تعالوا لنجتهد بالغوص في جانب بسيط من تفاصيل "أزمة أوكرانيا" - ولا أعني هنا الحرب فقط - لعلنا نتلمس نماذج أزمة الهوية؛ تجربة الدولة وتوجهاتها؛ الفكر المسيطر على ساستها؛ و"الاستخدام" الدولي الذي وضعها على المذبح الجيوسياسي، ومواقف الدول الأخرى منها.
تعالوا لنجتهد بالغوص في جانب بسيط من تفاصيل "أزمة أوكرانيا" - ولا أعني هنا الحرب فقط - لعلنا نتلمس نماذج أزمة الهوية؛ تجربة الدولة وتوجهاتها؛ الفكر المسيطر على ساستها؛ و"الاستخدام" الدولي الذي وضعها على المذبح الجيوسياسي، ومواقف الدول الأخرى منها.
سوليدار، باخموت، إقليم دونتسك، إحدى المحطات الرئيسية للزحف العسكري الروسي. مدينة ترجع أهميتها لما هو أعمق من سطح الأرض.
"لا تستهينوا أبداً بقوة الإنكار". جملة عبقرية ذكرها أحد أبطال فيلم American Beauty الشهير. لن أفسر الآن لم استدعيت هذا الاقتباس بالتحديد. لنُذكّر أولاً بمناسبة "طبخة مينسك" التي جعلت كلاً من المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند، يُعلنا أن اتفاقية ميسنك كانت "خدعة"، مصممة لإعطاء الوقت لأوكرانيا لكي تستعد عسكرياً للحرب.. وقد سقطت روسيا في هذا الفخ "بسذاجة"!
الآن، وقد بدأت الأقلام والألسنة في مداعبة الحلول "التوافقية" التي قد تنهي الحرب الروسية-الأوكرانية، فلنجتهد في محاولة تصور مشهد النهاية "المرحلية" لهذا الفصل من المواجهة الروسية-الغربية، بافتراض أن رغبة جميع الأطراف هي عدم التصعيد إلى مستويات خطيرة.
"الروس لا يتوقفون عن القتال. تدلنا آلاف السنين من التاريخ على أن الروس قادرون على الاستمرار في القتال، في ظروف ربما لن تحتملها أقوام أخرى”.
خلا البيان الختامي الذي أعقب لقاء القمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ في الرابع من الشهر الجاري، من الإشارة إلى الأزمة الأوكرانية، وهو أمر يدفع إلى طرح العديد من التساؤلات حول موقف الصين أو خيارها تجاه تفاقم حدة الصراع بين روسيا وحلف "الناتو" حول مستقبل أوكرانيا ومصيرها.
يشهد النظام السياسي الدولي تحولات مستمرة تؤثر على مجمل العلاقات الدولية، حيث تُرسم معالم هذه العلاقات من قِبل الفاعلين الدوليين؛ لا بل إن حقائق ومعالم النظام الدولي نفسه تتبدل، حيث دخل طوراً جديداً - عقب انهيار جدار برلين والتحول نحو نظام القطب الواحد - لنشهد نظاماً متعدّد الأقطاب.
يزداد الموقف تأزماً بين روسيا والولايات المتحدة ومعها حلف الناتو، وبالتالي تبقى القضية الأوكرانية قيد سباق محموم بين المحاولات الدبلوماسية لنزع فتيل الأزمة وبين التحشيد العسكري المستمر، وآخر فصوله إعلان الولايات المتحدة عن إرسال ثلاثة آلاف جندي أميركي إلى أوروبا، بينهم ألفا جندي في بولندا وألمانيا ورومانيا قبالة أوكرانيا!
دبلوماسى روسى يعمل فى سفارة بلاده بواشنطن قال لى إن «المعضلة الحقيقية فى علاقتنا بالولايات المتحدة محورها اعتقادهم أن الحرب الباردة انتهت بانتصارهم وهزيمتنا، وعليه يتبنون سلوك المنتصر ويتوقعون منا سلوك المنهزم». وأضاف الدبلوماسى «نحن نرى أن الحرب الباردة انتهت دون إطلاق نار، ودون منتصر ولا مهزوم»، وهذا هو جوهر الخلافات بين موسكو وواشنطن فى العديد من القضايا العالمية، وعلى رأسها مصير أوكرانيا، الدولة المجاورة لروسيا والتى لا يعرف أغلب الأمريكيين موقعها على الخريطة.
بعيداً عن تفاصيل الجغرافيا، عشت بعض عمري أتصور أو أعتقد أن أوكرانيا مقاطعة روسية. كان لأوكرانيا صوتٌ في الأمم المتحدة باعتبارها كياناً مستقلاً. الكيان في الشكل مستقل والصوت في الواقع العملي غير مستقل. هذه المفارقة ظلت قائمة بشكل ما بعد الحرب الباردة وانفراط الإتحاد السوفييتي حتى نشبت في عام 2014 "ثورة الميدان" في أوكرانيا، وهي الثورة التي أطاحت برئيس جمهورية شديد الولاء لروسيا.