نقرأ في الملخص التنفيذي للدراسة الصادرة عن “معهد بيغن والسادات” أن “اسرائيل ارتكبت خطأ في محاولة الاندماج مع العالم العربي المتراجع. بدلا من ذلك فإن عليها إعطاء أولوية للانضمام إلى الكتلة المتوسطية الناشئة والتي تضم كلاً من إيطاليا و اليونان وقبرص”.
الظروف الموضوعية لتخلي “الهمّ” عنّا!
تستعرض الدراسة “أحد وسائل الدبلوماسية الاستراتيجية الحالية في اسرائيل” والتي تقوم على “التودد إلى الدول العربية المستقرة في الخليج العربي”، مشيرة إلى أن ذلك “سيؤدي ذلك إلى فتح فرص اقتصادية لجميع الاطراف بينما يسمح لإنشاء شراكة وثيقة لمكافحة الإرهاب ( تستهدف قبل كل شيء ايران وتركيا)، وهذا سيؤدي إلى وضع القضية الفلسطينية في مرتبة ثانوية، وهي التي وصلت منذ زمن إلى طريق مسدود”.
تعتبر الدراسة أن قرار منح الأولوية للدول العربي موضع شك، وأن الأولوية يجب ان تكون لقبرص واليونان وايطاليا
لكن الدراسة تعتبر أن “وجاهة قرار منح الأولوية للدول العربي هو موضع شك، على أي حال”، وتشرح ذلك انطلاقا من حال الدول العربية “ليبيا، اليمن، العراق وسوريا مستنزفة من خلال الاضطرابات الداخلية والحرب الأهلية. مصر القوية تعتمد الآن على المعونات الدولية، كما هي الحال في الأردن، التي هي أكبر بقليل من مخيم لاجئين كبير. لبنان – الذي كان دولة عربية منفتحة وواعدة – هو اليوم أكبر بقليل من مستعمرة ايرانية فقيرة. ودول الخليج العربي غرقت بعمق في مستنقع اليمن، وفي جدل حقوق الانسان. الأزمة القطرية وإحجام الدوحة عن الاستجابة للاستفزازت الايرانية يقوّض احتمالات التطبيع الخليجي”.
في ضوء ما سبق تعتبر الدراسة أنه لدى إسرائيل “بديل سريع يتعلق بضرورة توجيه دبلوماسيتها بالدرجة الأولى وِجْهةً تجعلها تعزز من دورها كقوة عسكرية واقتصادية مهيمنة في البحر المتوسط”.
ويتلخص الحل بأن توجه إسرائيل – لأجل مستقبها – أنظارها نحو الشمال الغربي وليس الجنوب.
فرص العلاقات مع الشمال في ظل المتغيرات في المنطقة
ثمة أساس مهم لـ “اتحاد العصور القديمة” بين اليونان، اسرائيل وجمهورية قبرص، بحسب الدراسة التي تشير إلى توقيع تركيا والمليشيات في طرابلس التي تدعمها (جنباً الى جنب مع قطر) اتفاقاً لترسيم الحدود الليبية-التركية في البحر الابيض المتوسط، الأمر الذي يشكل انتهاكا للحقوق القبرصية واليونانية والمصرية، وحقوق بحرية أخرى، وهو ما دفع أثينا إلى طرد السفير الليبي.
وفي هذه الأثناء عبرت ايطاليا وبلغاريا ودول أخرى عن اهتمامها بالانضمام إلى مبادرة شرق المتوسط للطاقة.
وبناء على ما سبق فإن على اسرائيل، بحسب ما توصي الدراسة، باستثمار هذه الفرص في الوقت الذي تواصل فيه توثيق علاقتها مع الدول العربية المستقرة.
وكما أن الصين تتمدد اقتصادياً لتشمل أوراسيا من خلال “طريق الحرير الجديد”، فإن اسرائيل تستطيع إنشاء نسخة إقليمية كذلك، وهي “طريق الحرير للطاقة”، إن جاز التعبير، إذ أنها تستطيع تطوير وربط حقل لفيثان للغاز مع حقل أفروديت في قبرص، ومن الممكن أن يمر أنبوب الغاز عبر قبرص الى اليونان وعبر البلقان، حتى يصل إلى رومانيا، وغرباً نحو إيطاليا.
كما أن الصين تتمدد في أوراسيا عبر “طريق الحرير الجديد”، يمكن لإسرائيل أن تشكل “طريق الحرير للطاقة”
كذلك فإنّ مصر، اذا تمكنت من التغلب على خلافاتها مع اسرائيل والتعاون معها، يمكنها أن تصل حقل ظهر للغاز مع خط الانابيب الاقليمي أيضاً. وهذه الخطوة من شأنها أن تُخلص الاقتصاد المصري واليوناني والقبرصي من الفقر، وأن ينمو الاقتصاد الاسرائيلي على نطاق واسع.
وتجد الدراسة أن فرص ما سبق كبيرة تحديداً في ضوء العلاقات المصرية السيئة مع تركيا ووكلائها في ليبيا، علاوة على تعاونها المتزايد مع نيقوسيا وأثينا، هذا ليس مستحيلا- رغم أنها مشغولة بقتال الجهاديين في سيناء، ومن المرجح أن يبقى تركيز القاهرة في مكان آخر في الوقت الراهن.
