أما وقد وقعت الواقعة، فالسودان اليوم في مفترق طرق، إما انزلاق تام في هوة الفوضى والضياع، أو انتزاع عصي لنشأة مستأنفة من براثن المستحيل. وكلا الخيارين يعتمدان في الأساس على الكيفية التي ستنتهى بها الحرب، وهي واحدة من احتمالات ثلاثة:
أما وقد وقعت الواقعة، فالسودان اليوم في مفترق طرق، إما انزلاق تام في هوة الفوضى والضياع، أو انتزاع عصي لنشأة مستأنفة من براثن المستحيل. وكلا الخيارين يعتمدان في الأساس على الكيفية التي ستنتهى بها الحرب، وهي واحدة من احتمالات ثلاثة:
برغم الهدن المتكررة بين طرفي الصراع السوداني منذ اندلاعه، في أواسط أبريل/نيسان الماضي، حتى الآن، إلا أن أياً منها لا يؤسس لوقف دائم لإطلاق النار. وبعد أن كانت سمة المعارك تَركُّزها في العاصمة الخرطوم، بمدنها الثلاث، إلا أن وتيرة تمددها نحو الأطراف مثل دارفور والجنينة ونيالا والأُبيِّض تتسارع مع احتمال توسُّعها إلى مناطق جديدة، ما يعني أن الصراع قابل للتمدد أكثر فأكثر كلما طال أمد معارك العاصمة.
لم يكن أكثر المتفائلين من السودانيين يتوقع أن تتأخر المواجهة العسكرية بين أفراد قوات الدعم السريع وبين الجيش منذ تأسيس مليشيات الدعم السريع في غرب السودان على يد الرئيس المعزول الجنرال عمر البشير في العام 2003م لمواجهة الحركات المسلحة هنالك، برغم وجود الجيش في تلك المناطق، وهو خطأ استراتيجي بكل تأكيد لم يتحسّب له البشير.
بعد حوالي الشهرين على الحرب غير المسبوقة في الخرطوم وما تعرض له المواطنون من جرائم قتل، واختطاف، وتعذيب، واغتصاب، وانتهاك للحرمات، ونهب وسرقات، وحصار ونزوح إلى الداخل والخارج بمئات الآلاف إن لم يكن بالملايين، وتدمير معظم المنشآت المدنية ومؤسسات الدولة، فإنه يصعب العثور على شخص واحد من مواطني الخرطوم يرفض تحقيق انتصار حاسم للجيش على قوات الدعم السريع (ق د س) المتمردة سوى القائد العام للجيش نفسه، الفريق أول عبد الفتاح البرهان!
إلى جانب الخصائص المحلية للصراع في السودان، لن يستغرق الوقت كثيراً حتى تبدأ الجوانب الإقليمية والدولية بالظهور، شأنها شأن الحروب السابقة التي مرّ بها هذا البلد وغيره من البلدان، وتأثرت بالخارج وتأثر الخارج بها.
يدفع السودانيون منذ الخامس عشر من نيسان/أبريل الجاري، كما العرب الآخرون، أثماناً حمراء للفشل المستديم منذ ستة عقود في كيفية بناء الدولة الوطنية الجامعة للهويات الجهوية والطائفية والقبلية، والمترافق مع إخفاق غير مبرر بإقامة مستويات الحدود الدنيا من العدالة الإجتماعية.
لم يكن الاتفاق السياسى، الذى عاد بمقتضاه «عبدالله حمدوك» إلى منصبه رئيسا لوزراء السودان، مفاجئا تماما، فالشارع الغاضب يدعو إلى عودته والقوى الدولية تضغط من أجل تلك العودة، والجيش نفسه لا يتحفظ على شخصه بل على من حوله.
تمثل السودان منطقة رمادية فى تصنيف الدول طبقا لعلاقتها مع الولايات المتحدة، فلا هى دولة حليفة ذات أهمية استراتيجية كما الحال مع المملكة العربية السعودية أو مصر، ولا هى دولة يجمعها عداء مع واشنطن مثل سوريا أو إيران.
إلى أين من هنا فى الأزمة السودانية المتفاقمة؟ بأى سيناريو ممكن تصعب العودة إلى شراكة السلطة بين المكونين المدنى والعسكرى على الصورة التى كانت عليها قبل فضها بالقوة بإعلان الطوارئ وحل مؤسسات المرحلة الانتقالية واحتجاز أعداد كبيرة من الوزراء والسياسيين.
كان فض الشراكة بالقوة بين العسكريين والمدنيين تعبيراً خشناً عن أزمة سودانية مستحكمة تداعياتها منذرة على مستقبل البلد، سلامته ووحدته وقدرته على مواجهة أزماته المتفاقمة.