قبل شهر أو أكثر كنا من على البعد في انتظار مواجهة أمريكية تبدأ مع الصين وتنتهي بروسيا. بعدها تعود الهيمنة الأمريكية مطلقة كالعهد بها منذ اندحر الاتحاد السوفييتي ولم تكن الصين قد رشحت نفسها قطباً دولياً.
قبل شهر أو أكثر كنا من على البعد في انتظار مواجهة أمريكية تبدأ مع الصين وتنتهي بروسيا. بعدها تعود الهيمنة الأمريكية مطلقة كالعهد بها منذ اندحر الاتحاد السوفييتي ولم تكن الصين قد رشحت نفسها قطباً دولياً.
قبل شهرين من توقف الحرب العالمية الثانية رسمياً في الثاني من أيلول/سبتمبر 1945، كان لافتا للإنتباه تحذير مجلة "لايف" الأميركية في عدد تموز/يوليو 1945 من أنّ دولة الاتحاد السوفياتي هي المشكلة الرقم واحد "لأنّها الدولة الوحيدة في العالم التي تملك القدرة الفعّالة على تحدي مفاهيمنا..".
يُهدّد طول الحرب الأوكرانية وغياب أفق الحل السلمي، بمحوٍ متزايدٍ للخط الفاصل دون تطورها إلى مواجهة مباشرة بين روسيا من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة ثانية، برغم تهيب الجميع الإنزلاق إلى هاوية تقود إلى حرب عالمية ثالثة بين قوى مسلحة نووياً هذه المرة. إنه سيناريو "يوم القيامة" بإمتياز.
لم يتوصل أطراف الصراع الدائر حالياً على أرض أوكرانيا إلى إستنتاج أن تكاليف استمرار القتال تفوق التضحيات التي تتطلبها أي تسوية دبلوماسية. فلاديمير بوتين بدأ الحرب، لكن الإطاحة به لن تنهيها بالضرورة.. الظروف السائدة في كلا البلدين وباقي دول الغرب تدفع للقول إن وقت التسوية قد يكون أقرب مما كان متوقعاً، كما يشرح تقرير لـ"الفورين افيرز".
في السرديات الغربية أن الفضل في إسقاط الإتحاد السوفياتي يُعزى إلى الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، لأنه هو من وصف الإتحاد بـ"إمبراطورية الشر" وأطلق "حرب النجوم" ليكسر قاعدة "الردع النووي المتبادل" وزوّد "المجاهدين" الأفغان بصواريخ "ستينغر" التي أحدثت فارقاً في الحرب، وجعلت موسكو تفكر في الإنسحاب، ومن ثم حصل الإنهيار.
سوف ينتصر فلاديمير بوتين في حربه ضد أوكرانيا ثم يخسر نتائجها. ربح نابليون حروب أوروبا وخسر نتائجها. ربح هتلر وخسر النتائج. نابليون رضي بالنفي. هتلر انتحر. بوتين لا ندري.
عندما ضمّت روسيا جزيرة القرم سنة 2014، لم يتوانَ المعارضان البارزان لفلاديمير بوتين أليكس نافالني وبوريس نيمتسوف (الليبراليان اللذان حظيا بدعم الغرب) عن تأييد "روسيّة" القرم من دون الإشادة ببوتين. بل إنّهما هتفا مع متظاهرين أطلقوا على أنفسهم "السلاف الأنقياء"(عرقياً): "القرم لنا". القصة أكبر من بوتين وأعقد من زيلنسكي. إنّها تاريخٌ قديمٌ يعتقد باستقلاله الأخلاقي والثقافي والحضاري والخلاصي عن الغرب.
على مدى الأشهر الأربعة الأخيرة، أكد أركان إدارة جو بايدن، ومن بينهم الرئيس نفسه ووزراء الدفاع والخارجية ومستشار الأمن القومى، فى العديد من المناسبات أن بلادهم مستعدة فقط للدفاع عن الدول الأعضاء بحلف الناتو، وأنها لن تتورط على الأرض فى أوكرانيا، حتى لو كان ذلك يعنى أنها ستقع بسرعة فى يد القوات الروسية.
متى تتوقف الحرب؟ هذا سؤال ضاغط على سير العمليات العسكرية فى أوكرانيا، التى تحولت إلى رهينة استراتيجية فى صراع الإرادات الكبرى على مستقبل النظام الدولى. وما الحصاد المتوقع للصدامات التى اتسع مداها وتعددت جبهاتها، عندما يتوقف دوى المدافع؟ وهذا سؤال آخر ضاغط على أعصاب العالم، الذى يجد نفسه فى قلب صراعات ضارية دون أن يستبين آثارها على مستقبله وحسابات القوة والمصالح فيه.. ولا أين يقف وكيف يتصرف؟
يُصرُّ الرئيس رجب طيّب أردوغان على أن يكون لتركيا قُبالة "المسكوب"، الدور الذي يفرضه موقعها الجيوسياسي في إدارة النزاع الروسي – الأوكراني. لذلك رأينا أردوغان منذ اندلاع الحرب على مشارف البحر الأسود، ينتقل من عرض التوسّط والتحكيم بين الطرفَين المتنازعَين، إلى إغلاق الممرات الحيويّة للبحر الأسود (مضائق البوسفور والدردنيل) بحجّة العمل لوقف تصعيد النزاع.