مَن يحسُم الحرب.. فاليري الروسي أم فاليري الأوكراني؟   

تشير معظم التوقعات إلى أن السنة الثانية من الحرب الأوكرانية ستكون أكثر عنفاً وتدميراً من سابقتها. الأسلحة الغربية الجديدة التي تتدفق على كييف، هي من مقدمات التصعيد الميداني المنتظر. وفي المقابل، تتهيأ روسيا لهجوم واسع بعد إعادة تجميع قواتها ورفدها بمئات الآلاف من جنود التعبئة الجزئية، معطوفة على سلسلة تغييرات في القيادة الميدانية للحرب. 

من الجانب الروسي، بات الزمام في يد رئيس الأركان الجنرال فاليري غيراسيموف مباشرة يقابله من الجانب الأوكراني الجنرال فاليري زالوجني. فأي فاليري منهما سينتصر على الآخر؟ مسألة تُحدّدها خُطط هذين الرجلين اللذين يتمتعان بخبرة عسكرية مشهود لها، وستلعب الأسلحة ونوعيتها دوراً بارزاً في تحديد مستقبل الحرب التي تتمدد تأثيراتها على الساحة الدولية أكثر فأكثر.

وبعد مرور ما يقرب السنة، خرقت الحرب الكثير من الخطوط الحمر، ولا تزال تزخر بعناصر الصدمة. قبل أشهر من كان يتخيل أن الأوكرانيين سيقتربون من الحدود الروسية على متن دبابات “ليوبارد” الألمانية؟ حدثٌ من شأنه أن يوقظ لدى الروس إجمالاً ذكريات عن دبابات “البانزر” الألمانية التي إجتاحت الأراضي الروسية قبل 80 عاماً. لم تفت الرئيس فلاديمير بوتين في ذكرى معركة ستالينغراد الخميس الماضي، الإشارة إلى أن “التاريخ يعيد نفسه الآن”.

ومن المؤكد أن الغرب لن يقف عند رمزية تاريخية كهذه. ما يعنيه الآن تمكين أوكرانيا من طرد القوات الروسية، على الأقل، من الأراضي التي سيطرت عليها منذ 24 شباط/فبراير من العام الماضي، على رغم أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يصر على أيضاً على إستعادة كامل الدونباس في الشرق وشبه جزيرة القرم على البحر الأسود. وهذه النقطة لا تزال مثار جدل في الولايات المتحدة. رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي، لا يزال يلتزم جانب الحذر إزاء قدرة الجيش الأوكراني على طرد الجيش الروسي من كامل الأراضي الأوكرانية خلال العام الجاري. هذا رأي أدلى به في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وكرّره أمام الإجتماع العسكري الموسع للحلفاء في قاعدة رامشتاين الجوية الأميركية بألمانيا الشهر الماضي.

من وجهة النظر الغربية، فإن خطورة الأشهر العشرة المقبلة تكمن في ما سمته مجلة “تايم” الأميركية “التعب الأوكراني” المحتمل. إذن، وفق هذا التصور، كان لا بد من تطوير المساعدات الغربية العسكرية لأوكرانيا وزيادة حزم العقوبات الأوروبية والأميركية ضد روسيا

ويتفق مدير وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إي” وليم بيرنز مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، على أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة على صعيد الحرب. ولهذه الغاية، إضطرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى التجاوب مع المستشار الألماني أولاف شولتس في ما يتعلق بالإعلان عن عزم واشنطن إرسال دبابات “أبرامز” إلى أوكرانيا. الإعلان الأميركي كان مدخلاً ضرورياً لتغطية قرار برلين بإرسال دبابات “ليوبارد”. والمحللون العسكريون الغربيون يُعلّقون الآمال على “ليوبارد” وليس على “أبرامز” أو تشالينجر” البريطانية لدحر الدبابات الروسية من طراز “تي-64” و”تي-72 و”تي 90″، علماً أن أي مواجهة لم تدر بين دبابات روسية وألمانية منذ الحرب العالمية الثانية. وبذلك أضحى دور “أبرامز” التي لن تتسلمها أوكرانيا قبل أواخر الربيع المقبل، أن تفتح الطريق عملياً أمام “ليوبارد” التي يمكن أن تدخل المعركة أواخر الشتاء أو مطلع الربيع.

الناحية الثانية المهمة هنا هي أن الدبابات كسرت خطاً أحمر روسياً آخر، من تلك التي كان يرسمها الكرملين أمام الأسلحة الغربية الوافدة إلى الساحة الأوكرانية. وفي هذا السياق، إتبع حلفاء أوكرانيا إستراتيجية التصعيد التدريجي في المساعدات كي لا يتسببوا بإستدراج رد فعل روسي قوي. أي أنه لو كان الحلفاء قرروا إرسال دبابات منذ اليوم الأول للحرب، لما كان أمكنهم التنبؤ بالخطوة الروسية المقابلة. فبدأوا بصواريخ “جافلين” و”ستينغر” ومن ثم مدافع “الهاوتزر” فأنظمة الدفاع الجوي وقاذفات الصواريخ الأميركية “هيمارس” وصواريخ “باتريوت” المضادة للصواريخ.. والآن دبابات “ليوبارد -2″ الألمانية و”تشالينجر-2″ البريطانية و”أبرامز” الأميركية. وهناك حديث جدي الآن عن مقاتلات “إف-16” التي تعتبر من أحدث طائرات الجيل الرابع، وعن وجود طيارين أوكرانيين في الولايات المتحدة للتدرب عليها. هذا ما تعتبره كريستينا غولولاردو في مجلة “بوليتيكو” الأميركية نجاحاً من الغرب في جعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “يتكيف” مع المساعدات العسكرية المرسلة إلى أوكرانيا.

