هي جريمة العصر، لكن لا تستطيع هذه الحكومة، أو أي حكومة أخرى، أن تتعاطى مع انفجار 4 آب/أغسطس على أنه جريمة، سواء كانت حاصلة عن إهمال مقصود أو غير مقصود، وسواء كانت متعمدة أم لا.
هي جريمة العصر، لكن لا تستطيع هذه الحكومة، أو أي حكومة أخرى، أن تتعاطى مع انفجار 4 آب/أغسطس على أنه جريمة، سواء كانت حاصلة عن إهمال مقصود أو غير مقصود، وسواء كانت متعمدة أم لا.
بالنظر الى النصف الممتلئ من الكوب، قد نرى أن شبح الديكتاتورية لم يطل لبنان. ولكن بالنظر الى النصف الفارغ من الكوب، نرى أن لعنة لبنان هي الطائفية.
بسبب التدجين يكاد كل فرد في لبنان يصاب بعقدة ذنب وعقدة ارتياب. كل واحد يخجل من نفسه بسبب إنحيازه الطائفي غير المبرر، والذي يبطّن كرهاً للآخر من غير طائفة. يصاب بالارتياب لأنه يعرف أن الآخر أيضاً يستبطن المشاعر نفسها ضده.
"لا تكون اللعبة ممتعة، إذا كانت لا تتضمّن بعض المخاطرة. إذاً، إلعبْ ألعاب الدم. فهي تزخر بخطر الموت وكميّة كبيرة من الدماء. وإذا كنتَ تستمتع بالدم الكارتوني والشجاعة، فإطّلع على هذه الألعاب الدمويّة". هكذا يدعو موقعٌ إلكتروني أولادنا، لزيارة عالم الدم "الممتع". نعم. إنّه لأمرٌ رهيب.
إنتقل اللبنانيون من حالة الإنكار التاريخية الى حالة الإنفصام بين الطبقة الحاكمة وعامة الناس، وفي داخل كل فرد لبناني وكل طائفة.
ما هي نتائج زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل الى لبنان؟ أين وصلت مساعي مبادرة الرئيس ايمانويل ماكرون؟ ما هو تصور باريس لاخراج لبنان من أزماته السياسية والاقتصادية والمالية المتراكمة؟
في 17 أكتوبر، ثار اللبنانيّون على أنفسهم وعلى الواقع المأزوم الذي باتوا معه رهائن. ما عادوا يريدون أن يكونوا طُفيْليّين في بلدٍ طُفيْلي. أشعلت السلطة، بأناملها، شرارة غضب شعبي مكتوم تلقّفته الشوارع والساحات، على كامل خارطة الوطن، ما أعطى الدليل الحسّي على نضج العامل الموضوعي للتغيير. لتغيير النظام الذي فقد كلّ شرعيّةٍ لبقائه. لإسقاط نظامٍ لا يعترف بشعبه، ولا يعرف أن يتعاطى إلاّ مع "شوارع طائفيّة". فإذا به، ذات تشرين، يجد نفسه بمواجهةٍ مع هذا الشعب.
"العمال يصيحون طلباً للخبز/ التجار يصيحون طلباً للأسواق/ كان العاطلون جوعى والعاملون الآن جوعى/ الأيدي التي كانت مضمومة صارت مشغولة مرة أخرى/ إنها تصنع القذائف" (برتولد برشت، شاعر وكاتب ومسرحي ألماني).
في الشتاء المنصرم، أعادت منصّات التواصل الاجتماعي الترويج لرقصة "حاملي النعوش" الغانيّة، عبر مقطع فيديو صادم أثار أصداءً مدوّية. يُظهِر هذا الفيديو، بضعة شبّان ببزّاتهم السوداء وقبّعاتهم البيضاء وأحذيتهم البيضاء والسوداء ونظّاراتهم السوداء، وهم يحملون نعشاً ويراقصونه بطريقةٍ بمنتهى الغرابة. وهُم لا يكتفون بهزّ النعش، فحسب. بل، وعلى وقْع الأنغام المعدنيّة لأغنية "astronomia"، يبدؤون استعراضهم. فيقذفون قبّعاتهم في العالي ويسقطون على الأرض ويدورون ويتلوّون، حتى أنّهم يرمون النعش في الهواء كوداعٍ أخير للميت بأسلوبٍ يحضّره، باعتقادهم، للحياة الأخرى.
إنها لحظة سقوط الأقنعة. سقوطها عن المشاريع الحقيقية للأحزاب اللبنانية التي تمثِّل المجموعات الطائفية بوجدانها وهواجسها وشهيتها المفتوحة على السلطة وتناتش مواقعها، وسقوطها أيضاً عن المصالح الكامنة للقوى الجديدة الوافدة بعنوان ما يُعرف بـ"قوى المجتمع المدني".