“لحظة الحقيقة” في فيينا.. الإتفاق أو الإفتراق!

مع عودة الوفد الإيراني المفاوض برئاسة علي باقري كني من فيينا إلى طهران، عشية العاشر من محرم، سرت مناخات في العاصمة الإيرانية مفادها أن الجانبين الإيراني والأميركي "أصبحا أقرب من أي وقت مضى من العودة إلى الإتفاق النووي".

ضخ هذه المناخات الإيجابية في الساعات الأخيرة، لا ينفي أن “الشيطان يكمن دائماً في التفاصيل”، كما يقول مصدر إيراني قريب من الوفد الإيراني المفاوض، قبل أن يستذكر أنه في الوقت الذي كانت تسير فيه مفاوضات فيينا بإتجاه التوصل إلى إتفاق في الشتاء المنصرم، أتت الحرب الروسية الأوكرانية في نهاية شباط/فبراير الماضي وساهمت في خلط الأوراق وأصبح استئناف المفاوضات منوطاً بالإرادة الروسية وقتذاك!

يقول الإيرانيون إن المسودة الأخيرة التي تسلموها من الإتحاد الأوروبي في الساعات الأخيرة، تتضمن “عناصر إيجابية لم تكن موجودة سابقاً ولا سيما في إتفاق العام 2015″، وأبرزها الآتي:

أولاً؛ الحفاظ على الإنجازات والمعرفة والبنى التحتية النووية الإيرانية وحق إيران بالعودة الى نشاطها النووي بسرعة، في حال تخلّف باقي الاطراف عن تنفيذ الاتفاق.

ثانياً؛ ضمانات مقبولة لجهة إستدامة الاتفاق ورفع العقوبات وطمأنة المستثمرين مستقبلاً.

وتبقى نقطة أخيرة ما زالت موضع أخذ ورد وتتصل بإصرار إيران على إغلاق تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن العثور على آثار اليورانيوم المخصب “في مواقع سرية”، لم تعلن عن وجودها في المفاوضات التي سبقت الاتفاق النووي عام 2015.

ومن المقرر أن يجري الوفد الإيراني في طهران مراجعة شاملة للمسودة الأوروبية قبل أن يعود إلى فيينا إما نهاية الأسبوع الحالي أو مطلع الأسبوع المقبل، وهذا يعني أن المفاوضات بين طهران وواشنطن تمر حالياً في مرحلة دقيقة وحاسمة وربما يصح القول إنها الفرصة الأخيرة للطرفين قبل أن يقررا إما الإتفاق أو الإفتراق.. فإذا تم توجيه الدعوة إلى وزراء خارجية ايران وأميركا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والمانيا للتوجه إلى فيينا، فهذا يعني صدور الدخان الأبيض تمهيداً لإعلان الإتفاق الجديد.. أما إذا قرر الوفد المفاوض العودة مُجدداً إلى طهران، فإن ذلك يؤسس إلى مرحلة جديدة من المواجهة بين إيران ودول الغرب ولا سيما الولايات المتحدة.

وإذا كانت إيران تأمل برفع سريع للعقوبات، فإن إنفراط مسار المفاوضات يجعل إيران على موعد طويل مع العقوبات الغربية من الآن وحتى العام 2024، فإذا فاز الجمهوريون تكون إيران على موعد طويل مع العقوبات حتى العام 2028.

المفاوضات بين طهران وواشنطن تمر حالياً في مرحلة دقيقة وحاسمة وربما يصح القول إنها الفرصة الأخيرة للطرفين قبل أن يقررا إما الإتفاق أو الإفتراق.. فإذا تم توجيه الدعوة إلى وزراء خارجية ايران وأميركا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والمانيا للتوجه إلى فيينا، فهذا يعني صدور الدخان الأبيض تمهيداً لإعلان الإتفاق الجديد

وإذا فشلت المفاوضات أيضاً، تكون أميركا التي سعت إلى إيقاف البرنامج النووي الإيراني أمام واقع معاكس، إذ أن إيران ستمضي في هذه الحالة، ببرنامجها النووي إلى ما هو أبعد من إتفاق 2015 وصولاً إلى التلويح ببلوغ العتبة النووية، وقد صدرت إشارات إيرانية تصب في هذا الإتجاه في الآونة الأخيرة.

