تقييم الجيش الإسرائيلي للعام 2022: لا تصعيد شمالاً وقلق من غزة

اعتبر التقييم السنوي للجيش "الاسرائيلي" للعام 2021 أن حالة "الأمن القومي الإسرائيلي" قد تحسنت "بشكل معتدل" قياساً بالعام 2020، وأعاد السبب الى تراجع قابلية اشتعال الجبهات عما كانت عليه من ارتفاع في السنوات الاخيرة، ولا سيما في الجبهة الشمالية.

نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم (الثلاثاء) التقرير السنوي للجيش الإسرائيلي، في سياق تقرير أعده المحلل العسكري في الصحيفة رون بن يشاي، ونسب التقرير هذا التحسن “بصورة معتدلة” إلى الأسباب الآتية:

السبب الأول؛ بروز تراجُع واضح في تطور التهديدات في الساحة الشمالية: كبح التمركز العسكري الإيراني في سوريا، وفي الأساس بالقرب من الحدود مع إسرائيل؛ تباطؤ تعاظُم القوة العسكرية لحزب الله والميليشيات الموالية لإيران وتزوُّدها بسلاح استراتيجي نوعي دقيق (صواريخ ومسيّرات من كل الأنواع)؛ عرقلة التزود ببطاريات دفاع جوي من إنتاج إيران تهدد حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي في المنطقة، وهذه نتيجة مباشرة لـ”المعركة بين الحروب” التي يخوضها الجيش في الساحة الشمالية.

السبب الثاني؛ تراجُع الحساسية في الساحة الشمالية بسبب توافق القوات الموجودة في سوريا مع إخماد الحرب الأهلية هناك. نظام الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين المؤيد له يهمهما ترسيخ الاستقرار السياسي وسيطرة النظام على أغلبية الأراضي السورية كي يصبح من الممكن البدء بإعادة إعمار سوريا. وتتوقع روسيا والنظام السوري أن يربحا من إعادة إعمار سوريا إذا جرى العثور على طرف يموّله، لكن حتى الآن لا يوجد مثل هذا الطرف. حتى السعودية ودول النفط الأُخرى في الخليج التي حسّنت علاقتها بالأسد مؤخراً (زيارة وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد إلى سوريا وإنفتاح العاصمة الأردنية على دمشق) لن تسارع إلى المشاركة في إعادة الإعمار ما دامت الولايات المتحدة لم تعترف بشرعية النظام السوري، وما دامت إيران تتمركز عسكرياً واقتصادياً في سوريا، فالتمركز الإيراني يثير استياء الأسد لأن العمليات الإيرانية تقوّض حكمه وسيادة أرضه. لذا يتفهم هو والروس، حالياً أكثر من الماضي، الهجمات المتتالية التي تُنسب إلى إسرائيل، والتي تلجم الإيرانيين. هذه الهجمات بالطبع تردع المستثمرين، لكن بوتين، الذي يتنافس معه الإيرانيون اقتصادياً ويزعزعون استقرار سوريا، يُبدي تفهماً. في الأعوام الأخيرة نشأ في سوريا وضع جديد تداخلت فيه مصالح بوتين وبشار الأسد وإسرائيل. نتيجة ذلك تضاءل احتمال نشوء تصعيد مفاجىء في هذه الجبهة. وفي هذا المجال أيضاً يمكن أن نسجل نجاحاً للمعركة بين الحروب. لكن هذا ليس كل شيء. يوجد في المؤسسة الإسرائيلية مَن يعتقد أنه من أجل التخلص من الإيرانيين على حدودنا، أو على الأقل تقليص وجودهم، يجب انتهاج خطوات غير مباشرة تساعد الأسد على نشر سيطرته على سوريا كلها. هناك مسعى سياسي لتجنيد واشنطن لمساعدة الأسد على إعادة إعمار بلده، وكي تصبح الولايات المتحدة مركز ثقل موازياً للنفوذ الروسي في الجبهة الشمالية.

تراجع حساسية الجبهة الشمالية!

