مساعدات أميركا لأوكرانيا.. تمويل حرب استنزاف روسيا وأوروبا

مع موافقة مجلس النواب الأميركي على خطة مساعدات ضخمة لأوكرانيا بقيمة 61 مليار دولار، وظيفتها "التصدي للغزو الروسي"، يتبدى يوماً بعد يوم أن المعسكر الغربي بات عاجزاً عن حسم مآلات الحرب لمصلحة أوكرانيا، برغم مضي أكثر من سنتين على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

ثمة فاصل زمني بين القرار الذي اتخذه النواب الأميركيون وبين وصول المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا في النصف الثاني من حزيران/يونيو المقبل، حسب العديد من الخبراء الأوكرانيين، وبالتالي، يُمكن أن تشهد الأسابيع المقبلة، محاولة روسية محمومة لكسر الجمود الذي ساد الميدان في الأشهر الأخيرة، في ظل استرخاء أميركي وغربي، سياسياً وميدانياً، و”حشرة أوكرانية” عبّرت عنها تصريحات الرئيس فولوديمير زيلينسكي الذي راح يُحذّر مؤخراً الكونغرس من أنه في حال عدم اقرار المساعدات، ستخسر بلاده الحرب في مواجهة روسيا.

***

هل يعكس هذا التوجه الأميركي محاولة لتغيير موازين القوى أم هناك حسابات أخرى؟

يوحي جمود الجبهات في الأشهر الأخيرة أن واشنطن لا تدعم كييف، على الأقل، لدفع الروس إلى التراجع أو وقف عملياتهم القتالية، في ظل استحالة هزيمتهم وصعوبة وقف اندفاعة فلاديمير بوتين العسكرية. كما أنها لا تقدّم اية مبادرات للتسوية السلمية، ولا تدفع الطرف الأوكراني أو تشجعه لسلوك هذا المسار، وهي بذلك تضمن عدم توقف الحرب وتجميد الوضع القائم على الجبهات، بالتالي ضمان أكبر قدر ممكن من المكاسب، ولا سيما استمرار استنزاف روسيا وأوروبا، وضخ الدماء في الاقتصاد الأميركي وقطاع صناعة السلاح، لزيادة هيمنتها على المشهد الدولي. وفي الوقت نفسه، من الواضح أن حرب الإستنزاف بات ضاغطة على صُنّاع القرار في القارة الأوروبية التي كان تضررها جراء الحرب، أشد من تضرر الولايات المتحدة وحلفائها الآخرين خارج القارة.

***

ربما نشهد تحضيرات لما بات يُعرف بـ”هجوم الربيع” أو “هجوم الصيف” الروسي. وبالتالي قد يجري تكثيف الهجمات لمواجهة ما يسميه الروس “الحرب الهجينة” ضدهم، علاوة على أهمية تلك الهجمات في إحداث ردع يساعدهم على تنفيذ خطتهم القاضية بإدماج المناطق الأوكرانية التي أعلنت موسكو ضمها إلى الإتحاد الروسي

في ظل الجمود الذي يلف الملف الأوكراني، قد لا تكون المصادفة وحدها هي التي أتت بتصريح الرئيس الأميركي جو بايدن، حول ضرورة “وقف بوتين” ودعم أوكرانيا لتحقيق هذا الهدف، وذلك بعد أيام من تصريح وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس، أثناء وجوده في كييف، حول تسليم أوكرانيا 10 آلاف طائرة مُسيَّرة بريطانية الصنع، وهي الطائرات التي ستتشارك المملكة المتحدة مع جمهورية لاتفيا في تنظيم إنتاجها وتسليمها إلى كييف. ودعا الوزير البريطاني حلفاء أوكرانيا إلى أن يحذوا حذو بلاده وأن يُزوِّدوها بطائرات مماثلة، في الوقت الذي سيعملون فيه على تزويدها بقذائف مدفعية يصل عددها إلى 800 ألف قذيفة خلال الأسابيع المقبلة، إضافة إلى أسلحة نوعية أخرى. وبينما تعمل بريطانيا على تدريب طيارين أوكرانيين لقيادة طائرات “أف 16” المقاتلة المتطورة، تأتي الأخبار يومياً بكلام حول مساعدات ستقدمها هذه الدولة أو تلك لأوكرانيا لتقوية موقفها ومساعدتها على إحداث خرق على الجبهات كافة.

