إسرائيل تحاصر مذبحة غزة بالأكاذيب.. وحضارة الإجرام!

لم تعد الكلمات تجد مطرحاً لها في مواجهة الدم الذي يفوق كل خيال متصور. هي مذبحة وأكثر. هي حرب إبادة وأكثر، وبرغم ذلك يقف العالم متفرجاً، لا بل تعطي الولايات المتحدة من خلال رفضها وقف النار الفوري رخصة بالقتل المفتوح. قطاع غزة يُشعرنا في كل دقيقة وساعة أننا أسرى هذا الصمت العربي المتمادي.. ماذا بعد؟

في موازاة هذه المذبحة، ترصد هذه المقالة “حرب المصطلحات والمفاهيم” التي تشكل الذراع الدعائية والإعلامية للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وإذ تنحصر عملية الرصد في عشر أكاذيب، فلا يعني ذلك إغفال غيرها أو ما يستجد في قائمة حروب الدعاية، فللحديث صلة، كما يقال.

لعل أول مفهوم عرف تسويقاً في حرب الدعاية الإسرائيلية، ذاك الذائع الصيت “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، وجرى ترويجه في مطلع القرن العشرين، وزاد شيوعه بعد هزيمة المشروع النازي في الحرب العالمية الثانية، حيث غدا “التكفير” عن “المحرقة” مرادفاً عملياً لتهجير الشعب الفلسطيني وإحلال اليهود الأوروبيين في الديار الفلسطينية.

على مدى الأيام الـ25 للعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة اشتدت وتكثّفت حرب المصطلحات حتى باتت عنواناً وفعلاً لا ينفكّان عن اختلاق مبررات حرب الإبادة المفتوحة، ومن هذه المصطلحات:

أولاً؛ توأمة “حماس” و”داعش”:

منذ لحظة انكشاف الجيش الإسرائيلي أمام هجوم المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر2023، أسرعت الدعاية الإسرائيلية ومعها نظيراتها الغربية، نحو إسقاط “المفهوم الداعشي” على حركة “حماس” وشقيقاتها من فصائل المقاومة، وهدف هذا الإسقاط إلى تجريد “حماس” من كل منظومة أخلاقية وقيمية وإنسانية، فـ”داعش” تقطع الرؤوس، وتسبي النساء، وتأخذ الأطفال غلماناً.

ومع أن صورة واحدة عن رأس مقطوع لم تظهر، ولا صورة إمرأة سبية ظهرت، فقد أصرت آلة الدعاية الإسرائيلية والغربية على الإختلاق، بما فيها الدعاية المضطربة لـ”البيت الأبيض” الذي اعترف (11ـ 10 ـ 2023) بأن الرئيس جو بايدن والمسؤولين الأميركيين “لم يروا صوراً، أو يتحققوا بشكل مستقل من أن حماس قطعت رؤوس أطفال”، وبرغم ذلك، استمرت دعوشة “حماس” علماً أن الأسيرة الإسرئيلية يوخباد ليفشتس قالت (24 ـ10 ـ 2023) بعد إطلاق سراحها “إن عناصر حماس كانوا يعاملوننا بلطف ولم نتعرض لأذى”.

ثانياً؛ “طوفان الأقصى” و”القاعدة”:

ليس بعيداً عن دعوشة “حماس”، جهدت حرب الممصطلحات في “قعودة” الحركة أيضاً من خلال تشبيه عملية “طوفان الأقصى” بهجمات تنظيم “القاعدة” في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 على مدينتي نيويورك وواشنطن الأميركيتين، وكان أول من أطلق هذا التشبيه، المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة، جلعاد أردان، إذ قال (8ـ 10 ـ2023) في تصريح صحافي “هذا هو 11 سبتمبر بالنسبة لإسرائيل”. وفي اليوم نفسه، قال المحلل في صحيفة “يديعوت أحرونوت” آفي يسخاروف “إن عملية حماس أشبه بهجمات 11 أيلول/سبتمبر وربما تتعداها”. وفي التاسع من تشرين/أكتوبر 2023، قال الديبلوماسي الأميركي العريق مارتن إنديك في مقالة نشرتها “فورين أفيرز” إن حدث 7 تشرين الأول/أكتوبر، “كان صدمة بكل معنى الكلمة، وسيكون له تأثير على الإسرائيليين مماثل لتأثير هجمات 11 أيلول/سبتمبرعلى الأميركيين”. ولم يتردد الرئيس الأميركي في القول من تل أبيب إن عملية “حماس” في غلاف غزة “تعد 15 ضعفاً لهجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001”.

