة والجدية وغير مشرفة”؛ الأمر الذي انسحب علی موقف الحكومة الإيرانية بعدما وقّع الرئيس الأمريكي وثيقة “الضغوط القصوی” علی الإقتصاد الإيراني إضافة إلی فرض عقوبات جديدة علی شركة ملاحية أجنبية معنية بنقل النفط الإيراني للصين.

وفق معلومات غير رسمية، تسلمت طهران ورقة أمريكية غير رسمية تطلب منها العمل بشكل “طوعي” من أجل تفكيك برنامجها النووي ومنظومتها الصاروخية والسماح لفرق أمريكية بمراقبة مراكز أبحاث الفضاء والدراسات النووية والصاروخية في إيران قبل أن يجلس الجانبان علی طاولة مفاوضات مجدداً

الرئيس ترامب، وفي إطار سياساته الغامضة في مواجهة العديد من الملفات الساخنة، كان قد أعلن أنّه يُريد لقاء الرئيس بزشكيان وأنه يُريد الاحتفال في الشرق الأوسط بالاتفاق مع إيران علی إزالة العقوبات لكنه سرعان ما وقّع وثيقة “الضغوط القصوی”.

ووفق معلومات غير رسمية، تسلمت طهران ورقة أمريكية غير رسمية تطلب منها العمل بشكل “طوعي” من أجل تفكيك برنامجها النووي ومنظومتها الصاروخية والسماح لفرق أمريكية بمراقبة مراكز أبحاث الفضاء والدراسات النووية والصاروخية في إيران قبل أن يجلس الجانبان علی طاولة مفاوضات مجدداً. هذه المعلومات تُفيد أن هذه الورقة وصلت إلى طهران ما بين 28 كانون الثاني/يناير و7 شباط/فبراير 2025، وهو ما جعل المرشد الإيراني يُطالب بوقف الجهود الرامية لانجاز المفاوضات مع واشنطن؛ وقال إن التجربة علّمتنا “عدم التزام الولايات المتحدة بالتزاماتها حيث قامت بتقويض وانتهاك وتمزيق الاتفاق الذي تم التوقيع عليه” مع حكومة الرئيس الأمريكي باراك أوباما.

وفي حقيقة الأمر، فإن المرشد الإيراني كان استثناء على الصعيد الإقليمي بتصديه لخطاب ترامب الاستفزازي، بعد دخوله إلى البيت الأبيض، حيث توعّد الولايات المتحدة بالرد عليها إذا تعرّضت لإيران أو نفّذت تهديداتها ضدها، وقال “إذا ما هدّدونا، سنُهدّدهم. وإذا ما نفّذوا وعيدهم، سنُنفّذ وعيدنا. وإذا ما مسّوا بأمن أمّتنا، سنمسُّ بأمنهم بلا تردّد”.

هذه التطورات دفعت الحكومة الإيرانية إلی وقف جهودها الرامية لمتابعة المفاوضات، وألقت باللوم علی ترامب بوصفه المسؤول عن ابتعاد طهران عن فكرة الدخول بمفاوضات مع واشنطن، وفي المقابل، أبقت أبواب الحوار مفتوحة مع الجانب الأوروبي الذي أبدی حماسة لذلك في ضوء جولتين بنّاءتين من المباحثات الإيرانية-الأوروبية.

ويسود إعتقاد أن ترامب يسعی لفتح باب المفاوضات تحت وطأة “الضغوط القصوی” المفروضة علی إيران لدفعها إلى تقديم تنازلات جديدة علی خلفية الآثار الناجمة عن العقوبات الاقتصادية؛ لكن طهران تعتقد بأنها تستطيع تجاوز هذه العقوبات من خلال انفتاحها علی روسيا والصين وبقية الدول الأسيوية إضافة إلی دول منظمتي “بريكس” و”شنعهاي” وبقية المنظمات الأسيوية.

وتعتقد بعض الأوساط الإيرانية أن مثل هذه الحالة ستُمكّن ترامب من إعطاء الضوء الأخضر لإقدام إسرائيل على ضرب المنشأت النووية الإيرانية؛ لكن الوقائع والتجارب السابقة تُثبت أن مثل هذا السيناريو بعيد المنال لسببين:

السبب الأول أن الكيان الإسرائيلي ما بعد وقف اطلاق النار في غزة حالياً ليس كما كان قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023؛ وأن الرئيس ترامب الذي قال إنه يريد إنهاء الحروب غير مستعد لبذل المزيد من الأكلاف المالية والعسكرية والأمنية من أجل إرضاء خاطر بنيامين نتنياهو وغيره من المتشددين في حكومته أو خارجها.. وبعضهم مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية. وتشير الأوساط نفسها إلى أن إعطاء قنابل وأسلحة أمريكية جديدة للكيان الإسرائيلي لا يعني بالضرورة الموافقة علی استخدامها ضد إيران.

السبب الثاني أن الولايات المتحدة تعلم جيداً أن إيران ليست ضعيفة إلى حد أن تقف مكبلة اليدين إزاء أي هجوم إسرائيلي؛ خصوصاً وأنها تتحدث عن امتلاكها صواريخ فرط صوتية بمدی يصل إلى حوالي الألفي كيلومتر؛ هذا من دون استبعاد قرار إيران الرامي إلی الإنسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي في حال تعرض أي منشأة نووية إيرانية لتهديد جدي.

إقرأ على موقع 180  مصر.. من محمد علي إلى محمد علي!   

وتبقی آلية “سناب شات” التي تريد الولايات المتحدة الضغط علی “الترويكا” الأوروبية لاستخدامها في مجلس الأمن الدولي من أجل عودة أوتوماتيكية لستة قرارات دولية ضد إيران، بما في ذلك العودة للفصل السابع استناداً للقرار الأممي 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي. مثل هذه الخطة قالت إيران بأنها إذا نُفّذت فإنها سترد بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي أيضاً؛ وبالتالي فإن الولايات المتحدة وإسرائيل يعلمان جيداً خطورة مثل هذه الخطوة علی ضوء الاتفاقية الجديدة التي وقّعتها إيران مع روسيا والتي تشمل مجالات تعاون متعددة.

في الخلاصة، ثمة أوساط تحاول تسويق صورة غير واقعية عن ضعف إيران بعد تطورات سوريا ولبنان لكن الحقيقة أن امكانات إيران غير قليلة وأنها غير متعودة علی رفع الراية البيضاء.. “فالمُبلل لا يخاف من المطر”، كما يقول المثل الشعبي الشائع.

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  مصر.. من محمد علي إلى محمد علي!