

كشفت صحيفة “واشنطن بوست” في تقريرها، أمس الأول (الأحد) أبرز ملامح الخطة الأميركية والتي تتكون من 38 صفحة وفيما يلي أبرز ما ورد فيها:
- يُمنح كل فلسطيني يختار المغادرة (قطاع غزة) خمسة آلاف دولار نقداً، إضافة إلى دعم إيجار لأربع سنوات ومصاريف غذاء لعام كامل.
- سيحصل مالكو الأراضي على رموز رقمية يمكن استبدالها لاحقاً بشقق في ست إلى ثماني مدن ذكية مدعومة بالذكاء الاصطناعي ستُبنى في غزة.
- تقدّر الخطة أن كل مغادرة فردية توفر للصندوق 23 ألف دولار مقارنة بكلفة إسكان الشخص نفسه في مناطق الدعم المؤقت.
- أُطلق على المشروع اسم صندوق إعادة بناء غزة والتسريع الاقتصادي والتحول (GREAT Trust)، وقد أعدّه رجال أعمال إسرائيليون أسسوا مؤسسة غزة الإنسانية (GHF).
- ستحتفظ إسرائيل بحقوق أمنية واسعة في السنة الأولى، فيما يتولى الأمن الداخلي متعاقدون غربيون ومواطنون من دول ثالثة، على أن تنتقل المسؤولية تدريجياً إلى شرطة محلية خلال عشر سنوات.
- تصرّ الخطة على أن هذه الوصاية ستبقى حتى تصبح السياسة الفلسطينية “متحررة من التطرف وجاهزة لتولي الحكم”.
- تحويل غزة إلى مركز سياحي وصناعي وتكنولوجي أطلق عليه مصمّموه اسم “ريفيرا الشرق الأوسط”.
- لا تشير الخطة إلى أي أفق لقيام دولة فلسطينية، بل تنص على أن الكيان الفلسطيني الذي قد يُقام لاحقاً سينضم إلى “اتفاقيات أبراهام”.
إعادة تدوير ” صفقة القرن”
في الحقيقة لا تختلف هذه الخطة كثيراً عما أعدّه جاريد كوشنير لصالح إدارة ترامب ضمن ترتيبات “صفقة القرن” اذ أنّ الصفقة آنذاك (أعلن عنها رسمياً عام 2019)، كانت تتضمن وعوداً بتحسين واقع الفلسطينيين الاقتصادي والاجتماعي وجذب الاستثمارات إلى مناطق حكم السلطة الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية في قرية أبو ديس (تبعد حوالي 4 كلم من القدس). بيد أنّه وإذا كانت فكرة إقامة دولة فلسطينية عام 2020 فكرة مقبولة من الطرفين الأميركي والإسرائيلي – طبعا (هذا إذا تغاضينا عن فكرتها الهزيلة بأن تكون عاصمتها في قرية أبو ديس لا في القدس الشرقية كما نصّت عليه القرارات الأممية)، فإنّ هذه الفكرة لم تعد موضع ترحيب بعد حرب الإبادة الجماعية التي تشنها آلة الحرب الإسرائيلية والتي تستهدف محو الشعب الفلسطيني من الوجود ومنع إقامة كيانية خاصة للفلسطينيين تحت مسمّى “الدولة”. والمشترك الثاني بين هذه الخطة وصفقة القرن هو في الفكرة القائلة بتوسيع الاتفاقات الإبراهيمية لتشمل دولاً عربية وإسلامية أخرى، من ضمنها الكيان الفلسطيني الذي سينشأ بموجب هذه الخطة.
ترتيبات أمنية.. وتوافقات
لا يبدو أن هذه الخطة تنفصل في مضامينها عن الرؤية الأميركية التي ترسم للمنطقة ككل، وبخاصة لناحية تأمين مستلزمات سلام – على الطريقة الأميركية – لضمان أمن وتفوق إسرائيل الكبرى. وهذا يشمل جملة من الخطوات والمبادرات التي تنخرط فيها إدارة ترامب في كلّ من سوريا ولبنان.
