هل يُلزِم لبنان شركة “توتال” باتفاق إطار حماية لحقوقه؟

اكثر ما يحيّر المتابع، هو تحديد مكامن خطر في ملف النفط والغاز في البحر اللبناني بمياهه الاقليمية وفي المنطقة الاقتصادية الخاصةمن دون ان يرف جفن أهل السلطة، ذلك على أنهم، على جاري عادتهم، في التعامل مع ملفات عديدة، ينتظرون وقوع المحظور حتى تبدأ عملية الترقيع التي تزيد الخسائر وتدخلنا في مسارات اكثر خطورة.

لقد تناولنا في مقالتين سابقتين نشرتا في موقع 180post، مخاطر وتداعيات أفخاخ اتفاقية الترسيم مع العدو الإسرائيلي التي وقّعته الجمهورية اللبنانية بشخص الرئيس العماد ميشال عون على وثيقة القبول بها بتاريخ 27 تشرين الأول/أكتوبر 2022 وتم إيداعها لدى الدوائر المختصة في الأمم المتحدة. المقالة الأولى كانت بتاريخ 16 تشرين الأول/أكتوبر 2022، أي قبل التوقيع، بعنوان “ملاحظات جوهرية على اتفاق الترسيم.. يجب تصحيحها“، أما المقالة الثانية فكانت بعد التوقيع، وتحديداً بتاريخ 29 تشرين الأول/أكتوبر 2022 بعنوان “ملاحظات برسم قيادة حزب الله.. تصويب مسار توتال“!.

سنستكمل في هذه المقالة موضوع إضاعة الفرص من قبل السلطة السياسية اللبنانية وتنازلها عن حقوق الشعب اللبناني في التنقيب عن النفط والغاز واستخراجه من حقل “قانا”. وسنُبيّن أيضاً بالتفصيل كيف يتحكم العدو الإسرائيلي بتفاصيل الأعمال في هذا الحقل، لا بل أكثر من ذلك، كيف يتحكم في كل البلوك رقم 9 اللبناني الذي يمتد إلى خارج المنطقة التي كان متنازعاً عليها، وكيف لا يمكن للبنان ولا لمشغل البلوك 9 (“توتال” و”إيني” ولاحقاً “قطر إينرجي”) أن يُبادر إلى تطوير هذا الحقل وإستخراج النفط والغاز منه في حال اكتشافه قبل أن يحصل هذا العدو على كامل حقوقه من هذا الحقل كما يراه هو مناسباً له وفي التوقيت الذي يحدده!

عندما إنسحبت شركة “نوفاتيك” الروسية من الكونسورتيوم مشغل البلوك 4 والبلوك 9، وتنازلت عن حصتها البالغة 20% لصالح الدولة اللبنانية، إفترضنا أن لبنان أصبح شريكاً مع شركة “توتال” في البلوكين 4 و9 وأصبح له عين ساهرة تراقب من داخل هذا الكونسورتيوم أعمال الحفر والتقييم والتطوير وصولاً الى الإستخراج والإنتاج والنقل، بالإضافة إلى مراقبة الكلفة عن كثب، وكل ما يتعلق بالانشطة البترولية داخل هذا الكونسورتيوم. إلا أنه وبسحر ساحر أُسقط هذا الحق الاستراتيجي عندما أُدخل من خارج السياق وبشكل لافت للإنتباه في اتفاق الترسيم بين لبنان والعدو الإسرائيلي، نصٌ يحرمُ لبنان من مشاركة شركة “توتال” في البلوك 9، وهذا النص يقع في الفقرة “ج” من القسم الثاني من الاتفاقية، حيث يحرم أي شركة لبنانية من حقوق التنقيب عن الموارد الهيدروكربونية في البلوك 9، وبالتالي استطاعت “توتال” إجبار لبنان على التخلي عن الحصة التي حصل عليها جراء انسحاب شركة “نوفاتيك” الروسية. أما الأخطر من ذلك، ووفقا لمعلومات يجري التحقق منها، أنه بدلاً من أن يقوم لبنان ببيع هذه الحصة مباشرة الى شركة يختارها هو وبالتوقيت والسعر المناسبين، تنازل عن هذه الحصة مباشرة إلى شركة “توتال” التي ستقوم بدورها ببيعها الى الشركة القطرية وبالشروط التي تراها هي مناسبة!

