كيف نجد الفرح في قلب الفوضى الكونية وأوهام العدالة؟ وكيف نكتب الفرح لأطفال أتقنوا الرعب قبل تعلّم الأبجدية؟ بل كيف لكلّ من لامس خراب الإنسانية ألّا يغرق في الكآبة الوجودية؟ إذن، كيف نكتب عن الفرح دون أن تفرّ الكلمات من الدواة؟
كيف نجد الفرح في قلب الفوضى الكونية وأوهام العدالة؟ وكيف نكتب الفرح لأطفال أتقنوا الرعب قبل تعلّم الأبجدية؟ بل كيف لكلّ من لامس خراب الإنسانية ألّا يغرق في الكآبة الوجودية؟ إذن، كيف نكتب عن الفرح دون أن تفرّ الكلمات من الدواة؟
كانتِ الدعوةُ إلى الحوارِ قِوامَ ثُلُثَيْ كلمةِ البابا "لاوون الرابعَ عَشَرَ" خلال زيارتِهِ لبنان. لم يُعْلنْ ترتيبَ مَنْ يدعُوهمْ. هو ليس مُلْزَماً بذلك. وليس الخِطابُ المُباشِرُ منْ تقاليدِ الباباواتِ ما خلا الخُطَبَ الكَهْنوتِيَّةَ – الدينيَّةَ المَحضةَ. لكنْ ما من خِطابٍ إلَّا وهْو موضوعُ تفكيكٍ وَفقاً لِمُصطلحِ "فوكو". التفكيكُ ضرورةٌ عقلانيَّةٌ وسياسيَّةٌ لاكتشافِ سِياقاتِ المَعنى وسَبْرِ أغوارِهِ. الحِوارُ لازِمةٌ ثابِتةٌ في لغةِ الفاتيكان منذ مرورِ البابا "بولس السادسِ" في مَحَطَّةٍ عابرةٍ، في مطار بيروت قبل ستةِ عقودٍ، إلى "يوحنَّا بولس الثاني"، إلى "بنديكتوس السادس عشر"، إلى "لاوون الرابعَ عشر".
لبنان يدخل مرحلة التفاوض السياسي مع إسرائيل. خطوة كانت متوقّعة بعد بلوغ الضغط الأميركي مرحلة مفصلية، ما أدى إلى "تطيير" زيارة قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل إلى الولايات المتحدة. ترافق ذلك مع تصريحات رسمية أميركية تتهم الدولة اللبنانية بالتباطؤ في إتمام مهمّة حصر السلاح وصولاً إلى اتهام المؤسسة العسكرية اللبنانية بالتواطؤ في تغطية ما تقول عنه إسرائيل "محاولة إعادة بناء ترسانة حزب الله العسكرية"!
يُكتب هذا المقال على وقع الزيارة التي قام بها قداسة الحبر الأعظم البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان على مدى ثلاثة أيام. أقولُ على وقعه اعترافاً بأنّه المُلهِم، وانسحاباً من اعتباره رداً مباشراً أو تعليقاً على خطابٍ بعينه صادرٍ منه وعنه، ذلك أنَّ فضاء الشّيء، أحياناً، يكون أهمّ في التّداول من الشيء بحدّ ذاته، ويكون أدعى إلى الفحص والإثارة.
تحوّل لبنان بكل طوائفه وأحزابه وسلطاته التشريعية والتنفيذية إلى حمّام سلام أبيض للترحيب بالبابا لاوون الرابع عشر الأميركيّ الأصل، وذابت الفوارق بين القوى المتناحرة وعمّ الوئام والسلام بينها، وكأن لا صراع ولا متصارعين.
على مدى يومين من زيارة البابا لاوون الرابع عشر التاريخية إلى لبنان، هلّلَ الجنوبيون لاستراحة ماكينة القتل الإسرائيلية التي لم ترحمهم منذ تاريخ وقف إطلاق النار قبل حوالي السنة، حتى تجاوز عدّاد الشهداء الـ335 شهيداً، أي بمعدل شهيد يومياً، ناهيك بنحو ألف جريح وعشرات الآلاف من النازحين عن قراهم، لكن ما كسر فرحتهم هو الوعيد والتهديد الأميركي-الإسرائيلي بأيام قتالية صعبة آتية فور مغادرة رئيس الكنيسة الكاثوليكية في العالم الأراضي اللبنانية.
تأتي "الزيارة-الأمل" للبابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان في ظرف سياسي واجتماعي بالغ الحساسية، حيث يعيش البلد، كما بات معلومًا، إحدى أكثر مراحله هشاشة على مستوى العقد الوطني والعلاقات بين مكوّناته. إنّ اختيار شعار "طوبى لفاعلي السلام" (المستوحى من إنجيل متى ٥:٩، "طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللَّهِ يُدْعَوْنَ") لا يحمل بعدًا روحيًا فقط، بل يُقدّم إطارًا معرفيًا لإعادة التفكير في مفهوم العيش المشترك ودور الدين في إعادة لملمة الهوية الوطنية.