يدٌ مبتورةٌ من يدٍ كانت جزءاً من جسد. جسدٌ يحمل إسماً. هذه اليد تَجَاوَرَتْ وقطعة من قلبٍ مُشظّى، وعيون مرتعبة. تجاوروا صدفة في مكان غير بعيد عن أشلاء أيادٍ، وقلوب متشظية، وعيون مثلومة من محاجرها.. كانوا جَمْعاً تقطّعت من جموع سقطت ضحية مشاريع إلغاء، وأساطير إبادة، وأقوام تلاقوا بالتواطؤ، ونتانة النفوس، ونيّرونية الأهداف.
حاول القلب المتشظّي أن ينبض. أن يخفق. أن يتأجّج. حاولت اليد المبتورة أن تقترب من القلب، أن تضع يدها على قلب القلب.أن تلامس شغافه. تسلّلت نظرات العيون في غير اتجاه.. وغير ناحية.
ارتعدت اليد المبتورة، والقلب المتشظّي، والعيون المثلومة مُجدداً على وقع نيران الأساطير الجامحة بلهيبها؛ ببرامجها في سفك الدماء. تغيّرت أماكنهم، هذه الأماكن التي أتوها على غير موعد أو قرار منهم، أو خطط مُجدّوَلة مُسبقاً في يومياتهم. يوميات تبدأ بعام دراسي وتنتهي به، ولهذا العام طقوسه، وتقاليده، ومراسم احتفالاته، وناسه وجمعهم صغاراً وكباراً. صغار ينتظرون بطاقة العلامات المدرسية، وحفل الموسم المدرسي، للغناء المشترك والرقص بحضور أسرة التعليم والتربية، وفرحة الأهل.
تبعثرت اليد المبتورة، والقلب المتشظّي، والعيون المثلومة من محاجرها في محاولة التعبير عن حالهم ـ أحوالهم، وتفسير أسباب مجيئهم إلى هذا المكان مع غيرهم من أشلاء.. كرّروا المحاولة. شدّوا عزائمهم. أيقنوا بقدرتهم على سرد الحكاية.. والحكاية كما العديد من مثيلاتها مصبوغة بالأحمر الدموي، والحكاية أنّ مرتكبيها هم أنفسهم مذ تناسلوا، وُلدوا، وغدروا، وتَلمْلموا من شتاتٍ وارتزاق وإجرام. والحكاية أن أشلاء عديدة تناثرت على امتداد عقود، لكنها كانت تتعافى، وتتوالد، وتقطف الزيتون في مواسمه، وتناغي شقائق النعمان النابتة من هذه الأشلاء، وترتفع شامخة بين لهيب ولهيب، بين حياة وموت، وموت وحياة.
إنها الحكاية عينها. حكاية ولادة الحياة من صميم القتل والإبادة. إنها حكاية القاتل عينه، واسمه، ورسمه وبطاقة سجلّه، وتاريخه الاحترافي في زهق الأرواح البريئة، واختراع أكاذيبه، وأساطيره المُزوّرَة والمُزوِّرة. إنه صراعٌ بين حكايتين، وبين حق وباطل، وبين شمشون وشقائق نعمان. بين فلسطين واحتلال إرهابي إسمه إسرائيل وعقيدتها الصهيونية.