وبالعودة الى تصريح “كبير المفاوضين اللبنانيين” الياس بوصعب بأن لبنان حصل على كامل حصته من حقل قانا شمال وجنوب الخط 23 وفقاً للنسبة المحددة بالعقد الموقع مع “توتال” في العام 2017، وان إسرائيل سوف تحصل على تعويض من أرباح شركة “توتال” وليس من حصة لبنان، نجد أن نص الإتفاق لا يدل على ذلك ولا يوجد أي شيء من هذا القبيل، بل أن الإتفاق ينص في الفقرة “هـ” من القسم الثاني أنه لا يوجد أي ترتيب بين إسرائيل ومشغل البلوك 9 يؤثر على الاتفاق المبرم بين لبنان ومشغل البلوك 9 ولا على حصة لبنان الكاملة من حقوقه الإقتصادية في المكمن المحتمل، وجميعهم يعلم، أن حقوق لبنان الإقتصادية الكاملة في المكمن وفقا للعقد المبرم مع “توتال” في العام 2017 تقع شمال الخط 23 فقط، وبالتالي لكي يضمن لبنان كامل الحقوق جنوب الخط 23 كما يصرح “كبير المفاوضين اللبنانيين”، يجب تعديل الإتفاق الموقع بين شركة “توتال” ولبنان ليشمل هذا الجزء من المكمن الواقع جنوب هذا الخط، وهذا ما تمت الإشارة إليه وتمّ لفت نظر المسؤولين اللبنانيين إليه في المقالة الثانية التي أشرنا إليها أعلاه، حيث تمّ حثهم على البدء بالإجراءات القانونية مع شركة “توتال” لناحية تعديل الاتفاق الموقع في العام 2017 أو عقد اتفاق إطار يضمن هذه الحقوق جنوب الخط 23.

المطلوب أن تبادر الحكومة اللبنانية ممثلة بوزير الطاقة والمياه، إلى إجراء اللازم لوضع إتفاق إطار بين لبنان وشركة “توتال” مشابه لإتفاق الإطار بين “توتال” وإسرائيل لناحية حفظ كامل الحقوق اللبنانية في حقل قانا المحتمل شمال وجنوب الخط 23، وأن يضمن هذا الإتفاق عدم وجود أية عراقيل مستقبلية تستطيع إسرائيل من خلالها عرقلة وقف أعمال التطوير واستخراج الثروة النفطية والغازية من البلوك رقم 9 وخاصة من حقل قانا

إلا انه وللأسف، وبدلاً من أن ينص الإتفاق بين لبنان والعدو الإسرائيلي صراحة على هذه الحقوق العائدة الى لبنان جنوب الخط 23، وبدلاً من أن يبادر المسؤولون اللبنانيون وعلى رأسهم وزير الطاقة والمياه وليد فياض إلى البدء بإجراءات حفظ الحقوق مع شركة “توتال” في المكمن المحتمل جنوب هذا الخط، نجد أن هناك إهمالا واضحا لهذا الملف الخطير والحيوي جدا، وأن حصول لبنان على الخط 23 زائداً حقل قانا كاملاً أصبح من الماضي.. بدليل الإعلان من تل أبيب عن إتفاق إطار بين شركة “توتال” وإسرائيل يكرّس الحقوق السيادية والإقتصادية لإسرائيل في حقل قانا، وقد تضمن ما يلي:

إقرأ على موقع 180  ذروة المأساة الروسية.. بريغوجين!

“وقعت توتال وإيني اتفاق إطار مع إسرائيل في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 ، والذي سيمهد الطريق لأنشطة التنقيب في البلوك 9 اللبناني.

 وفي ما يلي النقاط الرئيسية للاتفاق كما نشرتها وزارة الطاقة الإسرائيلية:

1- الهدف: تحديد آلية التعويضات التي ستدفع لإسرائيل مقابل حقوقها في مكمن [قانا- صيدا]. ستدخل الاتفاقية حيز التنفيذ بمجرد التوقيع عليها وستظل سارية المفعول حتى يتم توقيع اتفاقية مفصلة.

2- أطراف الاتفاقية: إسرائيل وتوتال وإيني (بصفتهم حائزين على رخصة استكشاف وإنتاج في البلوك 9 في لبنان).

أي شريك مستقبلي سينضم إلى الكونسورتيوم، ستوافق عليه إسرائيل وسيلتزم بهذا الاتفاق.

3- المبدأ الأساسي: لن يكون هناك تطوير للممكمن قبل التوقيع على اتفاقية مفصلة وتحويل العائدات إلى إسرائيل.

4- تبادل المعلومات: ستشارك توتال جميع المعلومات [المتعلقة بالمكمن] مع إسرائيل.

5- العمليات: إذا كانت العمليات ضرورية جنوب الحدود، سيعمل الكونسورتيوم وفقًا للقوانين والأنظمة الإسرائيلية.

6- تحديد حجم المكمن: ستُقيّم توتال حجم المكمن وحدوده. في حالة وجود خلافات، وسيساعد خبير متفق عليه في اتخاذ القرار.

7- تحديد التعويض: ستحدد الآلية في الاتفاق التفصيلي بعد تلقي جميع المعلومات”.