بعد هذه المواقف المتتالية، شاع هذا الإدماج بين “القاعدة” و”حماس” وبين 11 أيلول الأميركي و11 أيلول الإسرائيلي في الإعلام الغربي من دون التفريق بين “القاعدة” كمنظمة إرهابية لاهوية لها ولا وظيفة إلا القتل والتخريب، وبين “حماس” كمنظمة وطنية مضمونها مقاومة أصحاب الأرض لمن سلب أرضهم.. وأيضاً من دون التفريق بين برجين على أرض أميركا من جهة وبين مستوطنات وقواعد عسكرية إسرائيلية على أرض محتلة في فلسطين من جهة أخرى.

ثالثاً؛ الدفاع عن الحضارة:

أكثر من مرة، وبعد انطلاق حرب التدمير والإبادة الممنهجة على قطاع غزة، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه ومجلس حربه يدافع عن الحضارة، وعن النور في مواجهة الظلام، وقال إنها حرب الأخيار ضد الأشرار وحرب الإنسانية ضد البربرية إلخ..

ولا شك أن هذا الإستخدام لمصطلح “الحضارة” تحديداً هدفه مخاطبة الرأي العام الغربي، بإعتبار أن دولة الإحتلال الإسرائيلي تتشارك والغرب القيم التنويرية والحضارية نفسها، في حين أن الجانب الفلسطيني (ومعه العربي والشرقي عموماً) ليس أكثر من بقايا متخلفة ومتجذرة في العصر الحجري، ولذلك لم يكن توصيف وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت للفلسطينيين بـ”الحيونات البشرية” ناتجاً عن لحظة انفعال، فهؤلاء في عُرفه فاقدون لقابلية التحضر، وإبادتهم إنقاذ للحضارة الحديثة، وهذه الحضارة كما درجت فئة من المفكرين الغربيين هي نتاج الثلاثي اليوناني ـ اليهودي ـ الأوروبي.

رابعاً؛ “حماس” وليس فلسطين:

ما فتئ القادة الإسرائيليون منذ تحريك عجلة الموت والدمار بإتجاه قطاع غزة، يتحدثون عن اقتلاع “حماس” وكيِها وشيِها لو استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وفي زحمة المشاريع التي أطلقوها، تقدم مشروع “الترانسفير”، أي تهجير كل فلسطينيي قطاع غزة إلى سيناء، وبما يعني أن المشروع المذكور لا يستهدف “حماس” ومناصريها، إنما كل من يقطن هذا القطاع، أي كل الفلسطينيين، وليست “حماس” سوى هذا الجزء من العموم الفلسطيني.

لا شك أن هذا الإستخدام لمصطلح “الحضارة” تحديداً هدفه مخاطبة الرأي العام الغربي، بإعتبار أن دولة الإحتلال الإسرائيلي تتشارك والغرب القيم التنويرية والحضارية نفسها، في حين أن الجانب الفلسطيني (ومعه العربي والشرقي عموماً) ليس أكثر من بقايا متخلفة ومتجذرة في العصر الحجري

خامساً؛ بين “حماس” والسلطة الفلسطينية:

في وسائل الإعلام الإسرائيلية نقاشات وجدالات حول المصير السياسي لقطاع غزة وكيفية إدارته لو سقطت سلطة “حماس” كما ينشد نشيد الأناشيد في تل أبيب، بعض هذه الآراء (صحيفة “يسرائيل هيوم”، 18 ـ10 ـ2023) يتحدث عن تسليم قطاع غزة للسلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس، وبعضها (“تايمز أوف اسرائيل”، 20 ـ 10 ـ 2023) نقلاً عن مكتب نتنياهو “أن كل حديث عن تسليم قطاع غزة للسلطة الفلسطينية أو أي جهة أخرى هو كذب”، وما بين التسريب والتكذيب، يعلو النقاش الإسرائيلي حول جانبين، الأول، أن تسليم قطاع غزة للسلطة الفلسطينية من ضمن مشروع عربي ـ غربي سيدفع إلى حرب أهلية فلسطينية، وهذا لصالح اسرائيل، والثاني، أن تمدد السلطة الفلسطينية إلى القطاع سيُقوّي السلطة الفلسطينية ويُعزّز “حل الدولتين”، وهذا ليس في صالح إسرائيل.

