يرى مسؤولون إسرائيليون إن العملية البرية في غزة بمعناها الواسع وليس الجزئي يمكن أن تشكل عامل ضغط على حركة “حماس” من أجل إبرام صفقة تفضي إلى الإفراج عن أكثر من 229 أسيراً وأسيرة لدى “حماس” وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية، غير أن “الطموحات” الإسرائيلية دونها معايير حاسمة وضعتها “حماس”، ليس أقلها “تبييض” المعتقلات الإسرائيلية، أي الإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
واللافت للإنتباه أن مطلب “الجميع مقابل الجميع” صار مطلباً إسرائيلياً رفعه أهالي الأسرى في التظاهرات والتجمعات شبه اليومية في تل أبيب، حتى أن خطاب نتنياهو خلال استقباله للمرة الأولى وفد عائلات الأسرى، لم يكن مقنعاً لهؤلاء!
ويعزو عدد من المعلقين الإسرائيليين تأخير العملية البرية لإفساح المجال أمام جهود إبرام صفقة الأسرى، سواء من حملة الجنسية المزدوجة أو الجنسية الأجنبية فقط. إلا أن عاموس هرئيل في “هآرتس”، يرى أنه من الصحيح أن انتظار صفقة الأسرى “أدّى إلى تأجيل العملية البرية، لكنها ليست هي السبب الوحيد. اختلاف الآراء بشأن العملية يخلق توتراً بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، الذي يتموضع كممثل لليمين الصقري في إدارة الحرب”.
والدليل على عدم ثبات الكيان على رأي واحد، ثمة من يتحدث في إسرائيل عن أشهر من العمل العسكري المتواصل إن لم يكن سنوات، ويُفهم من ذلك أن هناك من يتهيب قرار اجتياح قطاع غزة، في الوقت الذي ينتظر فيه الجمهور الإسرائيلي انتصاراً عسكرياً سريعاً إلى حدٍ ما، لكن حسب قول الكاتب نفسه (هرئيل) “الأداء الفاشل للجيش والأجهزة الاستخباراتية والمفاجأة المطلقة وضُعف الاستعداد على الحدود مع غزة، خلق أزمة ثقة كبيرة لدى المواطنين، ازدادت حدةً بسبب الأداء الفاشل لوزارات الحكومة منذ بدء الحرب، وفشل عملية هجومية على قطاع غزة، يمكن أن يشكل ضربة معنوية كبيرة جداً”.
أما زميله في الصحيفة نفسها، يوسي ميلمان، فيقول “يجب ان تكون الحرب هي الملاذ الأخير، ويجب علينا القيام بكل ما يمكننا القيام به للحؤول دون الاجتياح البري. في هذه الأثناء، يمكننا أيضاً بذل كل الجهود الممكنة من أجل التوصل إلى صفقة تبادُل أسرى. ينبغي لنا أن نعترف بأن إسرائيل تعرضت للإذلال، يجب إطلاق سراح “مخربين” من السجن في مقابل إطلاق سراح المخطوفين. يجب السعي لتحقيق تسوية سياسية، تشارك فيها دول الغرب والعالم العربي والسلطة الفلسطينية. ربما تبدو هذه الوسائل غير ممكنة التحقق في هذه الأيام، لكن علينا أن نفعل المستحيل من أجل التوصل إلى النتيجة المرجوة: كسر القوة العسكرية لـ”حماس” ونزع سلاحها، من دون مرحلة الاجتياح البري”.