ومن أسباب تراجُع حساسية الجبهة الشمالية، حسب التقرير نفسه، “هو حزب الله الغارق في تعقيدات سياسية (لبنانية) ويُعتبر مسؤولاً، جزئياً على الأقل، عن الأزمة التي يغرق فيها لبنان من دون أمل بالحل. التقدير في الجيش الإسرائيلي أنه في المرحلة الراهنة تراجع استعداد (السيد حسن) نصرالله لخوض مواجهة مدمرة مع إسرائيل ستزيد في معاناة الشعب اللبناني. والخلاصة أن “المعركة بين الحروب” على الجبهة الشمالية أعطت نتائج لا بأس بها، ومن المفيد توسيعها”.

في الجيش الإسرائيلي يقدّرون أن أي عملية في “الدائرة الثالثة” (إيران والعراق) “ستجر وراءها مواجهة في الساحة الشمالية القريبة، وربما في غزة وداخل إسرائيل. وليس أكيداً أن توجيه ضربة إلى إيران ينهي المهمة. لذا، في ما يتعلق بإحباط قفزة إيرانية نحو سلاح نووي، يستعد الجيش لمعركة طويلة في المدى البعيد والقريب تشمل عمليات برية وأُخرى في العمق

السبب الثالث؛ المصادقة على ميزانية الدولة (بلغت للعام المالي المقبل 452 مليار شيكل – الدولار: 3.11 شيكل) والتي تسمح للجيش بتسريع خطة رئيس الأركان (أفيف كوخافي) لإحداث ثورة نظرية وبنيوية في الجيش كما تعبّر عنها خطة “تنوفا” المتعددة السنوات، وتسمح أيضاً بتحسين خطة الجيش الإسرائيلي الحالية بالتخطيط والتدريب على مخططات عسكرية أخرى، مستقبلية، من أجل إحباط السلاح النووي في إيران في حال قررت الأخيرة امتلاكه.

في الجيش الإسرائيلي يقدّرون أن أي عملية في “الدائرة الثالثة” (إيران والعراق) “ستجر وراءها مواجهة في الساحة الشمالية القريبة، وربما في غزة وداخل إسرائيل. وليس أكيداً أن توجيه ضربة إلى إيران ينهي المهمة. لذا، في ما يتعلق بإحباط قفزة إيرانية نحو سلاح نووي، يستعد الجيش لمعركة طويلة في المدى البعيد والقريب تشمل عمليات برية وأُخرى في العمق. وفي كل الأحوال، هذه الحرب لن تكون قصيرة”.

السبب الرابع؛ التعاون الاستخباراتي والأمني الوثيق والمتعاظم مع دول المنطقة. لا يمكننا التوسع في الموضوع، لكن المناورة الجوية “علم أزرق” التي جرت بقيادة سلاح الجو في إسرائيل، وزيارة قائد سلاح الجو الإسرائيلي عميكام نوركين هذا الأسبوع إلى الإمارات، هي علامات أساسية يمكن الإشارة إليها في هذا السياق، وهذا عامل يأخذه الجيش “الإسرائيلي” في الحسبان في تقديراته.

إقرأ على موقع 180  ثورة الفيروس.. الثورة الخامسة!

ماذا عن جبهة غزة؟

في سياق الحديث عن تقييمات الجيش الإسرائيلي لعدوانه على قطاع غزة، في أيار/مايو الماضي، فقد خلص التقرير الى وجود “استقرار مشروط مقابل منافع اقتصادية”.. لكن تبقى هذه الجبهة “حساسة جداً كما في الأعوام الماضية. الهدوء الذي يسود الآن هو أطول من الهدوء في الجولات الماضية بسبب المال القطري، والتدخل المصري، والإرادة الحسنة لإسرائيل لتقديم تسهيلات اقتصادية بوتيرة سريعة، بما فيها العمل في إسرائيل. لكن الحساسية لم تتراجع لأن “حماس” و”الجهاد الإسلامي” هما تنظيما مقاومة إسلامية متطرفة، ولأن إسرائيل لا تزال ترفض جزءاً من مطالبهم الاقتصادية، ولأن مفاوضات صفقة تبادل الأسرى والمفقودين في مقابل إطلاق المعتقلين لا تزال معلّقة.

