أيُّ ردعٍ عربيٍّ بعد قمة الدوحة؟

الهجوم الإسرائيلي الذي تعرضت له قطر في التاسع من أيلول/ سبتمبر 2025 تحت ذريعة استهداف قيادة حركة حماس، هو من نوع إرهاب الدولة المكشوف الذي يصر مرتكبه على أنه أدى غرضه، وإن لم يقتل الوفد الفلسطيني المفاوض وهو في معرض البحث في خطة لوقف إطلاق النار في غزة اقترحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب. هذا الهجوم هو تعبيرٌ متجددٌ عن عدم خروج إسرائيل من الصدمة الزلزالية التي أحدثها "طوفان الأقصى"، قبل حوالي السنتين.

العملية الإسرائيلية المُعقّدة ضد الدوحة نُفّذت بالتنسيق مع الولايات المتحدة وبريطانيا، واخترقت المجال السيادي لحليف مميز لواشنطن وعضو في مجلس التعاون الخليجي يستضيف القاعدة الأميركية الأكبر في الإقليم وعناصر أساسية للقيادة الأميركية الوسطى في العالم، وحملت “رسائل” عدة يمكن إجمالها على النحو الآتي:

أولاً؛ حكومة بنيامين نتنياهو يُمكنها أن تضرب في أي بقعة في المنطقة ما دامت في خضم العمل لتأمين الوصول إلى ما تعتقد أنه يُشكل “تهديداً” لها.

ثانياً؛ إن كون الدوحة حليفة أساسية لأميركا وتضم مكتب لحركة حماس بموافقة الإدارة الأميركية كما تقوم مع مصر بدور الوسيط في المفاوضات مع حماس، لا يمنع أن تكون عرضة لـ”المحاسبة القاسية” من قبل الدولة اليهودية خصوصاً إذا كان ذلك ينفع في تقييم أو تصحيح دور الوسيط وفقاً للمعايير الإسرائيلية.

ثالثاً؛ إن المطلوب من قطر وشركائها الخليجيين العرب، أن يدركوا أنه آن الأوان لكي يفهموا أنه لم يعد مسموحاً اليوم في ظل اشتداد الصراع العالمي على مناطق النفوذ الاقتصادي وصعود الصين وروسيا الذي يُهدّد الموقع الأميركي، لم يعد مسموحاً الاستفادة من الحماية الغربية وفي الوقت نفسه المناورة لإدخال الجنوب العالمي في اللعبة للحد من التبعية ومجاراة اتجاهات التعددية القطبية!

ومن شأن تفكيك شيفرة الرسالة الثالثة أن يوضح ما تعده الإمبراطورية الأميركية المتراجعة للمحمية الإسرائيلية لكي تتولى الدفاع عن منطقة نفوذها في الشرق الأوسط، في مقابل تأمين الدعم غير المشروط لإسرائيل، دبلوماسياً وعسكرياً.

العدوان العسكري على دولة قطر بضوء أخضر من الرئيس دونالد ترامب يدفع الظاهرة الإسرائيلية إلى حدود إعلان التحدي لهيئة الأمم المتحدة ولكل العالم، كأن نتنياهو يقول: أفعل ما أريد بلا حدود، ولست معنياً بالقانون الدولي والمواقف والمواثيق التي تحكم العلاقات الدولية

الرد العربي

ولذلك كان متوقعاً أن يأتي الرد العربي مُركزاً على رفض السيطرة الإسرائيلية على المنطقة، إذ جاء في البيان الختامي الصادر عن القمة العربية الإسلامية الاستثنائية في الدوحة أن الدول العربية والإسلامية مدعوة إلى مراجعة علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل، والمشاركة في حملة لتعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة. وحمّل البيان “الشركاء الاستراتيجيين في المنطقة” وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، مسؤولية أكبر في ضبط السلوك الإسرائيلي ووقف تجاوزاته الخطيرة التي تمس بسيادة الدول العربية والإسلامية.

وإذا كان التضامن العربي مع قطر بدا قوياً ومحبوكاً بنبرة حادة غير مسبوقة، فإن ثمة فجوة واضحة بين الخطاب والفعل، والدليل هو العجز أو التهرب من تحمل المسؤولية التاريخية إزاء حرب الإبادة في فلسطين وتصاعد إرهاب الدولة الإسرائيلية الذي بات يُهدّد الاستقرار والأمن الإقليميين. وليس معروفاً ما إذا كان الموقف العربي الذي عكسته القمة العربية والإسلامية، سوف يترجم خطوات عملية أو عقوبات حقيقية، في حين أن اقتصار الرد على الإدانة والتنديد قد يترك انطباعاً بأن سقف التحرك العربي والإسلامي هذا لا يرقى إلى مستوى الردع الحقيقي ما دام تحت عتبة تجميد العلاقات والعقوبات الاقتصادية أو المقاطعة الدبلوماسية، الأمر الذي كان يمكن أن يكون له الأثر الملموس على إسرائيل سياسياً ودبلوماسياً وربما أيضاً اقتصادياً.

