المشهد اللبناني ينضح بالكذب والتكاذب. يشترك "الشركاء" في تظهير الصورة الحقيقية، للنظام والكيان. بلغت السفاهة، أن بات رجال الدين، يسفرون عن انتماءاتهم السياسية، المعروفة أصلاً، ويتقدمون الصفوف الأولى، في خوض معارك دستورية، حقوقية، قضائية، سيادية، اقتصادية، مالية (وتحديداً مالية)، بألسنة الستة الكبار، المؤتمنين على خراب لبنان الآن، وتخريب لبنان المستقبل.
وصل اللبنانيون الى المفترق الوجودي. ظن معظمهم أن الأزمة عابرة، وسيعود رغد العيش برغم التناكف السياسي الطافح بكيديته، والطائفي الناضح بعنصريته. فاذا بالأزمة تتعمق وتتجذر، وتستعصي على الحلول، فاسقط ما بيدهم، حتى تسمروا منتظرين قدرهم بسلبية بالغة، وتسليم غريب بمشيئة لا حول لهم فيها ولا قوة!
قلت: تمرَس باليأس. كُفً عن الشكوى. تعبت الناس من معاقرة المأساة. لبنان: هذا هو. كلما تغير ازداد سقوطاً. إنه كيان عاجز عن بلوغ الدولة. يتعامل اصحابه المزمنون مع سكانه على انهم اتباع او خدم، ولا يتذمرون ابداً.
لا أحد يسمع. الحزن المنتشر سري. الجدران أصدقاء مثاليون، لا يسمعون مصائبنا. أصواتنا ليست لنا. لغتنا أصوات مرتفعة. ليس فيها جواباً على سؤال. يُشبَه لنا أننا أحياء. يضحك الموت منا عندما ننصحه بالإبتعاد. الكورونا تتبرأ من مسؤوليتها من العدوى.
كلما لاح أملٌ قتله الساسة في لبنان. لم تمض 24 ساعة على تبشير الرئيس المكلّف سعد الحريري باحتمال الخروج بـ"صيغة حكومية قبل الميلاد"، حتى خرج هو نفسه اليوم (الأربعاء) بعد لقاء هو الرابع عشر بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون، بوجه عابس يعكس تشاؤم وتعقيدات التفاوض، ويرجىء الأمل الى ما بعد رأس السنة!
يتحدثون بين الفينة والأخرى عن الدولة المدنية ولا يتحدثون عن الدين المدني. تنشأ الدولة عادة بالغلبة أو بطرق أخرى. مع تقادم الزمن تصبح خياراً. عندها تصير احتمال دولة مدنية. وهناك نوع آخر من الغلبة وهو في الدين.
غريب حقاً الكلام عن عدم وجود خلاف ايديولوجي مع اسرائيل، فكأن حالة الحرب التي إمتدت عدة عقود، منذ قيام دولة اسرائيل كانت غير ذي معنى. كأنه كان علينا أن نكون على وفاق تام مع اسرائيل.
التحول في الهوية السياسية اللبنانية لم يبدأ مع ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر ومع انفجار بيروت في 4 آب/أغسطس، لكنه تأكد بهما وصار بهما نهائياً. هو تحوّل من شرذمة هويات قومية ودينية واثنية الى هوية لبنانية واحدة لها الأولوية عند كل اللبنانيين؛ أو معظمهم على الأقل.