مناوشات دولية يضبطها “العمالقة”.. تحالف “أوكوس” نموذجاً

حذر الامين العام للامم المتحدة، انطونيو غوتيريس من اندلاع حرب باردة جديدة بين الصين واميركا، داعياً البلدين الى إصلاح علاقتهما المتأزمة.

برغم أن غوتيريس استعمل كلمات تقنية أراد من خلالها أن يخيف العالم المستمع إليه وأن يبرز نظرته إلى مستقبل البشرية (مناخ وذكاء اصطناعي وتقنيات حديثة إلخ..) إلا أنه لم «ينتبه» إلى أننا في خضم حروب باردة منذ إنتهاء العولمة.

وفي حال حصول حرب باردة مثل تلك التي يحذر منها الأمين العام، فهي ستكون حرباً اقتصادية.. وإذا نظرنا إلى الوراء فإن الحرب الباردة السابقة كانت مفيدة للدول الصغرى بسبب تنافس العمالقة الكبار.. من موجات الاستقلال التي لفحت العالم إلى انهيار الاستعمار في قارات «الجنوب» في القرن المنصرم.

ثمة سبب بديهي للتشكيك بحصول حرب «ساخنة» هو أن العمالقة مجهزون بالأسلحة النووية والجميع يعلم أنه بوجود السلاح النووي لا تخاض حروب مباشرة. ما يمكن أن يحصل يندرج في خانة المناوشات المضبوطة الإيقاع من صنع أطراف يدورون في فلك الكبار.

ولكن هذا لا يمنع أن أميركا ودول الأنغلوساكسون (كندا وأستراليا ونيوزيلندا وبريطانيا) يشكلون كتلة واحدة يدفعها التاريخ لتجذير تحالفها العميق من خلال تحالف “أوكوس” (أثبت ذلك قبل سنوات نظام إيشلون للتجسس وكذلك ما شهدناه في السنة الماضية من تكالب هذه الكتلة على استحواذ لقاحات التصدي لكورونا برغم الاتفاقات التي وقعتها أوروبا مع الشركات التي تنتج اللقاحات)(راجع https://180post.com/archives/17746).

الصين هي العملاق الثاني أما الثالث فهو روسيا والرابع هو الاتحاد الأوروبي.

السؤال ما هو موقف الهند واليابان؟

اللقاء الذي سيحصل في ٢٤ أيلول/سبتمبر في نيويورك بين تحالف دول “كواد” الذي يضم استراليا واليابان وأميركا والهند، هو عبارة عن محاولة من واشنطن لشد الحزام الذي تريد إحاطة الصين به.

في الواقع تتخوف الهند من تصاعد قوة الصين التي تزيد سفنها العسكرية من التدريبات المشتركة مع البحرية الباكستانية في المحيط الهندي كما تخشى أن تبيع بكين التكنولوجيا الصينية المتطورة لمحطات الطاقة النووية الباكستانية، ناهيك عن خشية نيودلهي من تسجيل إسلام أباد عدة نقاط جيواستراتيجية بعد انسحاب أميركا الأخير من جارتهما أفغانستان.

أما اليابان فهي تريد لعب دور في درء أخطار الصين ولكنها في الوقت نفسه تريد الإبقاء على العلاقات الاقتصادية العميقة مع الصين، مع الإشارة إلى أن موقع اليابان في البحار المحيطة بالصين يجعلها أحد أهم اللاعبين في تلك المنطقة.

لننظر إلى الخارطة: لا تستطيع الصين الخروج إلى أعالي البحار من دون المرور بالمياه الإقليمية اليابانية فهي لديها الآن ما يسمى “المرور البريء” (passage innocent)، لكن يمكن لليابان أن تلغيه وتتحول إلى دولة مواجهة. فهل تسعى طوكيو لذلك؟

هذا الواقع الجغرافي في محيط الصين له انعكاساته على مجمل حركة الولايات المتحدة في المنطقة، وهو ما يفسر رغبة الصين بـ«استرداد» تايوان، ذلك ان وضع اليد على الجزيرة المنفصلة يفتح لها مجالاً للوصول إلى أعالي البحار من دون المرور في المياه الإقليمية اليابانية، ويمكنها من إقفال مضيق تايوان البحري.

أضف إلى أن تايوان هي قطب تكنولوجي مهم جدا بسب كونها أول وأكبر مصنع للشرائح الإلكترونية. كما أن كبار مستوردي هذه الشرائح الضرورية في الحروب التقنية وكافة الصناعات الإلكترونية هما أميركا والصين.

من هنا نفهم أن الأساطيل الغربية التي تتجول في المنطقة (وبعد حوالي ١٥ سنة الغواصات الاسترالية!) هي لحماية تايوان.

واللافت للانتباه أن الصين قامت قبل حوالي الأسبوعين بمناورات بحرية عنوانها «عودة تايوان إلى الوطن الأم»، ما دفع الولايات المتحدة وبريطانيا لإرسال ثلاث حاملات طائرات إلى محيط تايوان.

في عودة إلى الحدث: خطوة حلف «أوكوس» AUKUS ناقصة لأنها لم تشمل فرنسا. فرنسا لها حضورها القوي في جنوب المحيط الهادىء ومساحة مياهها الإقليمية في المنطقة أكبر من مساحة مياه استراليا الإقليمية ولديها قواعد بحرية لحماية أرخبيل بولينيزيا وأرخبيل كاليدونيا وعدد الفرنسيين المنتشرين في هذه الجزر يتجاوز المليوني نسمة.

وقد وقف الاتحاد الأوروبي إلى جانب فرنسا في أزمة الغواصات. وصرح وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل للصحافيين بأن وزراء خارجية 27 دولة أوروبية «أعربوا بوضوح عن تضامنهم مع فرنسا»، وقدموا لها «دعماً واضحاً».

التعاون هي الكلمة الناقصة في تحالف “أوكوس” إذ أن فرنسا والاتحاد الأوروبي وخصوصاً ألمانيا يدعون إلى تعاون مع الصين من دون أن يغيب عن نظر الاتحاد الأوروبي تصاعد قوة الصين العسكرية، ومن هنا جاءت الدعوة الجديدة للتقارب مع الهند واليابان مما قد يؤدي إلى تشكيل تحالف «تعاوني» يمكن أن يقف بين بكين وواشنطن ويلعب دوراً أكبر من دور الأحلاف العسكرية.

ملحوظة أخيرة: تمتلك فرنسا سواحل بطول 18.450 كلم والجرف القاري يشكل مساحة تزيد عن 10.2 مليون كلم2، بما في ذلك 4.804.000 كلم2 قبالة بولينيزيا، و1.727.000 كلم2 قبالة الأراضي الجنوبية والقطبية الجنوبية و1.364.000 كلم2 حول كاليدونيا الجديدة ما يشكل ثاني أكبر مجال بحري في العالم، بعد الولايات المتحدة وأكثر بكثير من أستراليا وروسيا وبريطانيا.

إقرأ على موقع 180  العالم يتحول.. ونظامنا الإقليمى إنتهت صلاحيته!

Print Friendly, PDF & Email
بسام خالد الطيّارة

كاتب لبناني وأستاذ جامعي مقيم في باريس

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  ما بين السياسي والرياضي.. مونديال 2022 نموذجاً