في المقابل، يُحذر الباحثان غابي سيبوني وكوفي ميخائيل، في مقال مشترك لهما في “معاريف”، بأنه “ستتصاعد الأصوات التي ترتفع للمطالبة بتحرير المخطوفين، عبر استبدالهم بالسجناء الأمنيين. علينا أن نذكّر بأن مَن خطّط ونفّذ هذا الهجوم “الإرهابي” ليس سوى يحيى السنوار، الذي تم تحريره في إطار صفقة جلعاد شاليت، كما أن أسرى محرَّرين آخرين في هذه الصفقة قادوا الهجوم القاتل. وحتى موعد تنفيذ الهجوم القاتل الذي كبّد إسرائيل ثمناً باهظاً من الدم، قُتل نحو 90 إسرائيلياً على أيدي محرَّرين في تلك الصفقة. إن أي صفقة تحرير أسرى إضافية تعني إطلاق آلاف “القتَلة” الذين سيقتلون الإسرائيليين لاحقاً. وأي صفقة تبادُل أسرى ستؤدي إلى رفع المعنويات في محور المقاومة”.
ويُقارب يوسي يهوشع في “يسرائيل هيوم”، موضوع الأسرى من منظار مختلف، ويرى بأنه ربما لا يحتاج تحريرهم إلى إطلاق أسرى فلسطينيين بالمقابل، سواء كانوا أمنيين أو غير أمنيين، انطلاقاً من أن الجيش الإسرائيلي “ينظر بشكل مختلف إلى معادلة المخطوفين والمناورة البرية، ويدّعون أن محاصرة الذراع العسكرية لـ”حماس” ستزيد فرص تحرير المخطوفين، بسبب الضغط الشديد”.
لكن زميله شاني ليتمان في “هآرتس”، يحذر “من الاستهتار بقضية الأسرى، وتخلّي الدولة عن مواطنيها، واستعدادها لأن يُقتلوا في مقابل استمرار جولة سفك الدماء والحرب العقيمة في غزة”. ويخشى الكاتب من أن تعتمد “دولته” الحل “البوتيني”، إذ “عندما تحصّن إرهابيون من الشيشان في مدرسة في مدينة ببسلان في أيلول/سبتمبر 2014، واحتجزوا رهائن كانوا، في أغلبيتهم، من الأطفال. نهج القوة الذي استخدمه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في معالجة الأزمة أدى إلى مقتل 334 رهينة، بينهم 186 طفلاً. إذا كان الرهائن الذين وقعوا في أسر “حماس” سيواجهون المصير نفسه، فسندرك جميعنا أن واقع حياتنا هو روسيا البوتينية. ويتعيّن علينا الوقوف في وجه ذلك بكل ما أوتينا من قوة”.
“إن التخلي عن المخطوفين والمفقودين – أطفالاً، ونساء، ومسنين – يمكن أن نتحسّر عليه لأجيال. منذ الآن، نحن تأخرنا فعلاً على هذه المهمة. من الممكن، بل من الواجب، وقف الاجتياح البري، والقيام بكل ما يمكن فعله من أجلهم. من أجلنا نحن. أما هؤلاء “المخربين”، فسنقوم بالقضاء عليهم لاحقاً. اعتدنا منذ زمن، حين كنا أقوياء، أن نقول “دفتر الحساب مفتوح، وأيدينا تسجّل”، حسب قول أمنون أبراموفيتش في موقع القناة N12 .
وكما نشرت صحيفة “نيويورك تايمز”، فإن الإدارة الأميركية تطلب من إسرائيل التريث في تنفيذ الغزو البري، إلى أن تنتهي استعدادات قواتها في الإقليم، وإلى أن يتضح ما إذا كان في وسع الوسطاء القطريين المساعدة في إطلاق سراح رهائن. لقد أوضحت إدارة بايدن لإسرائيل أن قضية المخطوفين ليست قضية إسرائيلية فحسب، وأن إسرائيل ليست هي التي تقرر وتعمل، بناءً على اعتباراتها وحدها كون عدد من المخطوفين يحملون جنسيات أجنبية، سواء أكانت أميركية أو غيرها، فإنه يجب على إسرائيل ومنظومتها الأمنية وضع الموقف الأميركي في الاعتبار حين تخطط للعمل، سواء أكان الأمر مرتبطاً بالخطوات المتخذة لتحرير المخطوفين، أو بشأن الخطوات الأُخرى التي من شأنها التأثير في مصائرهم.