لبنان في آتون النيران الإقليمية.. كيف ينجو؟

اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل الذى دخل حيز التنفيذ الأربعاء الماضى يفترض أن يؤدى إلى انسحاب كلى للقوات الإسرائيلية من جنوب لبنان بشكل تدريجى فى فترة أقصاها 60 يومًا من تاريخه.

ما زلنا حتى يومنا هذا نشهد أعمالًا عسكرية إسرائيلية بشكل منخفض ومتقطع فيما تدعو إسرائيل وتشجع عبر مساعدة مالية سكان الشمال للعودة إلى منازلهم. ويبدو أن إسرائيل تحاول خلق واقع جديد على الأرض فى بعض المناطق قبل انسحابها. والمطلوب من الطرفين الغربيين فى اللجنة (الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا) الضغط على إسرائيل لوقف هذه الأعمال العسكرية ولتسريع الانسحاب من الجنوب اللبناني.
على صعيد آخر، تشهد سوريا عودة السخونة العسكرية فى لعبة تنشيط المواجهة بالوكالة التى تقوم بها بعض الأطراف الخارجية الفاعلة على الساحة السورية لتعزيز موقعها فى سوريا فى «لعبة الأمم» الدائرة والناشطة من جديد. يحصل ذلك فى خضم المتغيرات التى أحدثتها الحرب الإسرائيلية على سوريا التى بقيت كدولة خارج استراتيجية “وحدة الساحات”، لكنها استمرت فى جزء كبير منها كامتداد للمسرح الاستراتيجى القتالى اللبنانى.
فلسطينياً؛ وبرغم انخفاض حدة القتال تبقى الحرب قائمة على غزة فى ظل محاولات للتوصل إلى وقف لإطلاق النار ما زال أمامها الكثير من التعقيدات. وعلى صعيد آخر، فإن تصاعد السياسة الإسرائيلية الناشطة لضم الضفة الغربية، وما تشكله هذه من احتمالات انفجار الوضع فى الضفة الغربية فى ظل غياب دولى ليس بالجديد من القوى الفاعلة والمؤثرة لوقف سياسة الضم والحاملة لمخاطر تتخطى المجال الفلسطينى من الضفة الغربية، كلها تبشر باحتمال كبير لحصول انفجار فى الضفة الغربية. انفجار تتخطى تداعياته السياسية جغرافية الضفة. فى خضم هذه السخونة المحيطة بلبنان من جنوب فلسطين إلى شمال سوريا والمفتوحة على كل الاحتمالات ولو بدرجات مختلفة.

صحيحٌ أن العامل الخارجى كان وما زال مؤثرًا بشكل كبير فى التعامل مع الأزمات الحادة التى يعيشها لبنان وذلك لأسباب لبنانية أساسية، كما شاهدنا دائمًا، لكن هنالك مسئولية لبنانية وطنية يشارك فى تحملها الجميع للتوصل إلى التفاهمات والتسويات المطلوبة

يبقى الإسراع، ولا نقول التسرع، فى العمل على انتظام السلطات فى لبنان والخروج من حالة الفراغ القاتل هو أمرٌ أكثر من ضرورى. صحيح أن تحديد موعد للانتخابات الرئاسية فى التاسع من شهر كانون الثاني/يناير المقبل أمرٌ شديد الأهمية ورسالةٌ واضحةٌ حول ضرورة الخروج من هذا الوضع غير الطبيعى فى فترة شديدة الصعوبة، لكن المهم أيضًا إطلاق عملية حوار، مضامين لا عناوين، كما نذكر دائمًا. حوار بين مختلف المكونات الفاعلة فى لبنان، أيًا كانت صيغة هذا الحوار، للتوصل إلى بلورة تفاهمات ضرورية حول خريطة الطريق التى يجب ولوجها فى عملية الإنقاذ الوطنى عند إنهاء الفراغ الرئاسى وانتظام السلطات.

صحيحٌ أن العامل الخارجى كان وما زال مؤثرًا بشكل كبير فى التعامل مع الأزمات الحادة التى يعيشها لبنان وذلك لأسباب لبنانية أساسية، كما شاهدنا دائمًا، لكن هنالك مسئولية لبنانية وطنية يشارك فى تحملها الجميع للتوصل إلى التفاهمات والتسويات المطلوبة. ولا بد من التذكير فى ظل الأوضاع التى يعيشها لبنان أنه إلى جانب الأزمة الخارجية المتعلقة بالحرب الدائرة هنالك أزمة بنيوية داخلية خطيرة تزداد تعقيدًا وكلفة مع الوقت وتطال الجميع: الأزمة الاقتصادية المالية بتداعياتها المتعددة الأبعاد ومخاطرها على الجميع ومسبباتها المختلفة ومنها السياسية فى إدارة شئون البلاد.
المطلوب استخلاص الدروس والعبر فى هذا الخصوص لولوج باب إصلاح شامل طال انتظاره وازدادت تكلفته مع الوقت. فالحوار العملى والهادف حول هذا الأمر أكثر من ضرورى لبلورة الخطوط العريضة والأفكار الأساسية لعملية الإصلاح الأكثر من ضرورية.

المطلوب فى حقيقة الأمر الانخراط فى مسار حوارى هادف يؤدي إلى انتظام السلطات مع انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل «حكومة مهمة». ومن الضرورى أن يستند برنامج السلطة الجديدة على الأفكار والمقترحات التى تكون ثمرة الحوار المطلوب. فالتحديات الوطنية كثيرة من مشاكل داخلية وأخرى خارجية مترابطة وتتأثر بعضها ببعض والمقاربة الشاملة ولو التدريجية فى معالجة التحديات أمر أكثر من ضرورى.

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  مقاهٍ في حياتي.. روما، نيودلهي، بيروت...
ناصيف حتي

وزير خارجية لبنان الأسبق

Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  اللبنانيون يريدون سلطة قرار.. أي سلطة