

لا يمنع ذلك من القول إن انعقاد قمة آلاسكا بحد ذاته هو نتيجة مباشرة للصراع الروسي الأوكراني، لا سيما أن القمة تبعتها مباشرة قمة أخرى جمعت ترامب بقادة أوروبيين في البيت الأبيض كانت أشبه ما تكون بمذكرة جلب أميركية لهم إلى واشنطن. فمن ربح ومن خسر في قمة آلاسكا؟
لا بد من الإشارة إلى أن القمة وإن كانت أميركية – روسية غير أن طيف الاتحاد الأوروبي وبريطانيا كان حاضراً نظراً لدور هؤلاء اللاعبين في الحرب الأوكرانية، تمويلاً وتسليحاً ودعماً تكنولوجياً واستخبارياً إلخ، فضلاً عن أن الحرب تجري على أرض أوروبية ومن شأن نتائجها أن تترك بصماتها على مستقبل أوروبا.
أول الرابحين من قمة آلاسكا هو بوتين الذي كانت محكمة الجنايات الدولية قد أصدرت قبل عامين مذكرة توقيف دولية بحقه بتشجيع ودعم أميركي وغربي على خلفية اتهامه بارتكاب جرائم حرب. فجأة قرّر رئيس الولايات المتحدة استقباله بطريقة استثنائية ومميزة على أرض أميركية، وفي ذلك إقرار بأن قرار محكمة الجنايات بات بلا قيمة.
تعوّد الرأي العام على نبرة التهديد والوعيد التي كانت تُميّز خطاب ترامب في معرض أي حديث يتناول فيه رئيس روسيا. في آلاسكا، تغيّرت نبرة الرئيس الأميركي وصارت مفعمة بالود والاحترام. هذا في الشكل، أما في المضمون، فقد أقر ترامب بأن أي وقف لهذه الحرب لا بد أن يقترن بتنازلات أوكرانية مؤلمة تتضمن التخلي عن أراض شاسعة لمصلحة روسيا، ولا سيما أن سكان أغلبية تلك الأراضي من أصول روسية.
تشير الأرقام المنشورة عن مبيعات الأسلحة إلى احتلال أميركا موقع الطليعة بين كل دول العالم في بيع وتصدير السلاح لأن استمرار الحرب الأوكرانية يعني استمرار الحاجة لتصنيع السلاح والذخائر، أي المزيد من مراكمة الأرباح، أما الوجه الآخر لهذه الصورة، فيتمثل بالمزيد من سفك الدماء لملايين الناس، أي خسارة العالم موارد بشرية واقتصادية هائلة
ثاني الرابحين هو ترامب نفسه، فهو نفض يديه من هذه الحرب التي كانت تستنزف اقتصاد بلاده جرّاء المساعدات العسكرية السخية التي كانت تقدمها لأوكرانيا والتي تجاوزت مئات المليارات من الدولارات، وتمكن من تحويل هذا الاستنزاف إلى مصدر كسب له، وذلك عبر قراره وقف المساعدات من جهة والزام الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بشراء أسلحة وذخائر أميركية لمصلحتهم ومصلحة أوكرانيا إذا ما قرّرت الأخيرة مواصلة الحرب بدعم أوروبي من جهة ثانية.
أما المكسب الثاني الذي حقّقه ترامب فيتمثل باستنزاف اقتصاد كل من روسيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي إذا استمرت الحرب، ويعني ذلك اندفاع أوروبا إلى المزيد من الاعتماد على الولايات المتحدة في حماية أمنها الاستراتيجي من جهة واضعاف روسيا اقتصادياً من جهة أخرى.
جيوسياسياً، يؤدي استمرار الحرب إلى كبح جماح الدور الروسي في بؤر الصراع الأخرى، لا سيما في الشرق الأوسط حيث فضّلت موسكو التضحية بالنظام السوري الحليف لها كما تركت حليفتها ايران وحيدة في مواجهة الهجوم “الاسرائيلي” الأميركي غير المسبوق عليها كي لا تتورط في حرب أخرى تستنزفها وتفضي إلى هزيمة استراتيجية في مواجهة أميركا وحلفائها الغربيين.
أما الخاسر الأكبر من قمة آلاسكا قبل الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي فهما الاتحاد الأوروبي وبريطانيا؛ على مدى سنوات الحرب كان هؤلاء يتشاركون كلفتها مع الولايات المتحدة، ومع ذلك تركت المساعدات التي كانوا يُقدّمونها لأوكرانيا بصماتها السلبية على اقتصادياتهم (ارتفاع نسبة التضخم ونسبة الفقر وغلاء المعيشة إلخ..). ومع قرار ترامب بوقف تقديم المساعدات لأوكرانيا، يقع العبء الأكبر على الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وهذا بالطبع سيزيد من التأثير السلبي على اقتصادياتهما.
أما زيلينسكي فقد بات أمام حقيقة مرة لا يستطيع انكارها: أي تسوية لهذه الحرب سيكون مضطرا فيها للتنازل عن أراضٍ شاسعة من بلاده لتصبح تحت السيادة الروسية، أو في أحسن الأحوال تحت حكم ذاتي، ناهيك عن مواجهة اتهام شعبه له بإطالة أمد الحرب طالما أنه قدّم مثل هذه التنازلات، ما يعني انه سيحال إلى التقاعد السياسي المبكر.
ومن هو الرابح الأكبر أيضاً؟
إنها مصانع الأسلحة في العالم، وأولها المصانع الأميركية، إذ تشير الأرقام المنشورة عن مبيعات الأسلحة إلى احتلال أميركا موقع الطليعة بين كل دول العالم في بيع وتصدير السلاح لأن استمرار الحرب الأوكرانية يعني استمرار الحاجة لتصنيع السلاح والذخائر، أي المزيد من مراكمة الأرباح، أما الوجه الآخر لهذه الصورة، فيتمثل بالمزيد من سفك الدماء لملايين الناس، أي خسارة العالم موارد بشرية واقتصادية هائلة.