ترامب والبرغوثي.. اختبار حدود الضغط الأميركي على إسرائيل

من المشكوك فيه أن يكون الرئيس الأميركي دونالد ترامب في طريقه إلى محاكاة الرئيس الراحل دوايت أيزنهاور، عندما أنذر الأخير رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون عقب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، بالانسحاب من كامل قطاع غزة، أو تعرض إسرائيل لعقوبات اقتصادية أميركية.

انصاع بن غوريون وقتذاك، متمنياً أن يستيقظ ذات صباح وقد ابتلع البحر غزة. الشيء الأكيد، هو أن ترامب ليس أيزنهاور، وبنيامين نتنياهو ليس بن غوريون. أما غزة فلا تزال محوراً أساسياً في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي منذ 76 عاماً، وعلى مصيرها يتوقف مجرى هذا الصراع.

ضم الضفة “قرار غبي”!

المسؤولون الأميركيون الذين يتدفقون على إسرائيل، منذ بدء سريان وقف النار في غزة في 10 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، بدءاً بترامب نفسه في 13 منه وحتى وزير الخارجية ماركو روبيو، مروراً بنائب الرئيس جي دي. فانس والمبعوث الخاص ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، صهر ترامب، ليس عديم الدلالة. إنه ينم عن عدم الثقة في أن نتنياهو لن ينقلب على وقف النار عند أية فرصة، بما ينسف الخطة الأميركية المكونة من عشرين بنداً، والتي تحمل رؤية ترامب لطريقة تحقيق “السلام الأبدي”، ليس في غزة فحسب، بل في الشرق الأوسط برمته.

صدق الحدس الأميركي بعدم الركون لنتنياهو. وعلى سبيل المثال، إقرار الكنيست في قراءة أولى يوم الأربعاء الماضي لفرض القانون الإسرائيلي على الضفة الغربية، قُوبل باحتجاجات أميركية لافتة للانتباه، لا سيما أن هذه الخطوة تزامنت مع زيارة فانس، الذي سارع إلى وصفها بـ”القرار الغبي”، وليعيد التذكير بأن ترامب تعهد للزعماء العرب، بأنه لن يسمح بضم الضفة الغربية. وكان هذا التعهد عاملاً أساسياً في ممارسة قطر ومصر ما تملكان من نفوذ على حركة “حماس”، كي تقبل بالخطة الأميركية.

فانس، الذي اعتبر إجراء الكنيست “إهانة له”، لا يريد أن يوضع في المكان الذي وضع فيه جو بايدن عندما كان في زيارة لإسرائيل عام 2010، وهو في منصب نائب الرئيس إبان ولاية باراك أوباما، حيث أعلنت حكومة نتنياهو وقتذاك عن مشروع استيطاني كبير في جبل أبو غنيم بالقدس الشرقية. وقد تعمد نتنياهو وقتذاك توجيه رسالة تحدٍ لأوباما بسبب تركيزه على حل الدولتين.

وكان لافتاً للانتباه قول ترامب عدة مرات في مقابلة مع مجلة “تايم” إن ضم الضفة الغربية “لن يحدث”، موضحاً أنه أعطى كلمته للدول العربية، مؤكداً أن إسرائيل ستفقد دعم الولايات المتحدة إذا أقدمت على هذه الخطوة.

بالمقابل، لم يخفف نأي نتنياهو بنفسه عن تمرير القانون في الكنيست، من رد الفعل الأميركي؛ فالبيت الأبيض يعلم جيداً أنه كان في امكان نتنياهو، لو أراد، أن يحول دون ذلك. ولذلك اعتبر المسؤولون الأميركيون أن ما جرى في الكنيست يهدد وقف اطلاق النار في غزة. وكتب الباحث في معهد “الأولويات الدفاعية” بواشنطن ألكسندر لانغلوس متهكماً في مجلة “ذا ناشيونال إنترست” الأميركية: “نتنياهو يعمل ساعات إضافية من أجل اسقاط وقف النار”.

“الهجوم الديبلوماسي” الأميركي، وفق تعبير صحيفة “النيويورك تايمز”، يُعزّز وجهة نظر جزء كبير من الإسرائيليين، الذين يتهمون نتنياهو بأنه قاد إسرائيل بسياساته المتهورة في العامين الماضيين، لتصير “محمية” أميركية، أو “جمهورية موز”، فقد المسؤولون فيها حرية اتخاذ القرار.

ولدعم وجهة نظرهم، يسردون كيف صار مسؤولون وجنرالات أميركيون يشاركون في اجتماعات الحكومة الإسرائيلية، على غرار ما فعل ويتكوف وكوشنر في جلسة الموافقة على الخطة الأميركية. ويتمركز 200 جندي أميركي تابعين للقيادة المركزية الأميركية في جنوب إسرائيل لمتابعة تنفيذ وقف النار، وسيضيف روبيو إلى هؤلاء ممثلاً دائماً لوزارة الخارجية. وعندما يهدد ترامب “حماس”، فإنه يذكر الحركة، بأنها تدرك جيداً أن استئناف الحرب “يتوقف على كلمة منه”، ولذلك يتعين أن تلتزم التخلي عن سلاحها وعن حكم غزة.