***

هنا لا بأس بالعودة إلى لغة القيادة الأميركية التي أطلقتها قبل وبعد الغزو الروسي الذي وقع في 24 فبراير/شباط 2022، وشخصنة الحرب عند الحديث حول ضرورة وقف بوتين في أوكرانيا، وتسليمهم أنه لن يتوقف عند حدودها، كرّر الرئيس الأميركي هذا الكلام في خطابه السنوي حول “حال الاتحاد”، في 8 مارس/آذار الماضي. قال بايدن إن السبيل لذلك لا يكون سوى بمساعدة كييف بالسلاح، وربط بين هذا الأمر وبين “الهجوم الذي تتعرض له الحرية والديموقراطية” وضرورة مواجهة بوتين.

خطاب مواجهة بوتين، لا يعني، وفق قاموس بايدن، وقف أو حسم حرب أوكرانيا بل إضعاف روسيا التي تستنزفها العقوبات واستمرار الحرب بينها وبين أوكرانيا، برغم أن موسكو ستحاول الاستفادة من الفاصل الزمني بين اقرار المساعدات ووصولها من أجل تعديل ميزان القوى لمصلحتها ولا سيما على جبهة مدينة خاركيف ثاني أكبر المدن الأوكرانية.

***

هل ترغب واشنطن حقاً بمواجهة بوتين ومنعه من مواصلة حربه بغزو دول أخرى؟

لا نأتي بجديد إذا قلنا إن أميركا تُعدّ المستفيد الأكبر من الحرب الروسية على أوكرانيا لأسباب عدة، أولها الحسابات الجيوسياسية، كون هذه الحرب قد أضعفت أوروبا وحمَّلتها تبعات زيادة جديدة في زيادة التسلح لم تكن واردة في الحسبان، بل أدخلتها في خضم سباق تسلح جديد ومحموم، لزيادة مساهمتها في حلف شمال الأطلسي، كما تسببت في زيادة اعتمادها على السلاح الأميركي لسد النقص لديها، ما يزيد من ارتباطها بواشنطن ويحد من استقلاليتها عن الأميركيين. كما أدخلتها في سباق البحث عن مصادر جديدة للطاقة، وبروز أميركا مصدراً لسد النقص من موارد الطاقة التي كانت تأتي من روسيا، ما زاد من حجم تأثير واشطن عليها، وهو إسفين آخر يُدقُّ في نزعة الأوروبيين الاستقلالية التي ظهرت خلال حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب.

إقرأ على موقع 180  "حقل قانا" في عالم إدارة الأصول.. (BlackRock) نموذجاً

وتشير التقديرات، في ظل غياب أي نية للتفاوض، إلى أن روسيا ماضية في حربها من أجل تحقيق أهدافها التي وضعتها في بداية الحرب على أوكرانيا؛ وهي تغيير رئيسها وحكومتها ونزع سلاحها وإجبارها على اختيار الحياد، أي الإقلاع عن نيتها الانضمام إلى الناتو، علاوة على الاحتفاظ بشبه جزيرة القرم وبالمناطق الجديدة التي ضمّتها. وفي ظل رفع موسكو موازنتها للدفاع بنسبة 70% لهذه السنة، حسبما أفادت وثيقة لوزارة المالية الروسية نُشرت في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، فإن قدرات الجيش الروسي يتوقع لها أن تتعزز وتزداد. وفي ظل هذه الوقائع، ربما نشهد تحضيرات لما بات يُعرف بـ”هجوم الربيع” أو “هجوم الصيف” الروسي. وبالتالي قد يجري تكثيف الهجمات لمواجهة ما يسميه الروس “الحرب الهجينة” ضدهم، علاوة على أهمية تلك الهجمات في إحداث ردع يساعدهم على تنفيذ خطتهم القاضية بإدماج المناطق الأوكرانية التي أعلنت موسكو ضمها إلى الإتحاد الروسي.

