شرقٌ جديدٌ.. إيران، تركيا وإسرائيل وَرَثة أميركا
TEHRAN, IRAN - OCTOBER 4: President of Turkey Recep Tayyip Erdogan (L) and Iranian President Hassan Rouhani (R) hold a joint press conference after their meeting at the Saadabad Palace in Tehran, Iran on October 4, 2017. (Photo by Okan Ozer/Anadolu Agency/Getty Images)

تواترت في الأيام الأخيرة سلسلة من الأخبار، التي إذا ما رُبطت إلى بعضها البعض تعطي فكرة عامة عن تشكل شرق أوسط جديد وعن توازن جديد للقوى الإقليمية فيه.  

الخبر الأول

الخبر الأول، كان ما ورد في وثيقة “الدليل الإستراتيجي الموقت للأمن القومي الأميركي” التي نشرتها إدارة الرئيس جو بايدن، أن “الوجود العسكري الأقوى للولايات المتحدة سيكون في منطقة المحيط الهادئ وأوروبا (الصين وروسيا)، بينما سيكون في الشرق الأوسط بما يكفي لتلبية إحتياجات معينة”.
وأكدت الوثيقة المؤكد عندما قالت إن الولايات المتحدة في الشرق الأوسط “ستكون معنية بأمن إسرائيل، وسوف تردع مع دول المنطقة تهديدات إيران لسيادة وسلامة أراضي الدول الأخرى، وستعزز جهودها لمواجهة القاعدة وداعش”.
وأضافت: “لكننا لا نعتقد أن حل مشاكل المنطقة هو باستخدام القوة العسكرية، ولن نعطي شيكاً على بياض لشركائنا الذين يتبعون سياسات تتعارض مع المصالح والقيم الأميركية في الشرق الأوسط، ولهذا السبب سحبنا دعم الولايات المتحدة للهجمات باليمن”.
في الخلاصة، يرد في الوثيقة، إسما إسرائيل وإيران، من حيثيتين متعاكستين، التزام أميركي مستمر بأمن الأولى، والتزام بـ”ردع” الثانية.
ومن منطلق “الردع”، تأتي محاولات بايدن لإحياء الاتفاق النووي وتوسيعه، وكذلك الجهود المبذولة لوقف حرب اليمن. ولم يبدر عن الإدارة الأميركية أي إشارة إلى أدنى اهتمام بأي ملف من ملفات المنطقة الأخرى، وفي مقدمها النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي. ورؤساء كثيرون في المنطقة لا يزالون ينتظرون إتصالات هاتفية من بايدن، ربما لن تأتي في زحمة القضايا والتحديات التي يواجهها الرئيس الجديد، من كورونا وتداعياتها على أكبر اقتصاد في العالم، إلى مواجهة النفوذ المتصاعد إقتصادياً وعسكرياً للصين، والتصدي لـ”العدوانية” الروسية.
الخبر الثاني   
الخبر الثاني، يأتي استطراداً لصرف عناية الولايات المتحدة عن المنطقة، ويجسد الإنقلاب الجاري في مفاهيم الصراع في المنطقة، إذ قال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، إنه ينوي إقامة “ترتيب أمني خاص” مع دول الخليج العربية التي لها علاقات مع إسرائيل وتشاركها المخاوف في شأن إيران.

مع الإنهيار العربي، تستشعر تركيا أن لحظتها قد حانت مجدداً. ولا يخفي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان  ـ بعد إحتلاله شمال سوريا ـ حنينه إلى الموصل، كي يستكمل دائرة الخروج من معاهدتي سيفر ولوزان قبل نحو مئة عام

