“بعد الإخفاق الاستخباراتي المثير للإحباط ونتائجه الوخيمة، آن الأوان للرد الإسرائيلي على هجوم الخضيرة، وهو الثاني في نوعه في غضون أسبوع. يبدو أن الشاباك سيواصل القيام باعتقالات في الأوساط المقربة من “المخربين” من الخضيرة، وأيضاً من “المخرب” الذي نفّذ هجوم بئر السبع. في الوقت عينه، من المعقول اتخاذ خطوات تستند إلى شبهات عامة تتعلق بنشاطات إسلامية متطرفة: فرض قيود، القيام باعتقالات إدارية، وخطوات استثنائية ضد مواطنين إسرائيليين (تُستخدم أحياناً ضد مشتبه بهم بإرهاب يهودي في المناطق). هذا جزء من الخطوات التي قُرِّرت في استشارات أمنية أجراها رئيس الحكومة نفتالي بينت.
خلال الليل، بعد هجوم الخضيرة، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن هجوميْ الخضيرة وبئر السبع. تعريف “المخربين” الثلاثة – اثنان في الخضيرة وواحد في بئر السبع – بأنهم نشطاء في تنظيم داعش، هو أمر فضفاض إلى حد ما. الثلاثة هم من أتباع داعش، اثنان منهم أمضيا عقوبة بالسجن في إسرائيل بسبب علاقتهما بأشخاص من التنظيم في الخارج، أو بسبب محاولاتهما الفاشلة الذهاب للقتال في صفوف التنظيم في سوريا. كل هذا لا يعني أنهم تلقوا هذه المرة توجيهات من عنصر خارجي.
يتعين على تحقيق الشاباك والشرطة توضيح ما إذا كان هناك معرفة سابقة بين “مخربي” الهجومين، وما إذا كانوا على تواصُل مع نشطاء من التنظيم في الخارج. لكن عندما يكون المقصود تنظيم داعش، من المحتمل وجود إيحاء عام بالعمليات، وليس أوامر أو مساعدة من الخارج؛ وحتى الآن، احتلت إسرائيل مرتبة متدنية في سلّم أولويات داعش والقاعدة. إلى جانب ملاحقة شركاء محتملين، سواء على علم بالهجمات الأخيرة، أو ساعدوا فيها، المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تسعى لتوضيح ما إذا كان هناك تغيير في سياسة داعش، وما إذا كان النشطاء في الخارج عثروا على ساحة محتملة للتحريض والعمليات الإرهابية التي تثير اهتماماً دولياً كبيراً، نسبياً. لكن التخوف الأساسي الآن، هو من عمليات التقليد: قيام مؤيدين آخرين لداعش، أو لتنظيمات إسلامية أُخرى، بمواصلة سلسلة الهجمات. ونظراً إلى حساسية الجمهور الإسرائيلي الكبيرة، ولأن مشهد الهجمات يذكّر بأيام الانتفاضات، فإن كل حادثة إضافية يمكن أن تؤدي إلى موجة إرهاب طويلة، نسبياً، وتعكس واقعاً سياسياً غير مستقر.
المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تسعى لتوضيح ما إذا كان هناك تغيير في سياسة داعش، وما إذا كان النشطاء في الخارج عثروا على ساحة محتملة للتحريض والعمليات الإرهابية التي تثير اهتماماً دولياً كبيراً، نسبياً
في الخلفية، هناك العلاقات المعقدة بين الدولة وبين الجمهور العربي في إسرائيل. يتمحور التأييد لتنظيم داعش في هوامش ضيقة من الجمهور العربي هنا، بينما الأغلبية الكبرى من هذا الجمهور تدين عمليات التنظيم بالكامل، وترى فيها خطراً حقيقياً على أمنها. وراء الهجمات المتماهية مع داعش، يقف متطرفون فرّوا من الجناح الشمالي للحركة الإسلامية في إسرائيل، وأحياناً مجرمون. عدد من الهجمات التي وقعت في العقد الأخير نُسب إلى عرب من إسرائيل من مؤيدي داعش، أو إلى الذين يتماهون مع تنظيمات سلفية. يساهم في ذلك ضائقة جيل ضائع، وعشرات الآلاف من الشباب العرب الذين لا يعملون، أو لا يتعلمون، ويشكلون مرتعاً واسعاً للتجنيد من التنظيمات الإرهابية والجريمة المنظمة.
على هذه الخلفية، هناك أهمية كبيرة للإدانة الشديدة والواضحة للهجومين الأخيرين، والصادرة عن رئيس القائمة العربية الموحدة (راعام) عضو الكنيست منصور عباس والسياسيين العرب الرفيعي المستوى. لكن عباس، مثل بينت، يدرك أن الأرض تهتز. الثقة المتبادلة بين اليهود والعرب ضمن حدود الخط الأخضر تآكلت بشدة في المواجهات العنيفة في المدن المختلطة، وفي النقب، خلال عملية حارس الأسوار في أيار/مايو الماضي. وثمة شك في أنها رُمِّمت منذ ذلك الحين. وبينما تصبّ المعارضة الزيت على النار، وقيادة الائتلاف تواجه تحدياً من اليمين، فإن مجال المناورة لدى الحكومة ليس كبيراً.
التوترات في العلاقات مع الجمهور العربي لا تنحصر فقط في أفعال “مخربين” أفراد. صحيح أن التحرك الحكومي ضد عصابات الجريمة العربية حقق نجاحاً أولياً معيناً، لكن الشعور باهتزاز الأمن الشخصي هو أمر مشترك بين اليهود في المدن المختلطة، والذين يمرون على الطرقات الأساسية في النقب، وأيضاً بالنسبة إلى المواطنين العرب الإسرائيليين الذين يعيشون في بلدات، أصبح إطلاق النار فيها أمراً يومياً، من دون أن يكون لداعش علاقة بذلك.
على الأقل، في إمكان بينت أن يرحب بتردُّد الفلسطينيين في الضفة والقطاع، حتى الآن، في المشاركة في أعمال الشغب. لقد سبقت الهجومين سلسلة هجمات طعن في القدس الشرقية، لكن المنفّذين كانوا من سكان القدس، ومن حَمَلة الهوية الإسرائيلية. السلطة الفلسطينية، وأيضاً “حماس”، نقلتا رسائل إلى إسرائيل بأن لا علاقة لهما بالتصعيد الحالي. هذا لا يمنع وسائل الإعلام والمواقع الاجتماعية المتعاطفة مع “حماس” من الإشادة بالهجمات وتقديم منفّذيها كأبطال قوميين.
لكن الصورة يمكن أن تزداد تعقيداً. ففي القطاع، حيث تُعِدّ “حماس” منذ أسبوع الأرضية لتظاهرات ضد إسرائيل، من المفترض أن يجري التجمع المركزي على شاطىء غزة، لكن هناك استعدادات للقيام بتظاهرات أصغر على طول الجدار الحدودي مع إسرائيل، والتي كما ثبت في الماضي، يمكن أن تخرج عن السيطرة بسرعة. وإلى جانب زيادة عدد القوات في منطقة التماس في الضفة، سيجري إرسال قوات من الجيش الإسرائيلي أيضاً إلى الحدود مع القطاع، لكن التعليمات للقادة وللقناصة واضحة: الامتناع بقدر الممكن من التصعيد، الذي يمكن أن يجرّ الطرفين إلى اشتباكات واسعة بين بداية رمضان وعشية عيد الفصح”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).