وبالاضافة الى الغاز الطبيعي، من الممكن أن تطور اسرائيل امدادت النفط في النقب وفي مرتفعات الجولان وبالقرب من القدس، وأن تربطها بخط أنانبيب إضافي.
كذلك، فإن المناطق الكردية في العراق وسوريا لديها إمدادات صحية من النفط، ومن الممكن، اذا حصلت هذه المناطق على الاستقلال، وسط الاضطرابات والعزلة الدولية التي تمر بها كل من تركيا وايران، أن يتم تطوير الاقتصاد الكردي من خلال خط أنابيب خاص بها، ومن الممكن ايضاً ان يتم ربطه بمبادرة إسرائيل-اليونان-قبرص.
ما سبق قد أن يتطلب مساعدة عسكرية ضخمة – وقد تستطيع اسرائيل تقديم هذه المساعدة بعد أن تتعامل مع المخاطر التي تتهددها على طول حدودها. قد يكون لذلك أهمية أمنية حيوية لإسرائيل، إذ أن الدولة الكردية قد تكون دولة أخرى موالية للغرب، وحليفاً قادراً على عرقلة الطموحات الامبراطورية الحديثة لكل من ايران وتركيا، بالاضافة إلى احتواء الجماعات العربية المتطرفة.
موقع “شمال قبرص” من الإعراب
توصي الدراسة بأهمية أن تغير إسرائيل واليونان وقبرص مواقفها حيال جمهورية شمال قبرص التركية، معتبرة أن الأفضل من تجاهلها هو تفهّم أن الأتراك القبارصة يشاركون الدول الثلاث قلقهم حيال أنقرة.
وبحسب الدراسة ثمة حاجة إلى أن تبادر نيقوسيا وأثينا والقدس لدعوة شمال قبرص إلى المشاركة في المبادرة، فهذا سيرتقي باقتصاد قبرص التركية ويأخذ شمال قبرص بعيداً عن أنقرة، كما أنه سيؤدي إلى تجديد محادثات السلام في الجزيرة لتستأنف قبرص دورها التاريخي كمركز اقتصادي محوري.
“طريق الحرير للطاقة” في مواجهة روسيا وتركيا
الفرص العسكرية، الاقتصادية والدبلوماسية المهمة قد تنشأ من تأسيس طريق الحرير للطاقة. وفي ضوء “الاستفزاز” التركي – الليبي الجديد، فمن المهم أن تقدم إسرائيل أنظمة الدفاع الجوي المتطورة لكل من اليونان وقبرص ودول البلقان، لمنع روسيا وتركيا من التعدي على أراضي البلدان المجاورة. ومن الممكن فعل ذلك في حالة استقلال الأكراد، عبر بذل جهد في اقناع الولايات المتحدة لكي تبيع “الباتريوت” أو أنظمة الدفاع الصاروخي “ثاد” الى هذه الدول.
وتشير الدراسة إلى أن واشنطن تؤيد المبادرة لكنها تريد الانسحاب من المنطقة، فلا بد أن تكون هذه مهمة سهلة، لأن من شأنها أن تثري كلا من الولايات المتحدة واسرائيل. (لعل من المهم وجود آلية دفاع مشترك تضم هذه الدول، وكذلك زيادة القدرات البحرية الاسرائيلية، وقد يتطلب الامر الرؤية من خلال هذه المعطيات).
الثمن الحقيقي: اضعاف القضية الفلسطينية
تقول الدراسة “كما اخترق الحلفاء خاصرة أوروبا الجنوبية الرخوة، فإن اسرائيل تستطيع فعل المثل”. وتشرح بأن “دول جنوب شرق أوروبا منعت قرارات الاتحاد الاوروبي الضارة والمعادية لاسرائيل وهي تميل إلى دعم القدس أكثر من رام الله”.
وبناء على ما سبق فإن “زيادة اعتماد أوروبا على صادرات الطاقة الاسرائيلية من شأنه أن يعمّق العلاقة، بينما تتم عملية فك بروكسل من اعتمادها على النفط العربي والايراني. هذا وحده من شأنه أن يضعف الموقف الأوروبي التلقائي الداعم للفلسطينيين”.
وتضع الدراسة سياق التعامل مع الدول العربية في حجمها الطبيعي فتقول إنه ” في الوقت ذاته، على اسرائيل متابعة مصالحها مع الدول الملكية الخليجية، وبخاصة دولة الامارات العربية والمملكة العربية السعودية. هذه دول تقوم بالتحديث والعلمنة، وهي تريد المشاركة في مكافحة الارهاب وفي المبادرات الاقتصادية مع الدولة اليهودية. ومن الممكن أن يتضمن ذلك الاستثمار العربي في طريق الحرير للطاقة، ربما عندما يتم تمديد الأنابيب من مصر واسرائيل إلى الأردن، المملكة العربية السعودية، عُمان، البحرين ودولة الامارات العربية”.
إلا أن الدراسة تختم بالقول الفصل “في الوقت الحالي، على أية حال، ونظرا لعدم وجود ثقة في أبو ظبي والرياض، فإن اسرائيل ستسعى لاكتشاف بدائل في الشمال (في البلد التي تقع شمالا)”.