الورقة الأميركية تُغيّر هندسة الحكم السوري.. المقاتلون الأجانب بالمرصاد!

تعرضت بنية الحكم الانتقالي في سوريا خلال الأسابيع الماضية لهزات مكتومة وأزمات عدّة ظلت حبيسة الجدران المغلقة وسط جهود لإخفائها أو على الأقل التكتّم على آثارها.

وفيما تعكس هذه الأزمات الخلل البنيوي الذي عانت منه “هيئة تحرير الشام” نتيجة الشرخ الذي أحدثه ملفُّ العملاء بين جناحيها الأمني والعسكري في العام الأخير قبل سقوط نظام بشار الأسد، تشير مصادر إلى أن “ورقة المطالب الأميركية” من جهتها لعبت دوراً بارزاً في توسيع الشرخ السابق وإحداث اصطفاف بين تيارات السلطة المؤقتة بناءً على مواقفها من بنود ورقة المطالب المذكورة، حيث تجد بعض التيارات أنها ستكون الأكثر تضرراً في حال تلبيتها.

وطرأت في الأسابيع الأخيرة تطورات عدة على المشهد السياسي السوري قد تبدو منفصلة ولا رابط فيما بينها، أهمها على سبيل المثال: اختفاء عبدالرحمن السلامة من القصر الجمهوري حيث كان مسؤولاً عن إدارته ومرافقة رئيسه أحمد الشرع في رحلاته الخارجية، وتعيين ماهر الشرع شقيق الرئيس الانتقالي مسؤولاً عن الأمانة العامة للرئاسة. وكذلك إحداث الأمانة العامة للشؤون السياسية في وزارة الخارجية، بموازاة الإعلان عن خطة العمل في وزارة الداخلية بما تضمنته من إعادة هيكلة. إضافة إلى عزل مسؤولين أو اتخاذ إجراءات عسكرية في بعض المناطق.

ولدى إلقاء نظرة فاحصة، يتبين أن هذه التطورات شديدة الترابط ليس لأنها تشير إلى هندسة معينة لرسم ملامح الحكم الانتقالي في سوريا فحسب، بل لأنها أيضاً تبرز جانباً من خريطة المصالح المتنافسة في تحديد تلك الهندسة.

وبنتيجة التطورات المشار إليها بدأت تظهر شقوق في جدار السلطة القائمة تسللت منها خلافات بين أركان منظومة الحكم حول حدود صلاحيات كل منهم وأدواره.

وقد تجلّى جانب من عدم وضوح الحدود بين الصلاحيات في الزيارة التي قام بها وفد سوري إلى الولايات المتحدة، إذ بالرغم من طابعها الاقتصادي والمالي البحت أصرّ وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني على المشاركة فيها غير آبهٍ لما رشح عن ذلك من صعوبة حصوله على فيزا لدخول العاصمة واشنطن، مستدعياً نقداً علنياً وجهه إليه بسام بربندي الدبلوماسي السوري السابق.

لكن صاحب القرار بتشكيل الأمانة العامة للشؤون السياسية، ينطلق على ما يبدو في إدارة وزارة الخارجية من حسابات أوسع من مجرد كونه وزيراً، فهو يسعى لتكريس نفسه المسؤول الأوحد عن السياسة في سوريا بشقيها الداخلي والخارجي. وإذا كان إحداث الأمانة العامة للشؤون السياسية في وزارة الخارجية وتسليم إدارتها إلى صديقه محمد كحالة مكّنه من السيطرة على الشق الداخلي، فإن التواصل مع الخارج هو سبيله لاحتكار الشق الثاني.

وليس أسعد الشيباني، هو الوزير الوحيد الذي يسعى إلى احتكار قطاع معين للتحكم به، فقد سار على منواله أيضاً أنس خطاب وزير الداخلية أنس خطّاب الذي أعلن عن خطة عمل لوزارته تضمنت بنداً لا يمكن تفسيره إلا بناء على حرصه على إمساك زمام قطاع الأمن من كل زواياه.

وينص هذا البند على توحيد تمثيل الشرطة والأمن العام في كل محافظة، أي أن يكون هناك مسؤولٌ واحد في كل محافظة عن قطاعي الشرطة والأمن بالرغم مما بينهما من اختلافات في الاختصاص والمهام. ومن شأن هذه الخطوة أن تضع مؤسسة الشرطة تحت إدارة الأمن بشكل مباشر وبالتالي تحت إشراف خطاب نفسه سواء كان وزيراً للداخلية أم لا.

وخطّاب أيضاً هو رئيس جهاز الاستخبارات، إلى جانب كونه وزيراً للداخلية، وهذا يعني أنه أصبح يمتلك مقعدين في مجلس الأمن القومي الذي شكّله أحمد الشرع في 13 مارس/آذار، في حين يعود المقعدان الآخران لكل من وزير الدفاع ووزير الخارجية، وهو ما يمنح خطّاب دوراً غير محدود في إدارة ملف الأمن في البلاد.