إقرأ على موقع 180  وثيقة بكين.. تفسير أيديولوجي للنظام الدولي الجديد

وكتب ناحوم برنياع (16 ـ 10 ـ 2023) في صحيفة “يديعوت أحرونوت” قائلاً “عندما كان إيهود باراك وزيرا للدفاع سألته لماذا لا تحتل إسرائيل غزة وتُسلمها إلى السلطة الفلسطينية فأجاب: إسرائيل لا يمكنها والسلطة لا يمكنها”، ومن خلال هذه الإجابة ينسل السؤال: لماذا يجري إخراج هذه النقاشات إلى التداول الإعلامي؟ يجيب قيادي فلسطيني بالقول: “توسيع الشقاق بين قطاع غزة والضفة الغربية”.

سادساً؛ “بروتوكول هنيبعل”:

حتى الثلاثين من تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، قتلت الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة 50 أسيراً إسرائيلياً على الأقل، وفق ما أعلنت المقاومة الفلسطينية، وفي حال استمرار العدوان قد يُقتل أسرى آخرون، وأصابع الإتهام الإسرائيلية مصوبة نحو “حماس” وشقيقاتها قبل مقتل هؤلاء الأسرى وبعده، ذلك أن “بروتوكول هنيبعل” مضمونه أن الجندي المقتول أفضل من الجندي المخطوف، ولذلك لا مناص من قتل الجندي الإسرائيلي برصاصات أو قذائف إسرائيلية حتى لا تتعرض “الدولة العبرية” للإبتزاز، وهذا البروتوكول (موقع إذاعة “مونت كارلو” ـ 15 ـ 10 ـ 2023) يتيح “للقادة العسكريين في الجيش الإسرائيلي قصف المواقع التي يُحتجز فيها جنودهم، لتلافي تقديم ثمن باهظ من أجل استردادهم”.

وحول “بروتوكول هنيبعل” كتبت “تايمز أوف إسرائيل” في الثلاثين من حزيران/يونيو 2016 “يعمل الجيش الإسرائيلي بهذا الإجراء منذ عقود، كرد على تبادل أسرى غير متكافئ في كثير من الأحيان بين إسرائيل وتنظيمات مسلحة قامت باختطاف جنود، وظهر هذا الإجراء على الساحة مرة أخرى قبل حوالي 10 أعوام في أعقاب اختطاف الجندي جلعاد شاليط ويسمح هذا الأمر للجنود باستخدام القوة والنيران بشكل مكثف لمنع سقوط جندي في الأسر، ويشمل ذلك احتمال تعريض حياته للخطر لمنع اختطافه”.

سابعاً؛ “الغموض البناء” والمستشفى المعمداني:

ما كادت جثث مئات الشهداء الفلسطينيين تتناثر في أرجاء المستشفى المعمداني وما بعد بعده (قبل أن تتوالى المجازر وبينها مجزرة جباليا التي ذهب ضحيتها بالأمس مئات الشهداء والجرحى)، حتى أعلن بنيامين نتنياهو أن جيشه لم يقصف المستشفى المعمداني، بل تلك الأفعولة من أفاعيل حركة “الجهاد الإسلامي”، وتبعه في ذلك الرئيس الأميركي جو بايدن بقوله إن استهداف المستشفى “جاء على ما يبدو من الطرف الآخر”، أي الجانب الفلسطيني، وبرغم أن صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية اكدت (18 ـ 10 ـ 2023) أن قذيفة أميركية الصنع هي المستخدمة في المجزرة، فقد حافظت الدعاية الإسرائيلية ـ الغربية على تجهيل الفاعل وإثارة الغموض حوله، وما أبعاد ذلك إلا لتمديد رخصة قتل الفلسطينيين، وأكثر من ذلك التشكيك بأعداد الشهداء، فهذا نتنياهو يقول، وذاك بايدن يُردّد: إن الفلسطينيين يبالغون بأعداد قتلاهم!

