
يشبه البيان الوزاري لحكومة نوّاف سلام دولتنا اللبنانية؛ فهو يتضمّن كل شيء وفي الوقت نفسه يفتقد إلى كلّ شيء!
يشبه البيان الوزاري لحكومة نوّاف سلام دولتنا اللبنانية؛ فهو يتضمّن كل شيء وفي الوقت نفسه يفتقد إلى كلّ شيء!
أنجزت القوى السياسية اللبنانية خلال شهر واحد ما عجزت عن انجازه خلال عامين ونيف، إذ استطاعت أن تنتخب قائد الجيش جوزاف عون رئيساً للجمهورية وأن تُكلّف القاضي نواف سلام بتشكيل حكومة بعد أن تخلى عن منصبه رئيساً لمحكمة العدل الدولية، معظم أعضاءها من غير الحزبيين المباشرين وإن كانوا يحظون بتأييد قوى حزبية.
الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسىة نوّاف سلام أمام تحديات عديدة. لن يكون سهلاً عليها أن يمرَّ الثامن عشر من شباط/فبراير الجاري من دون انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الجنوب، فماذا ينتظرنا؟
كل القوانين الانتخابية التي اُعتمدت منذ الاستقلال اللبناني عام 1943، كانت تُعيد ادخال الناس في عصبياتهم القبلية الضيقة. كما كانت تُعيد انتاج نظام المحاصصة الطوائفي الذي يُعيق نهوض حالة وطنية جامعة. فمن الضروري أن يكون هدف قانون الانتخابات هو تحرير التمثيل السياسي والإداري من هيمنة الفكر الطائفي المريض الذي يستخدم الدين لخدمة منافع الزعماء الخاصة.
حسب المادة 64 من الدستور اللبناني، يتوجب "على الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها". ويكتسب البيان الوزاري شرعيته وقوته القانونية بمجرد إقراره ومنح الحكومة الثقة بأغلبية عادية وفقاً للنظام الأكثري في البرلمان اللبناني.
المعارضة عمرها من عمر هذا الكيان اللبناني. يتقدم حضورها أو يتراجع تبعاً لعوامل سياسية متحركة، ولا سيما ما يتصل بدينامية القرار، وكلما تراجع العامل الخارجي، صار العامل الداخلي أكثر حضوراً.. والعكس صحيح.
غداً (الأحد) ينطوي الشهر الأول من عهد العماد جوزاف عون. وبعد غدٍ الإثنين، يُدشن رئيس الحكومة المكلف تشكيل الحكومة الجديدة نوّاف سلام الأسبوع الخامس من عمر التأليف. أسابيع كانت حافلة بتطورات بلغت ذروتها مع زيارة الموفدة الأمريكية مورغان أورتاغوس إلى بيروت التي تبلغت إشارات دولية بأن "إسرائيل" تتجه إلى تمديد إحتلالها لعدد من القرى والتلال الأمامية في جنوب لبنان بعد الثامن عشر من الجاري.
يُردّد كثر، في هذه الأيام، مطالبتهم بحكومة تكنوقراط برئاسة الرئيس المكلف نوّاف سلام، ويقصدون بذلك حكومة لا حضور فيها للقوى السياسية الفاعلة التى حكمت لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية حتى يومنا هذا، وعانى الناس من تجاوزاتها، إن لم نقل أكثر. فهل مطلب التكنوقراط هو مطلب دقيق وصائب؟
يقول داعمو، نوّاف سلام، الرئيس المكلف تشكيل أولى حكومات عهد الرئيس العماد جوزاف عون، إنّه جاء من "رحم ١٧ تشرين"، أي من الحاضنة الشعبية التي طرحت شعارات الإصلاح السياسي واسقاط الطبقة الحاكمة وتحقيق العدالة الاجتماعية والإنماء المتوازن واللامركزية الإدارية الموسعة.
تمرّ عملية تأليف الحكومة اللبنانية بمرحلةٍ معقّدة، تعكس طبيعة التوازنات الدقيقة التي تحكم المشهد السياسي في البلاد. القاضي نواف سلام، رئيس الحكومة المكلّف، يبدو متمسّكًا بطرح حكومة تكنوقراط تتألّف من اختصاصيين غير حزبيين، وهو طرحٌ يلقى دعمًا، كما بات معلوماً، من بعض القوى الداخلية والخارجية التي ترى فيه فرصةً لكسر المعادلات التقليدية.