منذ أكثر من سنة، أطلت أولى تباشير الرغبة الإماراتية بالحوار مع حزب الله. جاءت الرسالة عبر قنوات عدة، لكن حزب الله تعمد الرد على الإماراتيين من خلال قناة المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، بأن الحوار مرفوض قبل إطلاق سراح الموقوفين اللبنانيين لدى الإمارات، وهذا الملف الأخير بعهدة اللواء ابراهيم، وهو الممر الإلزامي لأي حوار ثنائي بين الجانبين سراً أو علناً.. وبالفعل، بادر اللواء إبراهيم إلى نقل الجواب للجانب الإماراتي.
مضى على بعض الموقوفين اللبنانيين أكثر من عشر سنوات، وقد تمكن اللواء إبراهيم من إطلاق سراح البعض منهم في العام 2022، لكن الحصة الأكبر من الموقوفين، وفق التهم الموجهة إليهم ومنهم من تمت إدانته بأحكام طويلة، لم يُفرج عنها برغم تدخل الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي أكثر من مرة. وكأن الإمارات كانت تنوي الحصول على صيد ثمين مقابل إطلاق سراح هؤلاء، لا يكون أقل من فتح صفحة جديدة مع حزب الله.
مؤخراً، جدّد الإماراتيون تواصلهم مع حزب الله، عبر قنوات خارجية عدة بينها القناة السورية التي شجّعت الحزب على تلقف المبادرة، وجرت عدة لقاءات بين صفا وبين مسؤولين أمنيين إماراتيين في الضاحية الجنوبية لبيروت، “ناقشوا خلالها ملف الموقوفين فقط، من دون التطرق إلى أي ملف آخر، على الطريقة الإيرانية لجهة فصل الملفات، وإبداء مرونة تحت سقف الثوابت التي لا حياد عنها”، حسب تعبير مسؤول بارز في حزب الله.
تقول مصادر لبنانية تتعامل مع هذا الملف منذ عدة سنوات إنه من غير الممكن أن تبادر دولة مثل الإمارات إلى الإقدام على خطوة من هذا النوع من دون موافقة الجهات الأمنية السعودية المعنية، فملف حزب الله “يمس الأمن القومي السعودي والخليجي على حد سواء ولا يمكن لدولة مثل الإمارات أن ترتجل أو تعزف منفردة في ملف بالغ الحساسية والخطورة”
تُوّجت تلك اللقاءات بسفر رئيس وحدة الارتباط، وفيق صفا، يوم الاثنين الفائت، على متن طائرة إماراتية خاصة، برفقة ضابط إماراتي كبير، لاستكمال ملف الموقوفين، وأُشيع بأنه سيعود بعد ساعات معدودة ومعه جميع الموقوفين على نفس الطائرة، لكن حتى الآن ما زال في ضيافة أبو ظبي وبرفقته شخصيتان لبنانيتان لم تُحدّد هويتهما. وعن احتمال لقائه مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد، أكد المسؤول الحزبي “أن الأمور لم تبلغ هذا المستوى. ربما يحصل لقاء على مستوى أمين عام مجلس الأمن الوطني الإماراتي علي محمد حمّاد الشامسي، على اعتبار أن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من هذا المنسوب” في هذه المرحلة التمهيدية.
واللافت للإنتباه أن الجهة التي قامت بتسريب خبر زيارة صفا إلى أبو ظبي هي من المقلب الإماراتي، وهو الأمر الذي أثّر “سلباً” على الزيارة، إذ أن حزب الله كان قد اتفق مع الإماراتيين على ابقاء المفاوضات والرحلة قيد التكتم، ولم يعرف حتى الآن الهدف الذي تبتغيه الجهة الإماراتية التي سرّبت الخبر، بمعنى أنها تريد حرق نتائجه أم أن التسريب له حسابات مختلفة؟
لكن بقاء صفا لثلاث ليالٍ متتالية، حتى الآن، قد يُفسر من زاوية أن ملف الموقوفين يحتاج إلى تذليل بعض التفاصيل، سواء لجهة إطلاق سراحهم دفعة واحدة أو على دفعتين بحلول عيد الفطر على جاري عادة الإمارات في مناسبات مماثلة، دينية أو وطنية، حيث يتم إصدار إعفاءات بحق المساجين لديها، سواء أكانوا إماراتيين أو أجانب، بموجب قرارات يُصدرها رئيس الدولة الأمير محمد بن زايد.
وعند سؤالنا للمسؤول الحزبي عن تبعات هذه الزيارة على صعيد علاقات حزب الله مع السعودية، قال: “ثمة رسائل وصلتنا من السعودية بطريقة غير مباشرة، عن طريق أصدقاء مشتركين زاروا المملكة، أنهم سمعوا كلاماً جيداً بحق الحزب، وإشادة بقيادته لتعاطيها بحكمة وعقلانية ومسؤولية مع ملف الجبهة الجنوبية المفتوحة”. وأكد المسؤول الحزبي “أنه لا مانع لدينا من التواصل مع السعودية إذا ما أرادت ذلك”.
وتقول مصادر لبنانية تتعامل مع هذا الملف منذ عدة سنوات إنه من غير الممكن أن تبادر دولة مثل الإمارات إلى الإقدام على خطوة من هذا النوع من دون موافقة الجهات الأمنية السعودية المعنية، فملف حزب الله “يمس الأمن القومي السعودي والخليجي على حد سواء ولا يمكن لدولة مثل الإمارات أن ترتجل أو تعزف منفردة في ملف بالغ الحساسية والخطورة”.
ومن المعروف أن الإمارات تُشكل كاسحة ألغام للمملكة، وهي سبّاقة في “المبادرات”، وقد شهدنا على ذلك سابقاً من خلال انفتاحها التاريخي على إيران وانفتاحها قبل خمس سنوات على سوريا وقرارها بالتطبيع مع إسرائيل في السنوات الأخيرة، و”حتماً تسلك السعودية المسار نفسه”، تقول المصادر اللبنانية.
وعلى قاعدة “فرض المُحال ليس بمُحال”، لو أن حزب الله قرّر الإنفتاح على جهات عربية ودولية، بينها الولايات المتحدة، برغم أن هذا الأمر مستبعد بالنسبة للجانبين حالياً، على الأقل، كون الحزب يضعها في خانة إسرائيل نفسها، حسب تعبير المسؤول الحزبي، “ربما ساعتئذ، لم يعد ثمة حاجة للمسؤولين اللبنانيين في أن ينشغلوا باستقبال الموفدين العرب أو الأجانب، وقد يكتفي الأخيرون بزيارة حارة حريك.. ويدبرون”!