وإذا كانت أميركا تسعى إلى تبني سياسة تمنع إيران من إبرام تحالف استراتيجي مع كل من روسيا والصين إلا ان خيار عدم التوصل إلى إتفاق سيجعل طهران تمضي قدماً في تعزيز تحالفاتها الإستراتيجية مع ما يسمى “المعسكر الشرقي” أو أن تصبح “أسيرة الحضن الروسي” كما يُردد بعض الإصلاحيين.

وإذا كانت الولايات المتحدة تطمع بالإنخراط الإيراني في أسواق الطاقة العالمية، وفق معايير الإتفاق النووي الجديد، فإن الإفتراق بين الجانبين سيفاقم أزمة الطاقة (الإنتاج والأسعار) ولكنه لن يمنع إيران من تصدير وبيع نفطها ولو بأسعار منخفضة إلى حلفاء ودول شرقاً وغرباً.

في مثل هكذا ظروف يرى فيها كل طرف من طرفي المفاوضات أنه بحاجة إلى الطرف الآخر “لكن على طريقته” أو المكابرة إلى حد القول إنه ليس بحاجة إلى الآخر، من الصعب التكهن بإمكانية نجاح المفاوضات في لحظتها الجديدة والحاسمة.

وليس خافياً على أحد أن حكومة إبراهيم رئيسي التي تبنت إجراء عملية جراحية للإقتصاد الإيراني (أدت عملياً إلى إرتفاع غير مسبوق في أسعار السلع) ليس من مصلحتها تضييع الفرصة النووية المتاحة في فيينا. لسان حال المدافعين عن هذه “الفرصة” من الفريقين المحافظ أو الإصلاحي على حد سواء، أن التوصل إلى إتفاق مرض للطرفين “هو ورقة قوة بيد إيران عندما تكون في ذروة قوتها في المجال النووي ومن أوائل اللاعبين في منطقة الشرق الأوسط بحيث تكون النتيجة إغلاق الملف النووي وقضية العقوبات، وهذا ما يُمكن أن يوفر لإيران الدفاع عن حلفائها والحفاظ على أمنها القومي في المرحلة المقبلة من موقع المقتدر إقتصادياً وليس فقط سياسياً أو عسكرياً”.

ويؤكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان أن حكومة رئيسي لم ولن تترك الإقتصاد الداخلي أسير المفاوضات النووية وإتفاق العام 2015، وهو يشدد على أن إيران متمسكة بالمفاوضات شرط أن تحصل على المزايا الإقتصادية التي وُعدت بها.

إقرأ على موقع 180  ماذا يريد عرب الأهواز من الحكومة الإيرانية؟

لقد بذلت السلطات في كل من قطر وسلطنة عمان جهوداً حثيثة من أجل إنجاح المفاوضات غير المباشرة بين إيران وأميركا. في البداية، حاولت قطر إقناع طهران بالدخول في مفاوضات مباشرة مع أميركا إلا أنها لم تنجح في هذه المهمة، علماً أن طيفاً واسعاً من الخبراء الإيرانيين يعتقد أن إيران كان يجب أن تدخل في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة “لأن ما يمكن أن يُحصّله الإيرانيون في التفاوض المباشر قد يكون أضعاف ما يأخذونه في المفاوضات غير المباشرة”، على حد قول أحد وزراء الخارجية العرب للوزير عبداللهيان.

Print Friendly, PDF & Email
طهران ـ علي منتظري

كاتب وصحافي ايراني مقيم في طهران

Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  لبنان إلى "الصندوق".. إقفال الحنفية وسؤال الطائف؟