وقد ألحقت وزارة الطاقة الإسرائيلية مراحل تطوير حقل قانا ومحطات الإتفاق بإتفاق الإطار الذي تم توقيعه مع شركة “توتال” وفقاً لما يلي:

بعد التدقيق بإتفاق الإطار والملحق أعلاه، لا بد من طرح الملاحظات التالية:

1- قيل إنه لا وجود لأي عوائق إسرائيلية لناحية بدء شركة “توتال” على الفور بأعمال الحفر في حقل قانا، لكن يتبين أن هناك استعجالاً بهكذا إستنتاج، فالعدو أسرع في توقيع اتفاق الإطار المذكور، لأنه يريد أن يعرف ماذا يحتوي حقل قانا وما هي الكميات الموجودة فيه خاصة تلك التي تمتد الى جنوب الخط 23، وبالتالي وضعت إسرائيل شرط تطوير الحقل وبدء الإنتاج رهن الإتفاق مع شركة “توتال” والإستثمار النهائي (FID)، أي من ثلاث الى ست سنوات كما هو مبين في الملحق أعلاه. وهذا يعني أنه بعد أن تقوم شركة “توتال” بالحفر والتقييم وتحديد الكميات الموجودة وبعد تكبدها مبالغ طائلة، عندها تتحكم إسرائيل بشروط الإتفاق التفصيلي مع “توتال”، وسيكون لبنان مرغماً على القبول بشروط العدو الاسرائيلي التي سيطالب بها كحصة جنوب الخط 23، خاصة أنه لا يوجد أي شيء في نص الإتفاق بين لبنان وإسرائيل أو إتفاق الإطار الموقع بين إسرائيل و”توتال” يمنع العدو من المطالبة بما يشاء من هذه الحصة جنوب الخط 23، حينها سيكون لبنان تحت ضغط القبول أو انسحاب شركة “توتال” من البلوك 9 وتحمل لبنان كامل المسؤولية والتبعات المترتبة عن ذلك.

2- إن تضمين إتفاق الإطار: “إذا كانت العمليات ضرورية جنوب الحدود، سيعمل الكونسورتيوم وفقًا للقوانين والأنظمة الإسرائيلية” يدل بكل وضوح أن العدو يتعامل مع الجزء الجنوبي من حقل قانا عل أنه تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة بما يشمل كامل الحقوق الإقتصادية، وبالتالي يعتبر هذا العدو أنه لا يوجد للبنان أي حصة من هذا الحقل جنوب الخط 23، لا بل أكثر من ذلك يريد العدو الحصول على كامل المعلومات من شمال وجنوب المكمن المحتمل، وان يشارك في تقييم الكميات مع “توتال” وفي حال الخلاف تتم الإستعانة بخبير متفق عليه. وهنا يأتي السؤال المهم: هل وضع لبنان شروطاً على “توتال” كما وضع هذا العدو شروطاً على الشركة الفرنسية وكبّلها تكبيلاً مُحكماً، وأصبحت عملية استخراج النفط والغاز رهن موافقته؟

3- المطلوب، وقبل فوات الأوان وقبل بدء شركة “توتال” بأعمال الحفر في حقل قانا، في الربيع المقبل، أن تبادر الحكومة اللبنانية ممثلة بوزير الطاقة والمياه، إلى إجراء اللازم لوضع إتفاق إطار بين لبنان وشركة “توتال” مشابه لإتفاق الإطار بين “توتال” وإسرائيل لناحية حفظ كامل الحقوق اللبنانية في حقل قانا المحتمل شمال وجنوب الخط 23، وأن يضمن هذا الإتفاق عدم وجود أية عراقيل مستقبلية تستطيع إسرائيل من خلالها عرقلة وقف أعمال التطوير واستخراج الثروة النفطية والغازية من البلوك رقم 9 وخاصة من حقل قانا. كما يجب على وزير الطاقة والمياه أن يقوم بالإجراءات اللازمة أيضا لمنع التنازل عن حصة لبنان الناجمة عن انسحاب شركة “نوفاتيك” الروسية لصالح شركة “توتال” مباشرة، بل يجب أن تتم هذه العملية بين لبنان والشركة القطرية في الوقت المناسب وبالسعر الذي يحدده لبنان حفاظاً على حقوق الشعب اللبناني. فإذا كانت صياغة اتفاق الترسيم مفخخة لصالح العدو يجب توضيح ذلك وقبل فوات الأوان من خلال توقيع إتفاق إطار بين لبنان وشركة “توتال” يكون مكملاً أو ملحقاً للإتفاق الذي عقد في العام 2017.

مرة جديدة نقول إلى من يعنيهم الامر.. “اللهم اشهد اننا قد بلّغنا”.

Print Friendly, PDF & Email
داود رمال

صحافي لبناني

Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  نظام الفشل اللبناني آلة للنهب المنظّم