المعلق في صحيفة “إسرائيل اليوم” إبراهام بن- تسفي يفسر بعضاً من طبيعة العلاقات الأميركية-الإسرائيلية قائلاً “إن مزيجاً من العزلة السياسية والتعلق المطلق بالدعم الأميركي، تحولا بالتدريج إلى رافعة شديدة القوة بين يدي ترامب”.

استعجال المرحلة الثانية أميركياً

آخر ما يريده ترامب الآن، رؤية وقف النار ينهار، وتنهار معه خطته. والانخراط الأميركي في حراسة الهدنة، وعدم اتاحة المجال أمام نتنياهو لنسفها، على غرار هدنتين سابقتين. ويدرك أيضاً أن موقفه “المرن” إلى حد ما إزاء “حماس” في مسائل العثور على ما تبقى من جثث لأسرى إسرائيليين والتخلي عن السلاح وملاحقة ميليشيات مدعومة من إسرائيل، قد يساهم في اقناع الدول الموقعة على وثيقة وقف الحرب في شرم الشيخ، وهي إلى جانب أميركا، مصر وقطر وتركيا، بالضغط أكثر على الحركة لتسهيل الانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة الأميركية، التي تتضمن انشاء لجنة تكنوقراط لإدارة غزة، وكذلك تشكيل قوة الاستقرار، التي ستتولى الأمن إلى جانب عناصر محلية من الشرطة، من المفترض أن تملأ الفراغ مع تخلي “حماس” عن سلاحها وانسحاب إسرائيل إلى نقاط أقرب من الشريط الحدودي.

إقرأ على موقع 180  لبنان: الحريري يسقط برفضه التكنوسياسية.. وهذه البدائل

استعجال المرحلة الثانية أميركياً واقتراح كوشنر ومن بعد فانس البدء في اعادة الأعمار في المناطق التي لا تزال تحتلها إسرائيل وهي 53 في المئة من القطاع، لا تلقى استحساناً لدى نتنياهو، الذي يعطي الأولوية لنزع سلاح “حماس” بما يوفر له ادعاء “النصر المطلق” في الحرب، وخوض انتخابات 2026 بهذا الانجاز.

ثبت أن ترامب لا يعطي أيّ شيء مجاناً. وعلى رغم أنه يكره وزير الخارجية الأميركي الراحل هنري كيسنجر، إلا أنه يستخدم شيئاً من ديبلوماسية الأخير، عندما لجأ إلى الضغط على إسرائيل عام 1974، كي يُعزّز علاقاته مع الرئيس المصري عامذاك أنور السادات. وترامب يضغط على نتنياهو كي يقنع دولاً عربية وإسلامية بجدية تحركه لتحقيق السلام في المنطقة، وتالياً على هذه الدول أن تقبل بالانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية. وليس بعيداً عن ذلك توقيت زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن في السابع عشر من تشرين/نوفمبر المقبل.

ولافتة للانتباه أيضاً، إشارة ترامب في حديثه عن “قائد واضح” لغزة، إلى القيادي في حركة “فتح” مروان البرغوثي المعتقل في السجون الإسرائيلية منذ 2002 وقوله في المقابلة مع مجلة “تايم” الأميركية الخميس، إنه ناقش مع مساعديه ما إذا كان بوصفه رئيس “مجلس السلام” للقطاع، أن يتدخل شخصياً لدى إسرائيل لإطلاق البرغوثي، الذي ينظر إليه الفلسطينيون على أنه نلسون مانديلا فلسطين، في وقت تخشى أسرته من فقدان حياته بسبب زيادة المضايقات الإسرائيلية له، وبينها التعذيب الجسدي والنفسي بإشراف وزير الأمن القومي المتطرف إيتامار بن غفير.

البرغوثي، شخصية تحظى بتأييد غالبية الفلسطينيين، وأدرجت “حماس” اسمه على رأس لائحة الأسرى الذين تريد تحريرهم من السجون الإسرائيلية، إضافة إلى أحمد سعدات، ولذلك، فإن طرح ترامب لاسمه لم يكن مصادفة، وإنما مقدمة لأمر ما يحضر في المداولات الخلفية.

ومن هنا، يمكن تفسير الإصرار الإسرائيلي على اخضاعه للتعذيب. وتروي صحيفة “التايمز” البريطانية أن بن غفير دخل زنزانة البرغوثي مؤخراً مهدداً إياه أنه “يستحق الإعدام على كرسي كهربائي”. وردّ عليه البرغوثي بالعبرية قائلاً إنه يلاحظ أن مزيداً من الشيب في رأس بن غفير، ولذلك كان يتوقع منه “أن يكون أكثر نضجاً”.

يتوقف الكثير الآن، على مدى قدرة الحراك الأميركي في اقناع نتنياهو بالانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة الأميركية، التي من دونها يبقى وقف النار مجرد هدنة مؤقتة، في انتظار الحرب المقبلة.

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  من غزة إلى ترامب.. إيران تستعد لانتخاب رئيس متشدد