ثامناً؛ حرب فلسطينية أم إيرانية:

ثمة اتهام لحركة “حماس” بأنها تعمل على تنفيذ جدول أعمال إيراني، وما “الطوفان” إلا وجه من وجوه الجدول المذكور، وهذا التنعيت الإيراني لـ”حماس” لا يخرج عن الأهداف الآتية: نزع الهوية الفلسطينية عنها وتعميق الإنقسام بين الإتجاهات الفلسطينية، وإخراج “حماس” من كونها حركة تحرر وطنية، بالإضافة إلى تصويرها مشروعاً سياسياً ـ عسكرياً يتعارض مع العرب ومصالحهم.

ومن دون ريب، فإن تصوير “حماس” مشروعاً إيرانياً يهدف للنيل من المقاومة الفلسطينية، وحيث تمثل “حماس” منذ سنوات العمود الفقري لهذه المقاومة، تماماً كما كانت حركة “فتح” في سابق عقودها، وكما كانت “قوات التحرير الشعبية” في الستينيات الماضية، وكما كانت نضالات الفلسطينيين قبل ذلك، فالمقاومة الفلسطينية تأخذ بين آونة وأخرى شكلاً وتنظيماً متجدداً على مدار المائة عام الماضية.

تاسعاً؛ معبر رفح:

بات من المواقف الشائعة ما أطلقه (9 ـ 19 ـ 2023) وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت “نفرض حصاراً كاملاً على قطاع غزة، لا كهرباء، لا طعام ولا ماء ولا غاز، كل شيء مغلق”، وهذا الأمر أخذ تطبيقه إلى حيز الفعل حتى بعدما نادى المنادون بفتح معبر رفح المصري لإدخال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، فكانت إسرائيل وما زالت، تبتز المجتمع الدولي وأهل غزة، إذ إثر كل فتح جزئي للمعبر لتمرير دفعات مُحددة من الأغذية والمواد الطبية، تعمد إلى إغلاقه وأحياناً قصفه.

عاشراً؛ “خيار السلام”:

قال بنيامين نتنياهو أكثر من مرة في الأسابيع الثلاثة الماضية إن هجمات “حماس” في محيط قطاع غزة “هدفت إلى عرقلة عملية السلام”، ولكن بمراجعة عاجلة لمواقف نتنياهو في العقد الأخير، ستُظهر قناعة لديه بإنعدام “الشريك الفلسطيني” الذي يتوافق وإياه حول “سلام” يريده ويبتغيه، وهذه ثلاثة مواقف له في تواريخ مختلفة:

ـ صحيفة “الشروق” المصرية (10 ـ 7 ـ 2012): “قال نتنياهو إن الفلسطينيين لم يصنعوا شيئاً من أجل السلام منذ أن بدأت إسرائيل عملية السلام معهم، فهم يتحدثون دائماً عن العودة إلى حيفا وتل أبيب، ولم يقدموا تنازلاً واحداً”.

ـ “تايمز أوف إسرائيل” (24 ـ 12ـ 2017): أعلن نتنياهو أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس “أظهر أنه غير مهتم بحل النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، وذلك لرفضه جهود السلام التي تقودها الولايات المتحدة”.

ـ صحيفة “الأيام” الفلسطينية (22 ـ 2 ـ 2023): ادعى نتنياهو أن الفلسطينيين لا يريدون السلام وقال: “لقد قيل إنه لا يمكن التوصل إلى سلام مع الدول العربية دون التوصل أولاً إلى سلام مع الفلسطينيين، ولكن توجد مشكلة وهي أن الفلسطينيين لا يريدون السلام مع إسرائيل وإنما يريدون السلام من دون إسرائيل”.

أخيراً؛ من شعر محمود درويش:

وضعوا على فمه السلاسل

ربطوا يديه بصخرة الموتى

وقالوا: أنت قاتل 

أخذوا طعامه والملابس والبيارق

ورموه في زنزانة الموتى

وقالوا: أنت سارق

طردوه من كل المرافىء

أخذوا حبيبته الصغيرة

ثم قالوا: أنت لاجىء.

Print Friendly, PDF & Email
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  "فورين بوليسي".. هذه توقعات 2024 من غزة إلى البيت الأبيض!