***

كيف يتبدى المشهد في الجهة المقابلة؟

فشل معظم هجمات الجيش الأوكراني المعاكسة، خصوصاً الهجوم الكبير المضاد الذي حصل في يونيو/حزيران 2023، يُبرهن أن كييف تواجه صعوبة في تحقيق الأهداف التي تصبو إليها. وبينما عوَّل الأوكرانيون ودول “الناتو” على الهجوم الأخير وتوقعوا منه أن يُحرّر المناطق التي سيطرت عليها روسيا بعد الغزو، وأن يقطع خطوط الإمداد الروسية لجزيرة القرم، إلا أنه لم يحرز سوى بعض النجاحات المحدودة التي خيّبت آمال الجميع. وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة التي تعرّض لها الجيش الروسي، إلا أن فشل الهجوم الأوكراني المضاد أثبت أن “الجيش الأحمر” ما يزال قادراً على مواجهة الهجمات الأوكرانية، بفضل تكتيكاته الجديدة وحقول الألغام والسواتر المحصنة التي جهّزها قبل ذلك الهجوم، وبفضل تفوق سلاحه الجوي الذي كان يُجْهِز على الدبابات الغربية المتطورة التي تقع في شراك ألغامه وصواريخه الموجهة.

***

تعيدنا لغة جو بايدن واجتراره الكلام القديم، إلى توصيات وزير الخارجية الأميركي الراحل، هنري كيسنجر، بضرورة عدم شخصنة الحرب عبر اعتبارها موجهة ضد بوتين. لكن الرئيس الأمريكي عاد إلى القول “لن ننحني أمام بوتين”، وكأنه بذلك يريد استفزاز الرجل أكثر والعودة إلى أجواء الحرب في اشهرها الأولى، من أجل ضخ المزيد من الأسلحة والدعم للجيش الأوكراني.

وعلى عكس ما نصح كيسنجر أيضاً بضرورة التفاوض مع روسيا وتخلي أوكرانيا عن فكرة الانضمام إلى “الناتو” من أجل وقف الحرب، تشير خطط الغرب لدعم كييف إقتصادياً ومالياً وعسكرياً إلى استبعاد خيار التفاوض، ومحاولة كسر بوتين، مقدمةً لإضعاف روسيا وهزيمتها. وبينما لم تنفع سنتان من الحرب في تحقيق مثل هذه الأهداف، تُستنفَذ ثروات أوروبا بشراء السلاح والنفط والغاز الذي يأتيها بأسعار عالية من أميركا، وفي الوقت ذاته، تتزايد مصاعب وقف بوتين وفق المنهجية ذاتها، والتي تفرض، بسبب الآلام التي سبّبتها لكل قاطني هذ الكوكب، أن يُعاد النظر فيها.

***

يعتبر نائب رئيس البرلمان السلوفاكي لوبوش بلاغا، أن الولايات المتحدة ترسل مليارات الدولارات إلى أوكرانيا ليس من أجل المثل الإنسانية، بل بدافع كراهيتها للروس، ويستدرك بالقول إن موافقة مجلس النواب الأميركي على مشروع قانون لتخصيص ما يقرب من 61 مليار دولار لأوكرانيا في 20 نيسان/أبريل، كان لها رمزية معينة، ويسأل: “هل تعلمون متى ولد أدولف هتلر؟ في 20 نيسان/أبريل 1889”!

Print Friendly, PDF & Email
مالك ونّوس

كاتب ومترجم سوري

Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
free online course
إقرأ على موقع 180  عودة وليامز إلى ليبيا.. الإنتخابات تُمهّد للإستقرار