لا يستبعد مراقبون للمشهد السوري أن يكون الفلتان الأمني، الذي تعيش سوريا في ظله والذي تمثل مؤخراً في تزايد حالة خطف النساء، وفي تصاعد أعمال العنف ضد “الشبيحة”، جزءاً من سياسة مقصودة ترمي إلى إبقاء السلطة تحت ضغط أمني مباشر كي لا تستسهل اتخاذ أي قرارات تتعلق بوجود المقاتلين الأجانب أو بهيكلية وزارتي الدفاع والداخلية

ومن غير الواضح ما إذا كان هذا النمط من احتكار قطاعات الحكم يأتي تطبيقاً لهندسة متفق عليها أم فرضته عوامل وتطورات أخرى لا سيما في ظل حالة التدهور التي تعيش بها البلاد على صعيدي الأمن والاقتصاد، بالإضافة إلى التنافس المتواصل بين أركان “هيئة تحرير الشام” على الاستحواذ على حصص متوازنة من كعكة السلطة كي لا يتغلب جناح على آخر.

وفيما بدأ الشيباني الذي راهن لأشهر على الموقف الأوروبي الداعم للسلطة الانتقالية، يستشعر صعوبة التعامل مع الدبلوماسية الأميركية الحازمة، استشعر كذلك أنس خطّاب أن المناورات التي كان يقوم بها في إدلب لضمان الأمن والولاء، تكاد تجعله شبه مكشوف في وضعه الحالي.

إقرأ على موقع 180  الوساطة الإيرانية بين سوريا وتركيا.. تريث متبادل

وإذا كان الشيباني قد اضطر لامتصاص رفض الولايات المتحدة زيارته لواشنطن وحصر زيارته بمدينة نيويورك، الأمر الذي هزّ صورته بشكل أو بآخر في الداخل والخارج، فإن أنس خطّاب وجد صعوبة في تنفيذ بعض المطالب التي وجهت إليه تنفيذاً لقائمة الشروط الأميركية. واضطر أن يعزل أبو بلال قدس واسمه الحقيقي عبد القادر الطحان من رئاسة الأمن العام لأن الأخير رفض تنفيذ بعض السياسات والأوامر وعلى رأسها اعتقال قيادات حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في دمشق.

ووصفت مصادر سورية “ورقة المطالب الأميركية” بأنها باتت الهاجس الرئيسي الذي يشغل بال السلطات الانتقالية في سوريا، وسط إدراك عام باستحالة تنفيذ بعض الشروط وعدم وجود بدائل لإغراء واشنطن بها، وكذلك وسط مخاوف بين أجنحة السلطة بأن تؤدي تلبية شروط دون شروط إلى تغليب جناح على آخر داخل السلطة.

فعلى سبيل المثال تم اختيار قياديين في “حركة الجهاد الإسلامي” لاعتقالهما من دون المساس بقادة حركة “حماس” أو المنظمات الفلسطينية الأخرى، وذلك في محاولة لطمس ما تدل عليه الخطوة من موقف سلبي من القضية الفلسطينية بستار “محاربة النفوذ الإيراني” باعتبار “حركة الجهاد” الأكثر قرباً من إيران في حين تُحسب “حماس” على تنظيم الإخوان المسلمين.

وتخالف خطوة الاعتقال من حيث المبدأ المنطق السابق الذي كانت تعتمده “هيئة تحرير الشام” بجناحها الشرعي والقائم على تبرير تنسيق حركات المقاومة مع إيران باعتباره ضرورة لا غنى عنها “ومفهومة”!.

لذلك قد تكون ورقة المطالب الأميركية من العوامل التي دفعت بعض الشخصيات إلى التموضع من جديد داخل بنية السلطة عبر إعادة هندسة أدوارها والقطاعات التي تحكمها استباقاً لأي تأثيرات غير محسوبة يمكن أن يتسبب بها تنفيذ بعض هذه المطالب.

وفي السياق نفسه، يأتي ما يبدو أنه خلل بنيوي في وزارة الدفاع نتيجة تصرفات الفصائل المنفلتة واستمرار الانتهاكات في بعض المناطق، لكنه في الواقع قد يكون من ضمن الهندسة الرامية لاستباق الأحداث وتأثيراتها.

ويتخوف قسم كبير من المقاتلين الأجانب في سوريا ولا سيما القادة منهم من أن تسلبهم الشروط الأميركية الامتيازات التي حصلوا عليها في هيكلية السلطة التي خوّلتهم عملياً الإمساك بزمام مفاصل عسكرية رئيسية في البلاد.

ولا يستبعد مراقبون للمشهد السوري أن يكون الفلتان الأمني، الذي تعيش سوريا في ظله والذي تمثل مؤخراً في تزايد حالة خطف النساء، وفي تصاعد أعمال العنف ضد “الشبيحة”، جزءاً من سياسة مقصودة ترمي إلى إبقاء السلطة تحت ضغط أمني مباشر كي لا تستسهل اتخاذ أي قرارات تتعلق بوجود المقاتلين الأجانب أو بهيكلية وزارتي الدفاع والداخلية.

ويأتي في السياق نفسه، موضوع انتشار وحدات من المقاتلين الأجانب في بعض مناطق الأقليات، وعدم قدرة السلطات على إخراجها منها برغم بذلها محاولات جادة لذلك. فهذا الانتشار قد يكون هدفه ضرب عصفورين بحجر واحد: الأول، إبقاء الأقليات ولا سيما العلويين تحت سيف التهديد بذريعة الخشية من تحرك “الفلول”. والثاني، توجيه رسالة إلى السلطات في دمشق من أن أي إجراء خاطئ بحق المقاتلين الأجانب سيكون ثمنه فوضى عارمة تقلب الطاولة رأساً على عقب.

Print Friendly, PDF & Email
عبدالله سليمان علي

كاتب وصحافي سوري، وباحث في شؤون الجماعات الإسلامية

Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180   حزب الله إلى أين؟