الفساد مسألة سياسية، وكل ما هو سياسي يتعلّق بالدولة. يتوسع بضمورها، يضمر بتوسعها عمودياً وأفقياً. عندما يسيء أحدهم التصرف في مال صديق له أو شركة يشتغل فيها، تعتبر المسألة أخلاقية وتخضع للقضاء ويلاقي المذنب جزاءه.
الفساد مسألة سياسية، وكل ما هو سياسي يتعلّق بالدولة. يتوسع بضمورها، يضمر بتوسعها عمودياً وأفقياً. عندما يسيء أحدهم التصرف في مال صديق له أو شركة يشتغل فيها، تعتبر المسألة أخلاقية وتخضع للقضاء ويلاقي المذنب جزاءه.
لا يمكن الإرتجال في التعامل مع فرضيات إنفجار مرفأ بيروت. هذه قضية جنائية علمية دقيقة. لذلك، للخبراء والقضاة والمحققين أن يقولوا كلمتهم.
"لبنان ليس مجرد صديق، إنه أخ لنا ومن الطبيعي عندما تحل مصيبة ما بالعائلة أن يتعاطف أفرادها ويتضامنوا مع بعضهم البعض". هذه كانت ردة فعل وزير الخارجية الفرنسي جان- ايف لودريان على اتصال من شخصية لبنانية بادرت الى شكر فرنسا على مواقفها بعد "انفجار بيروت المأساوي "، كما وصفه مصدر فرنسي في باريس
على بعد أقل من شهر من المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير لا بد من التوقف طويلا عند عبارة الدولة وإطلاقها على لبنان على الرغم من عدم وجود أي من مقوماتها او شروط وجودها في بلد المحاصصة الطائفية.
نشرت مقالات عديدة قبل الانفجار الكبير في بيروت وبعده تتكهن ان لبنان مات او سيموت. قرأت، في هذا السياق، عدة مقالات باللغتين العربية والانكليزية، كان آخرها للسفير الاميركي الأسبق لدى لبنان جيفري فلتمان. هذه المقالات تؤلمني، كما تؤلم كل لبناني شريف، خاصة أهل الانتشار الذين، وان اصبحت لديهم جنسية اخرى، ما زال ارتباطهم بلبنان قوياً، لا بل ازلياً.
الرائحة النتنة المنبعثة من شريط النفايات الذي أخذ يحتل شوارع رأس بيروت نزولاً نحو كليمنصو فوسط العاصمة، كانت دليلنا إلى الدرك السحيق الذي نحن فيه. الدرك الذي إسمه اللادولة. دولة الغياب. دولة البلادة. دولة التخلي. دولة اللادولة.
تحفظ ذاكرة اللبنانيين جيداً إسم جيفري فلتمان. سفير الولايات المتحدة الأسبق في بيروت. الدبلوماسي الأميركي الذي خدم في مناصب عدة في الولايات المتحدة وأخيراً في الأمم المتحدة. في مقالة له، نشرها في موقع معهد "بروكنغز" الأميركي، يجري فلتمان مقارنة بين لحظتي 14 شباط/فبراير 2005 و4 آب/أغسطس 2020، وما بينهما، للإستنتاج بأن لبنان أصبح محكوماً بالفشل. يتضمن المقال عبارات محرضة ضد حزب الله، تنسجم وخطاب "الشيطنة" الأميركي المألوف. ماذا تضمن المقال؟
هل يجوز أن نبدأ مقالاً بالصراخ؟ والله لو كان للحروف صدى، لخرق كلُّ الكلام الحزين المُقال في بيروت ولبنان، جدار الصوت في السماواتِ السبع. لكن، هل يمكن أن تنصرف الكلمات لـ"مديح الكراهية"؟ نعم وألف نعم. هذا المديح الذي جعل منه الكاتب السوري خالد خليفة عنواناً لروايته عام 2006 (ممنوعة من التوزيع في سوريا)، "وضع" خليفة على لائحة أهمّ روائيّي القرن العشرين.
ثلاثة أيام مضت على "النكبة". مأساة مقيمة في كل بيت بيروتي. في كل مؤسسة. في كل زاوية. جروح أعمق من أن تلتئم بسرعة. تحتاج إلى سنوات. هذا حدث تأسيسي بكل معنى الكلمة. علينا أن نقر ونعترف أن لبنان الذي عرفناه منذ مئة سنة قد إنتهى وأن الوطن الآتي هو قيد التأسيس والتفكير.
حتى لو كان الاهمال والفساد هما وراء كارثة بيروت ومرفأها، فإسرائيل هي وراء هذا الوراء. وحتى لو أثبتت التحقيقات المحلية، والدولية إن جاءت، أن الكارثة كانت حادثاً عرضياً، فإسرائيل ستكون المحرّك لهذه العَرَضِية. وحتى، أخيراً، لو أتفقت كل الأطراف المحلية والإقليمية، كلٌ لأسبابه المصلحية الخاصة، على أن الرئيس الأميركي ترامب وقادته العسكريين أخطأوا حين قالوا أن "هجوماً أو قنبلة" سبّبا 11 سبتمبر اللبناني أو هيروشيما بيروت، إلا أنه تبقى الحقيقة بأن إسرائيل كانت هي من قام بالهجوم، أو زرع القنبلة، أو أطلق الصاروخ على العنبر الرقم 12.