اكتب من منزلي في ضواحي واشنطن وأنا في الحجر منذ منتصف شهر آذار/مارس. اتابع الاحداث في الولايات المتحدة ولبنان. للبلدين مشاكل كثيرة وعميقة. قد تبدو المقارنة ظالمة، لكنني أكتفي ببضعة خواطر لعلها تفيد في التأمل والتفكير.
اكتب من منزلي في ضواحي واشنطن وأنا في الحجر منذ منتصف شهر آذار/مارس. اتابع الاحداث في الولايات المتحدة ولبنان. للبلدين مشاكل كثيرة وعميقة. قد تبدو المقارنة ظالمة، لكنني أكتفي ببضعة خواطر لعلها تفيد في التأمل والتفكير.
عندما أقرت حكومة حسان دياب في جلستها الأخيرة، فرض ضريبة الخمسة آلاف ليرة لبنانية على كل صفيحة مازوت، ترك أحد الوزراء مقعده، وإقترب من دياب هامساً في أذنه عبارة دالة: "دولة الرئيس 20 سنتاً طيّروا حكومة سعد الحريري. خمسة آلاف ليرة بيحرقو البلد". رنّت العبارة في أذن دياب، فإقترح على الحكومة أن تبحث في جلسة لاحقة كيفية تنفيذ القرار!
لبنان بلد مجبول باليقين والمطلق وكل ما يقفل نوافذ التفكير وفرص البحث عن تعدد الخيارات. لذلك، تتحكم شهوة الالغاء بمعظم قواه، وكل متعطش للسلطة، هاجسه الأول والأخير أن يمارس تلك السلطة المطلقة، ولو تطلب ذلك التعامي عن كل البؤس والتهميش والفقر، وأن يعتقد للحظة أنه يعيش في عالم "لالا.. لاند"!
في الشكل، أرادت جمعيّة المصارف في لبنان القول أنّها تريد من خطّتها المقترحة المساهمة في النقاش القائم حول الحلول الممكن إعتمادها لإخراج لبنان من المأزق أفقتصادي والمالي الراهن. وفي الشكل أيضاً، أرادت المصارف أن تصوّر نفسها طرفاً يمثّل في مقترحاته مصالح ثلاثة ملايين مودع. لكنّ في المضمون، هذه أولى خطوات الجمعيّة للإنطلاق في سجال تقني مع الدولة اللبنانيّة، عنوانه حماية رساميلها بالتحديد من أي توزيع للأعباء في المعالجات المقبلة.
السيادة هي الاستقلال عن الخارج. تحرر البلد من سيطرة قوة أجنبية تحتله أو تحكمه وتتخذ القرارات له وبالنيابة عن شعبه. الاستقلال، أي السيادة، هو عندما تكون الدولة شرطاً لكل ما عداها، ولا شرط عليها. دول كثيرة تستقل عن الخارج وتبقى تابعة له في قراراته. فهي ناقصة السيادة. لكن عوامل داخلية هي التي تؤدي أيضاً الى فقدان السيادة.
من أين يمكن البدء في نقاش الورقة الاقتصادية المسماة خطة إنقاذية للاقتصاد؟ من ورقة "لازار" التي اعتبرت مجموعة افكار ليس الا بعد ان سُوّقَت كأنها فتح مبين؟ أم من الورقة الاقتصادية التي ودع فيها الرئيس سعد الحريري اللبنانيين كأنها الترياق؟ أم من خطة ماكينزي الأعجوبة، بعدما أغدقت الدولة توصيفات "تاريخية" "غير مسبوقة" "وللمرة الأولى" عليها كلها، علمًا ان هناك ثماني خطط، على الأقل، وضعت خلال السنوات الثلاثين الماضية!
دخل لبنان يوم الإثنين الماضي مرحلة التفاوض المباشر مع صندوق النقد من خلال جلسة تمهيديّة، تلتها جلسة عمليّة أولى (الأربعاء)، وبرغم الأجواء المتفائلة، يبدو أن لبنان دخل مرحلة التفاوض بنقطة ضعف كبيرة، تتمثل في غياب التنسيق بين الأطراف الرسميّة اللبنانية المعنيّة؛ أوّلاً، من ناحية تحفّظ مصرف لبنان على خطّة الإصلاح الحكومي التي يُفترض أن تشكّل ورقة عمل الدولة اللبنانية كلها في مفاوضاتها مع الصندوق؛ وثانياً، من خلال عدم وجود إجماع سياسي داخلي على مقاربة الملف.
يناقش عشرة باحثين/ باحثات، في الإقتصاد والتنمية والتمويل والسياسات، خطة الحكومة اللبنانية للتعافي المالي. هؤلاء هم على التوالي: ناصر ياسين، جمال صغير، محمد فاعور، ليا بو خاطر، فيفيان عقيقي، ألبير كوستانيان، خليل جبارة، علي أحمد، أديب نعمة، وزياد عبد الصمد.
لا يحقّ لأحد من أهل السّلطة اللبنانية أن يلعب دور البطل. لا يحقّ لأحد أن يستعير مقولة: "حاولنا وما خلونا". ممنوعٌ استغباء الناس أكثر. ما يجب فقط وفقط.. هو اعتراف الجميع، إما بسوء تقديرهم - وهذا ينطبق على ذوي النية الحسنة منهم ـ وإما بخبثهم ومكرهم. لا يحتاج اللبناني الموجوع إلى ظواهر صوتية تشبه الزجليات والعنتريّات، ولا إلى من يبيعهم مزيداً من الوهم. ويا تعُساً للمهللين للوهم. هم الضحايا، وهم الجلادون.. والنتيجة: لبنان المفلس ضحية الامبريالية بلا مقاومة. بل العكس. برضا الجميع!
يقدم كل من الدكتور صالح منير النصولي والدكتور عبدالله بو حبيب مقالة تستحق أن تكون ورقة عمل توضع على جدول أعمال أهل الحكم والحكومة، بما تتضمنه من أفكار وإقتراحات محددة حول الإجراءات الواجب أن تتخذها الحكومة اللبنانية فوراً، بدل إنتظار مساعدة الخارج لها. ولعل قيمة هذه الأفكار والإقتراحات تنبع بالدرجة الأولى من خبرة من تقدما بها؛ فالمنصب الأخير للدكتور النصولي في صندوق النقد الدولي حيث خدم مدة 40 عاماً تقريبا، كان مدير المكاتب الأوروبية. وتنقل في مناصب عديدة رفيعة المستوى وتفاوض على العديد من برامج التكيف الاقتصادي الكلي وإعادة الهيكلة المالية مع دول شرق اوسطية وافريقية. وهو مؤلف كتب ودراسات ومقالات أكاديمية تتمحور بالدرجة الأولى حول السياسات الاقتصادية والمالية. أما الدكتور بو حبيب، فهو صاحب خبرة عشرين سنة في البنك الدولي، وسبع سنوات في العمل الديبلوماسي، في سفارة لبنان في واشنطن، في مرحلة تاريخية دقيقة (ثمانينيات القرن الماضي)، كما أنه أدار مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية على مدى عشر سنوات (2007ـ 2016)، وصولا إلى قربه من صنّاع القرار في لبنان في السنوات الأخيرة. وهو مؤلف ويكتب باستمرار مقالات في الصحف والمواقع اللبنانية (180).