أيامٌ قليلةٌ تفصلنا عن مرور عام على حرب غزة أو تحديدًا حرب الإبادة التى تشنها إسرائيل على القطاع. وقد وضعت سقفًا عاليًا لأهدافها المتوخاة من تلك الحرب التى تستمر ولكن بوتيرة منخفضة نسبيًا عما كانت عليه من قبل.
أيامٌ قليلةٌ تفصلنا عن مرور عام على حرب غزة أو تحديدًا حرب الإبادة التى تشنها إسرائيل على القطاع. وقد وضعت سقفًا عاليًا لأهدافها المتوخاة من تلك الحرب التى تستمر ولكن بوتيرة منخفضة نسبيًا عما كانت عليه من قبل.
تتذكر إسرائيل حرب تموز/يوليو 2006 مع حزب الله باعتبارها هزيمة. ولكن في حربها الدائرة حالياً على الجبهة الشمالية، على وقع الحرب على قطاع غزَّة، كان لدى الجيش الإسرائيلي سنوات للاستعداد، وهو ما يعوّل عليه لـ"ضمان" نجاح اجتياح برّي للبنان، برغم التجارب "المريرة" التي مُني بها خلال كل "غزواته" السابقة لهذا البلد وتفوق مقاتلي حزب الله في مجال القتال المباشر على الأرض، بحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.
اختار الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله أن يعيش ويموت مقاتلاً، وقد تحققت أمنيته يوم الجمعة الماضي، عندما اغتالته إسرائيل بغارة جوية استخدمت فيها عشرات الأطنان من القنابل، بما فيها القنابل الخارقة للتحصينات. ومن المؤكد أن حزب الله سيسعى إلى الانتقام لمقتل زعيمه المثالي والنادر والذي قد يكون من المستحيل تعويضه.
الدبلوماسية آليّة للتفاوض. إنّها فنٌّ قائمٌ بذاته. غالباً ما تتسم بالغموض لاخفاء الأهداف الحقيقيّة للمتفاوضين أو للوسطاء. وهي تشكّل بالتأكيد وسيلةً لحلّ النزاعات وتجنّب الحروب، ولكنّها تتضمّن أيضاً قدراً كبيراً من الخداع. بل تستخدم في كثيرٍ من الأحيان مفاهيم مواربة للتمويه عن الأهداف الحقيقيّة.
أخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حربه على لبنان إلى أقصى مدياتها، باستهداف الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله وسط حملة جوية هي الأعنف منذ عقود، من حيث دمويتها واتساعها، واستبعاد أي أفق لوقف اطلاق النار أو طرق سبل الحل السياسي.
نحن في خضم حرب حقيقية ولو كان حزب الله يُصرّ على إدراجها في خانة مساندة غزة ومؤخراً أضاف إليها عنوان "الدفاع عن لبنان وشعبه". ما يجري منذ حوالي العشرة أيام على أرض لبنان يشي بما تُضمره إسرائيل للبنان منذ الدقيقة الأولى لانتهاء حرب تموز/يوليو 2006، وهو ما كان يجعلها تعتقد لسنوات طويلة أن جبهة غزة ثانوية.. وأن الحرب الأساس هي تلك التي لا بد منها في ما تُسمى "الجبهة الشمالية".
يختلف المسؤولون الاسرائيليون حول مسألة تصعيد المواجهات مع حزب الله في لبنان. ففي حين يعتقد بعض الجنرالات الصقور أن التصعيد يمكن أن يُجبر حزب الله على التراجع، يقول جنرالات آخرون إنه يتعيّن على إسرائيل أولاً حسم الحرب في غزَّة قبل فتح أي معركة جديدة، بحسب رونين بيرغمان في "نيويورك تايمز" (*).
وأخيراً نشبت الحرب بين لبنان وإسرائيل من دون إعلان واتخذت المواجهة العسكرية شكلاً جديداً يختلف عن الحروب السابقة ولا سيما حرب تموز/يوليو ٢٠٠٦.
يُعاني الكيان الإسرائيلي من أزمة عميقة مزدوجة تتصل بالحمل الثقيل المتفاقم على كاهل قوته العسكرية المتهالكة من جهة، وبنذائر حرب أهلية تلوح في الأفق وتتربص بمجتمع هذا الكيان من جهة أخرى، بسبب الحرب المجنونة والمكلفة التي يشنها بنيامين نتنياهو على جبهات عدَّة وفي اتجهات مختلفة. أما أعمال التنكيل التي تمارسها قوّاته الجوية، بهدف "مساندة" جيشه المُتعب، فليست أكثر من استراتيجية عمياء لن تخدمه لوقت طويل.
بعد قرابة السنة من عملية السابع من أكتوبر (2023)، وبعد حجم الدمار والقتل والإبادة التي جاءت رداً عليها، لا بدّ للمرء أن يتساءل عن جدوى هذه العملية التي أعطت للعدو الإسرائيلي ذريعة لجعل غزة مكاناً غير قابل للعيش فيه، ولإبادة شعبها وتهجير من بقي منهم، وتقطيع أوصالها، ووضع الخطط لإقامة المستوطنات فيها، وهذه خطوة هامة نحو تحقيق نقاء القومية اليهودية داخل "إسرائيل"، والتخلص ممن بقي من السكان الفلسطينيين.