وبحسب مجلة “بوليتيكو” الأميركية نفسها، فإن البنتاغون يدرس أيضاً إمكان تزويد كييف بصواريخ يصل مداها إلى 300 كيلومتر من منظومة “إم جي إم- أتاكمز”. ودخل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الخط، عندما لم يستبعد إرسال منظومة “القبة الحديدية” إلى كييف، لمواجهة البعد الإيراني في هذه الحرب.

وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا ستيف سيمبالا ومساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لورنس كورب، في مقال مشترك لهما بمجلة “ذا ناشيونال إنترست” الأميركية، إن أوكرانيا ذاهبة إلى التصعيد سواء بحصولها على دبابات أو من دونها. ويخشيان من سيناريوين للتصعيد: عمودي وأفقي. العمودي يتضمن إستخدام أسلحة أكثر تدميراً قد تصل من الجانب الروسي إلى إحتمال إستعمال صواريخ نووية تكتيكية قصيرة أو متوسطة المدى. أما التصعيد الأفقي فيتضمن إمكان توسيع النزاع نحو دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي.

إقرأ على موقع 180  رئيس وزراء تونس يتعرض للضرب في قصر قرطاج.. فيستقيل!

وتعتبر الأستاذة المساعدة في قسم العلوم السياسية بجامعة تورنتو أولغا تشيز في مقال بصحيفة “الغارديان” البريطانية، أن زيادة المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا، “مؤشرٌ إلى إستراتيجية تشبه تلك التي تتدرج في زيادة الرهان، بهدف كسب اليد العليا في لعبة القمار. وفي الوقت الذي إجتازت الولايات المتحدة والناتو الخطوط الحمر الروسية الواحد تلو الآخر، فإنهم يبعثون الآن برسالة حول عزمهم تزويد أوكرانيا بما تحتاجه من دعم لصد الغزو الروسي”.

النزاع الأوكراني أمام أشهر حاسمة. نزاع مفتوح على كل الإحتمالات والمفاجآت. من إمكان إخراج الجيش الروسي من كامل أوكرانيا بما فيها القرم أو عودة القوات الروسية إلى ضواحي كييف. الكثير من هذا أو ذاك يتوقف على ما يجري في باخموت

ليست المساعدات العسكرية وحدها التي يراهن عليها الغرب. هناك جبهة العقوبات المفتوحة. والإتحاد الأوروبي في طريقه إلى حزمة عاشرة من العقوبات، من ضمنها فرض سقف للأسعار على المشتقات النفطية الروسية. والقمة الأوروبية – الأوكرانية التي إنعقدت في كييف، لخّصها رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال في لحظة عاطفية بأنه من الآن فصاعداً يتعين على روسيا أن تستوعب بأن “أوكرانيا هي الإتحاد الأوروبي وأن الأتحاد الأوروبي هو أوكرانيا”. والحملة التي قادتها السلطات الأوكرانية في الأيام الأخيرة ضد الفساد في البلاد وشملت توقيف مسؤولين كباراً في الدولة، كانت بمثابة إجراء مطلوب أوروبياً لتمهيد الطريق أمام بدء مفاوضات الإنضمام بين الإتحاد وأوكرانيا، التي تعرف بأنها من أكثر الأنظمة فساداً في العالم.

ومن وجهة النظر الغربية، فإن خطورة الأشهر العشرة المقبلة تكمن في ما سمته مجلة “تايم” الأميركية “التعب الأوكراني” المحتمل. إذن، وفق هذا التصور، كان لا بد من تطوير المساعدات الغربية العسكرية لأوكرانيا وزيادة حزم العقوبات الأوروبية والأميركية ضد روسيا.

وفي كل مرحلة من مراحل الحرب قد تفرض نمطاً جديداً من الدعم الغربي، الذي يعتمد إستراتيجية إلحاق “هزيمة إستراتيجية” بروسيا وفق ما يني يُكرر نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف.

النزاع الأوكراني أمام أشهر حاسمة. نزاع مفتوح على كل الإحتمالات والمفاجآت. من إمكان إخراج الجيش الروسي من كامل أوكرانيا بما فيها القرم أو عودة القوات الروسية إلى ضواحي كييف. الكثير من هذا أو ذاك يتوقف على ما يجري في باخموت، تلك الجبهة التي حافظت على سخونتها برغم ثلج الشتاء.

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  هكذا تعرّفتُ على بلال الحسن.. هكذا صدرت مجلة "اليوم السابع"