- في سوريا: تتوالى التقارير الإعلامية عن ضغوط أميركية لإنجاز التفاهمات الأمنية بين دمشق وتلّ أبيب إذ أنّ رغبة واشنطن تتمثل بالإعلان عن هذه التفاهمات بنهاية أيلول/سبتمبر وأن تكون اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة (في 23 سبتمبر/أيلول) مدخلاً للقاءات ثنائية وثلاثية يعقدها الرئيس السوري، أحمد الشرع، في سبيل توفير أرضية لتلك التفاهمات. وتأتي هذه التقارير بعد اجتماع عقد بين وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، ووزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر في العاصمة الفرنسية، في التاسع عشر من آب/أغسطس المنصرم. وتعوّل أوساط سياسية فاعلة على قرب انجاز التفاهم بين الطرفين وفي هذه الأثناء، يواصل العدو الإسرائيلي الضغط العسكري على الحكم السوري الجديد في محاولة منه للحصول على مكاسب سياسية قبيل الاتفاق، وهذا ما تجلّى من خلال الإنزال الإسرائيلي على الكسوة في جنوب غرب دمشق منذ عدّة أيام في الوقت الذي كانت فيه السلطة السورية تفتتح على مقربة من الموقع المستهدف، معرض دمشق الدولي.
- في لبنان: كثرت التسريبات في الآونة الأخيرة عن خطة لتحويل قرى الحافة الأمامية في جنوب لبنان إلى منطقة اقتصادية تتمتع بمزايا تجارية واستثمارية ضمن منطقة سميت “منطقة ترامب الاقتصادية”، وهذا ما كشف عنه موقع “أكسيوس” الإخباري الأميركي. إضافةً إلى ذلك، اقترح المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا ولبنان، توم برّاك، خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان، دفع تعويضات مالية لمقاتلي حزب الله في حال أرادوا تسليم سلاحهم. وإلى أن تتضحّ أكثر هذه الأفكار والرؤى والبرامج الأميركية، فإنّ الضغط على لبنان سيتصاعد في الفترة المقبلة، وهو ما بدأ فعلياً غداة زيارة برّاك الأسبوع الماضي في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية بوتيرة شبه يومية.
إذاً، يتبين أن رؤية الإدارة الأميركية لترتيبات المنطقة تقوم على شراء استقرارها من خلال ثلاثة مسارات متلازمة:
1- الاعتراف بإسرائيل بوصفها صاحبة اليد الطولى في ترتيبات المنطقة العسكرية والأمنية والسياسية ويعني ذلك الإبقاء على جميع الأراضي التي احتلتها في خضمّ حرب الإبادة الجماعية في غزة ولبنان وسوريا وإبقاء هيمنتها الجوية في كل أنحاء المنطقة.
2- جذب الاستثمارات والأموال في محاولة لابعاد الشعوب المنهكة عن فكرة المقاومة وحقها في تمسكها بأرضها وتغري واشنطن من خلال ذلك العديد من الحكومات والشعوب العربية التي تحتاج بمعظمها إلى أموال ومساعدات في ظل أزماتها الاقتصادية المتردية.
3- توسيع مروحة اتفاقات إبراهام وإن أخذت في بداية الأمر شكل ترتيبات أمنية أو تفاهمات محلية، الا أنّ هذا المسار، بحسب مراقبين سياسيين، يوصل في نهاية المطاف إلى التطبيع العلني والمباشر. غير أن هذه الترتيبات الأميركية للمنطقة تحتاج إلى أمن واستقرار غير متوفرين حالياً في ظلّ حروب نتنياهو المفتوحة على امتداد سبع جبهات. لأجل ذلك، يقول بعض المطلّعين أن ترامب أبلغ نتيناهو بضرورة وقف حربه في غزة بغضون نهاية هذا العام كي يُصار إلى وضع هذه الخطط موضع التنفيذ.
ولكن قبل هذا، سيسير نتنياهو في حلقة تدميرية جديدة: احتلال مدينة غزة وإعلان ضم الضفة الغربية خلال الأسبوعين القادمين، وذلك عشية استعداد عدد من الدول للاعتراف بالدولة الفلسطينية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي الخطوتين، تكريس لواقع عسكري وميداني وسياسي يفرضه الإسرائيلي بالنار ويضغط عبره الأميركي بالمفاوضات.