برغم أن والدي، رحمه الله، كان من مؤسسي حزب البعث العربي، ومن مؤسسي المؤتمر القومي العربي، وبرغم أنه ربّاني على حب العروبة والإيمان بها، وبرغم أني عضو في المؤتمر القومي العربي، وكنت عضواً في أمانته العامة سابقاً، إلا أني، بعد 7 أكتوبر 2023، وبعد كل ما جرى ويجري، في فلسطين ولبنان، أجدني كفرت بالعروبة!
بات من الراسخ في المجتمع العلمي أن تقدّم العلوم إنما يُعزى إلى ربطها القوي بالتجربة بحيث يمكننا القول إن هناك ثنائية معرفية في العلوم هي ثنائية النظرية والتجربة. من أين ينطلق هذا الإستنتاج؟
أثارت الحرب المدمرة في سوريا، وما ترتّب عليها من أحداث بتقلباتها، وما استتبعها من تحولات في المواقف الإقليمية، وخصوصاً بعد خطوات التقارب السوري التركي، الكثير من الأسئلة، ما دفع العديد من السوريين إلى إعادة التفكير بما كانوا يعتبرونه من مسلمات في حياتهم الاعتيادية، بإعادة قراءة الجغرافيا السياسية لسوريا، بتمثيل لكلمة شارل ديغول: "إذا أردت أن تفهم السياسة، فعليك أن تَبسُط الخريطة، ولتعلم بأن التاريخ هو ظِلٌ للجغرافيا".
من اللافت للانتباه أن يكتب المفكّر المصرى القدير، مصطفى الفقى، مقالا يُبرِز فيه «هواه» لبلاد الشام، نشر فى صحيفة الإندبندنت يوم 20 يونيو/حزيران 2022 بعنوان «الشوام والثقل العربى»، خاصّة فى هذه الأياّم العصيبة التى تعيشها هذه البلاد، جميعها: من سوريا الغارقة فى التقسيم والحصار بعد حربٍ أهليّة لم تنتهِ، ولبنان المنهار اقتصاديّا وماليّا، والأردن غير القادر على النهوض بمقدّراته الضعيفة، وفلسطين المغتصبة وشعبها المنكوب بالاحتلال ومستوطنات التعصّب الدينيّ.
في سياق هذه السلسلة التي لم يتغير عنوانها الأول (في ماهية الإسلام)، أتوقف في هذه المقالة عند مسألة وعي هويّاتنا المتداخلة، وهو وعي يفضي إلى تحصين ذواتنا فنقف سداً منيعاً بوجه التطرّف الديني، لذلك يكره غلاة التطرف في مجتمعاتنا الإسلامية أي محاولة للتدقيق في الهويات ويكرهوننا عندما نحاول إختراق حواجزهم.