يتوقع التقرير أن “تزداد حساسية الجبهة الغزاوية بسبب طلب الجيش من المستوى السياسي عدم السماح لـ”حماس” و”الجهاد الإسلامي” بزيادة قوتهما العسكرية. معنى ذلك أن أي معلومات موثوق بها تدل على مكان أو أشخاص يعملون على زيادة القوة العسكرية، مثل إنتاج صواريخ وقذائف وحفر أنفاق أو إنتاج مسيّرات، ستجري ترجمتها إلى عمل عسكري لإحباطها.. نموذج من ذلك إسقاط المسيّرة التي أُطلقت من غزة، وقامت بتحليق تجريبي فوق البحر بالقرب من سواحل غزة قبل أسبوع، بصاروخ من القبة الحديدية. وهذا تغيير واضح في سياسة العمل في الساحة الغزاوية يمكن أن يشعل المواجهات، لكنه مبرَّر من الناحية الأمنية وبالنسبة إلى ظروف المواجهة الكبرى المقبلة”.

وذكر المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل ان “إسرائيل” رفعت عدد التصاريح للتجار من غزة إلى عشرة آلاف، في حين يطالب الجانب الفلسطيني  بزيادة العدد الى ثلاثين ألف تصريح.

الجبهة البحرية.. ردع متبادل

نقطة اخرى اثارها التقييم الذي استعرضه رئيس الاركان افيف كوخافي امام لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست ومن المتوقع عرضه امام المجلس الوزاري المصغر الاسبوع المقبل، وتتعلق بالهدوء والإستقرار اللذين تشهدهما الجبهة البحرية، “ربما لأن إيران والجيش الإسرائيلي وصلتا إلى وضع من الردع المتبادل، الأمر الذي يسمح للإيرانيين بالتركيز على عمليات بحرية استفزازية ضد الأسطول الأميركي الخامس في خليج فارس وفي خليج عُمان.

وحسب تقرير رون بن يشاي (المحلل العسكري في “يديعوت أحرونوت”) بشأن تقديرات المؤسسة العسكرية للعام 2022، “هناك عامل غامض يتعلق بالمشروع النووي العسكري الإيراني. صحيح أن إيران خففت في الأشهر الأخيرة من وتيرة تخصيب المواد الانشطارية، لكنها راكمت كميات صغيرة من اليورانيوم المطلوب على درجة 60%، ولم تخصّب كل اليورانيوم على درجة 90% من أجل الوصول إلى درجة السلاح. بالمقابل، من الواضح أن النظام الحالي في إيران، برئاسة المرشد الروحي علي خامنئي والرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي، ليس موضع ثقة الغرب. يتساءلون في القدس وفي واشنطن ما إذا كان الإيرانيون سيعودون فعلاً إلى الاتفاق النووي، أم سيعلنون عودتهم إلى طاولة المفاوضات في 29 تشرين الثاني/نوفمبر، لكنهم سيماطلون للضغط على (جو) بايدن كي يستجيب لمطالبهم”.

في الجيش، كما في المستوى السياسي، “يدركون أنه لا يمكن اليوم التأثير في سلوك الأميركيين في المسار الدبلوماسي مع إيران. الأميركيون مصرّون على إعادة إيران إلى الاتفاق النووي بواسطة الدبلوماسية، وهم يريدون إجراء هذه المحادثات بكل الطرق. في كل الأحوال، إلى أن تتضح نيات الإيرانيين والأميركيين، على إسرائيل بلورة استراتيجية متماسكة خاصة حيال الموضوع النووي الإيراني، وسيكون من الصعب علينا تلبية مطالب الأميركيين وتنسيق المواقف ومساعدتهم لنا في مواجهة هذا التهديد” (المصادر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، الهدهد، عرب 48).

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  "هآرتس": عملية رفح تهدف لإنشاء وضع جديد بين مصر والقطاع