ليست الحرب مجرّد صواريخ وقذائف ورصاص ولهب ومسيّرات، ومجرّد دكٍّ وتفجيرٍ لمعسكرات العدوّ ومراكزه الجليّة والخفيّة كما نشاهد اليوم على الشّاشات. أبداً. قبل أيّ شيء آخر، الحرب هي مسألة خيارات روحيّة وعقائديّة وقِيميّة وأخلاقيّة.
ليست الحرب مجرّد صواريخ وقذائف ورصاص ولهب ومسيّرات، ومجرّد دكٍّ وتفجيرٍ لمعسكرات العدوّ ومراكزه الجليّة والخفيّة كما نشاهد اليوم على الشّاشات. أبداً. قبل أيّ شيء آخر، الحرب هي مسألة خيارات روحيّة وعقائديّة وقِيميّة وأخلاقيّة.
جلسنا أيامًا أمام الشاشة نتابع مسارَ السفينة مادلين وعلى مَتنها اثني عشر شخصًا. رأينا رجالًا ونساءً، متفاوتي الأعمار، مُختلفي الجنسيات، تجمع بينهم صفاتُ الشجاعةِ والجَّرأةِ والاتساق مع الذات، وتحركهم قبل هذا وذاك ضمائرٌ يقظة؛ أبَت التواطؤَ على جرائم الاحتلال في غزة وسائر الأرض الفلسطينية؛ ولو بالصَّمت. لم تتمكَّن السفينةُ من الوُصول بأمان إلى مَرساها. هاجمتها قواتُ الاحتلال ومنعتها استكمال طريقها، ثم اعتقلت ركابها.
في الأساطير القديمة، كانت نهاية العالم تُرسم بأيدي الآلهة. في ملحمة أرماغيدون، تتصارع قوى خارقة، يتزلزل الكون، وتغرق الأرض في الطوفان الأخير. أما اليوم، فالمشهد أكثر بؤسًا وأكثر سخرية. لم تعد الآلهة من تتحكم بمصير البشرية، بل حفنة من الكائنات التي، في كثيرٍ من الأحيان، تبدو دون مرتبة الحيوان. عقول بائسة، غرائز متضخمة، وأصابع متلهّفة للضغط على أزرار النهاية.
هل لديْنا في لبنان "وطنيةٌ لبنانيةٌ"حقَّاً ؟ السؤال صادمٌ فعلاً. يفرِضُ هذا السؤالُ نفسَه فكرياً وسياسياً وتاريخيَّاً.
لعبنا ونحن أطفال لعبة السؤال والجواب. يسألون السؤال، فنفشل في الإجابة أو نتردد فيعاودون السؤال بصيغة ثانية أقل تعقيدا فنفشل أو نتردد فيطرحونه مرة أخرى بصيغة مخففة فنفشل في الإجابة أو نتردد فيجربون مرة أخيرة فنفشل أو نتردد فيعلنون الفوز متضمنا في استفسار بلهجة ساخرة، "غلب حمارك والا لسه؟".
في زمن الصورة، يُقاس الموت بالرصاصة أو الشظية وبالقابلية لأن تتجسّد كرمز. لا يموت الإنسان حقًا في عصر الإعلام، بل يُمحى إذا لم يُلتقط في اللحظة المناسبة، إذا لم تُنتج مأساته دلالة قابلة للتدوير. ثمة طفلة تُحرَق في غزة، لكنها لا تُصبح أيقونة. ثمة أمّ تُسلّم جثامين أطفالها التسعة في مستشفى تحت القصف، لكن الإعلام لا يراها. لماذا؟ لأن الكاميرا لا تكتفي بتوثيق الحدث إنما تُقرّر معناه.
غزةُ فلسطين أعادت الغرب إلى صف الحضانة لتعلّمه من جديد دروس حقوق الإنسان والحرية والعدالة، تعلّمه درساً نسيه منذ زمن، وسط ضجيج "العداء للسامية" الذي يصّم الآذان ويضغط على العقول ويشوش الفكر؛ أيقظت فيه الحس الإنساني بعدما تبلّد مع طغيان الذكاء الاصطناعي (الذي تحتكره في الغرب الشركات الصهيونية العملاقة) على الذكاء الإنساني الفطري.
يبدو أن الملف النووي الإيراني عاد من جديد إلى درجة عالية من التأزم بعد الجولات الخمس من المفاوضات النووية الأمريكية الإيرانية غير المباشرة عبر الوسيط العماني بين مسقط وروما.
يصعب القفز إلى استنتاجات أخيرة فى معادلات وحسابات وموازين القوى والمصالح إذا ما أخذ مشروع الشرق الأوسط الجديد مداه. المعادلات المحتملة مبتورة والسيولة تجتاح الإقليم كله.
جسّدت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخليجية ذلك التحوّل الكبير الذي تشهده المنطقة العربيّة. تحوّلٌ أفضى بعد خمس عشرة سنة على ما سمّي "الربيع العربي" إلى هيمنة أمريكيّة - دون منافسة تقريباً - على مقدّرات المنطقة برمّتها. من اللافت للانتباه كيف عبّرت الزيارة عن تقلّص نفوذ الدول الكبرى الأخرى، ليس فقط روسيا والصين، بل أيضاً دول أوروبا الغربيّة، وبالتحديد بريطانيا وفرنسا وألمانيا. ومن اللافت للانتباه أيضاً كيف وضعت الزيارة حدوداً لنفوذ الدول الصاعدة في الإقليم، تركيا وإسرائيل، عدا عن احتواء النفوذ الإيراني.