أما الطريق الصعب إلى الردع الفعّال والقطع مع نمط التعامل السائد مع إسرائيل، فإنه يبدأ بمراجعة نقدية جذرية للسياسات العربية وعلى رأسها التطبيع الإبراهيمي، على أن تأخذ هذه المراجعة في الاعتبار السياق الدولي الفوضوي الذي يحضن السلوك الإسرائيلي ويتغذى على أزمة النظام الأميركي.

الحاجة إلى العنف

وهكذا ترانا نقترب من ظاهرة خطيرة في العلاقات الدولية وتتمثل في المعادلة العدمية بين السياسات المتهورة والعدوانية التي تطبقها حكومة نتنياهو، والنتائج الكارثية التي تسفر عنها. ذلك أن هذه السياسات التي ترفع لواء الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني وإشاعة الفوضى والدمار في الشرق الأوسط، أخذت في الآونة الأخيرة تتحول إلى تهديد لصورة أميركا والغرب عبر تنطح نتنياهو وفريقه إلى لعب دور “البلطجي” على الصعيد الإقليمي، مهدداً إيران وتركيا بعد لبنان وسوريا واليمن وتونس، وأخيراً قطر وكل دول الخليج والعالم العربي. وفوق كل ذلك، فإن العدوان العسكري على دولة قطر بضوء أخضر من الرئيس دونالد ترامب يدفع الظاهرة الإسرائيلية إلى حدود إعلان التحدي لهيئة الأمم المتحدة ولكل العالم، كأن نتنياهو يقول: أفعل ما أريد بلا حدود، ولست معنياً بالقانون الدولي والمواقف والمواثيق التي تحكم العلاقات الدولية.

من يتوقف عند الخيارات الاستراتيجية الأميركية، يصعب عليه العثور على نهج عقلاني، هنا أو هناك، كون النخبة الأميركية الحاكمة لا تُحركها سوى نزعة العنف وهوس الحرب والقوة العسكرية في مقاربة الأزمات الدولية

ولا شك في أن المناخ الجيوسياسي الدولي الذي يحكم الهجوم على قطر يضيف بعداً جديداً في مسار تدمير منظومة العلاقات الدولية على أيدي نخبة أميركية عاجزة ومغلولة الأيدي أمام أزمة النظام الأميركي الذي يتخبط وسط انقساماته الحادة وتفشي ظاهرة التطرف والعنف.

إقرأ على موقع 180  مارتن إنديك يكتب: إدارة أميركية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي!

وها هي “ضيعة واشنطن” المعنية بالسياسة الخارجية لم تعد تضم سوى عصبة من الأفراد الذين يفتقرون إلى أخلاقية مشتركة. فضلاً عن كون هؤلاء الأفراد البيض والسود واليهود والأميركيين الذين يحلّون مكان النخبة البيضاء الأنغلوساكسونية والبروتستانتية، يغرقون في بحر من المال والسلطة في واشنطن، ولا تحكم أعمالهم قيم خارجية عُليا، سواء دينية أو أخلاقية أو تاريخية. وهذا يعني أن الأشخاص الذين يؤلفون مجموعة القيادة للقوة العالمية الأكبر، ما عادوا يستجيبون لنظام فكري يتجاوز دائرة وعيهم المحلية بل إنّ دوافع ردات فعلهم تأتي من الشبكة المحلية التي ينتمون إليها.

ومن يتوقف عند الخيارات الاستراتيجية الأميركية، يصعب عليه العثور على نهج عقلاني، هنا أو هناك، كون النخبة الأميركية الحاكمة لا تُحركها سوى نزعة العنف وهوس الحرب والقوة العسكرية في مقاربة الأزمات الدولية وفي مقدمها حرب أوكرانيا ضد روسيا، وحرب الإبادة الإسرائيلية في فلسطين، وحرب الـ12 يوماً ضد إيران، وأخيراً الهجوم على قطر بحجة القضاء على قيادة حركة حماس. وهكذا يظل الدافع الأول في السياسة الخارجية الأميركية الحاجة إلى العنف لإعادة هندسة السياسات، ما دام الأمر يتعلق أولاً بمصير إيران وحركة حماس وحزب الله والحشد الشعبي، بعد انتفاء التهديد الذي كان يُشكله النظام السوري السابق.

Print Friendly, PDF & Email
ميشال نوفل

كاتب وصحافي لبناني

Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  على الطريق للقمة العربية.. عناوينَ توقفتُ عندها