هنا تنجلي أكثر بعض معالم المستقبل في المنطقة. في مقابل الإنسحاب الأميركي، تتقدم إسرائيل لتملأ الفراغ. لكن هل يتطور الأمر في ما بعد إلى علاقة تحالفية، أو هل أن إسرائيل قادرة على القيام بأعباء الحماية التي توفرها أميركا الآن؟ سؤالان لا تبدو الإجابة عنهما جد يسيرة.
لكن والي نصر، الكاتب في مجلة “فورين بوليسي” الأميركية والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية، يضع الإنفتاح الخليجي على إسرائيل في خانة التشكُل الجديد للشرق الأوسط ويعتبره نتيجة الخوف الخليجي من قوتين إقليميتين أخريين: إيران وتركيا. ويمضي في مقال له منشور بتاريخ 4 آذار/ مارس الجاري، ليقول إن “اللحظة العربية” التي تجلّت عقب حرب السويس عام 1956، قد إنتهت منذ عقدين أو أكثر، وأن ثلاث قوى إقليمية تتصارع الآن على الشرق الأوسط ليس بينها أياً من الدول العربية “التي تغرق في الشلل والفوضى”. ويستخلص أن الصراع المقبل في المنطقة لن يكون بين العرب وإيران وإنما بين القوى الإقليمية الثلاث، إيران وتركيا وإسرائيل.
ومع الإنهيار العربي، تستشعر تركيا أن لحظتها قد حانت مجدداً. ولا يخفي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ـ بعد إحتلاله شمال سوريا ـ حنينه إلى الموصل، كي يستكمل دائرة الخروج من معاهدتي سيفر ولوزان قبل نحو مئة عام، فإذا بحدود “سايكس – بيكو” تتهاوى أمامه، ولم يعد يجد منافساً أمامه سوى إيران وإسرائيل.
وإذا كان الصراع التركي – الإسرائيلي، قد تبدّت معالمه من إعتراض البحرية الإسرائيلية سفينة “مافي مرمرة” التركية عام 2010، إلى التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط في الوقت الحاضر، فإن نزاع مصالح صامتاً يدور بين تركيا وإيران، على رغم علاقات الود المعلنة.
الخبر الثالث  
في هذا السياق، أتى خبر تبادل إيران وتركيا إستدعاء كل منهما سفير الدولة الأخرى، بعدما ندّدت طهران بغارة تركية على شمال العراق أواخر شباط، فبراير الماضي. هذه الخطوة لا يمكن قراءتها إلا في معرض تزايد الحساسية الإيرانية حيال تكرار التوغلات التركية في شمال العراق، والخوف من أن تعمد تركيا إلى نشر دائم لقواتها في أجزاء منه على غرار شمال سوريا.

السؤال الذي يجب أن يطرح أين مصر، التي يفترض أن تكون بحجم إيران وتركيا، وزناً ودوراً في المنطقة، وأن تسارع إلى إحتضان العراق وسوريا، وأن تشكل معهما “اللحظة العربية” التي نعاها والي نصر؟

وفي معركة النفوذ، من يكسب العراق، تكون له الغلبة في المنطقة. القوة الإقليمية التي حصّلتها إيران، أتت في اللحظة التي قررت فيها الولايات المتحدة عام 2003، تدمير العراق مرة واحدة وإلى الأبد. وعندما سقط العراق، إستغرق الوقت ثمانية أعوام قبل أن تسقط سوريا العمق الإستراتيجي للعراق.
ولا يقل تضارب المصالح بين إيران وتركيا في سوريا على رغم “آلية أستانا”، عن ذلك التضارب الممتد إلى آسيا الوسطى والقوقاز، وكلا الدولتان تسترشدان بخرائط إمبراطوريتهما السابقتين، والجميع يتذكر ما أحدثته قصيدة ألقاها اردوغان في باكو أواخر العام الماضي لشاعر أذري يتحدث عن أذربيجان “الموحدة”.
ومع ذلك، يبقى لدى تركيا وإيران قواسم مشتركة، طالما بقي الفتور الأميركي قائماً حيال أنقرة لأسباب شتى بينها الإندفاع التركي نحو روسيا، وطالما بقيت العقوبات الأميركية على طهران.
الشرق الأوسط الجديد يتشكل على أنقاض مبادىء ومفاهيم، سرت لأكثر من 70 عاماً، إحتلت فيها فلسطين العصب في العالم العربي. في مسرى التحولات الجديدة، إنقلاب في الأفكار، وحيثيات جديدة للصراعات من دينية وقومية. وهذه ليست سوى البداية لعصر سيؤرخ له بزوال العرب كشعوب سياسية تملك زمام أمورها.
والسؤال الذي يجب أن يطرح أين مصر، التي يفترض أن تكون بحجم إيران وتركيا، وزناً ودوراً في المنطقة، وأن تسارع إلى إحتضان العراق وسوريا، وأن تشكل معهما “اللحظة العربية” التي نعاها والي نصر؟

إقرأ على موقع 180  إذا فهمنا "حماس" نجد الحل

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  ماذا تريد أميركا من التحالف العسكري الروسي ـ الجزائري؟