الصين تلعب في حديقة ترامب.. برفقة شريكها الروسي!

يُنظر إلى الحرب التجارية التي قرّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن تستهدف بالدرجة الأولى العملاق الصيني عبر تعريفات جمركية وصلت إلى مستوى 145%، على أنها قد تتحوّل إلى تهديد وجودي لدولة أقامت نموذجها الاقتصادي على الإنتاج الصناعي بين (30% من القدرة العالمية) وعلى التصدير.

قرّر الرئيس الصيني شي جين بينغ اعتماد أسلوب الردّ بالضربات المركّزة على الجبهة التجارية المفتوحة مع دونالد ترامب، وكذلك على الجبهات الصناعية والمالية والتكنولوجية. في هذا السياق، راحت الصين تُقلّص صادرات الأتربة النادرة، وتعمل لإثارة القلق في شأن الديون الأميركية، وصولاً إلى تجميد المشتريات من شركة “بوينغ” الأميركية العملاقة، لكن هل يمكن للصين أن تصمد في وجه الحصار الذي تحاول الإدارة الأميركية فرضه عليها؟

يقول الرئيس الصيني في هذا الشأن إنّ الاقتصاد الصيني هو “محيط وليس بحيرة”. وسيكون التحدّي الأوّل إعادة إطلاق الاستهلاك الداخلي الذي قاوم، حتى إعلان الحرب التجارية من الجانب الأميركي، محاولات السلطات في بكين إعادة تحريكه.

قوّة عظمى بديلة

غير أن الصين تبدو الآن مجهّزة للخوض في لعبة الحرب الاقتصادية على الطريقة الأميركية. وبحسب خبراء أوروبيين، فإنّ الصينيين جاهزون جداً، ومنظّمون جداً، وسوف يستخدمون كل الآليات المتاحة لديهم. ولا يستبعد الخبراء إيّاهم، وجود إرادة لدى الصينيين لالتقاط هذه الفرصة لقلب الاتجاه الذي يُمكن عندئذٍ أن يجعل الصين قوّة عظمى بديلة من الولايات المتحدة. وليس غريباً أن تكون الصين تعلّمت درساً من أزمة هواوي عام 2019 وحظر تصدير أشباه الموصلات الأكثر تقدماً والمواد الضرورية لتصنيعها. ومن هنا تصميم شي جين بينغ على الردّ على ترامب بضربات مُركّزة ليس على الجبهة التجارية فحسب بل أيضاً على الجبهات الصناعية والمالية والتكنولوجية.

وهكذا رأينا شركة صينية تحتفي بوصول ترامب ثانيةً إلى البيت الأبيض، عبر نشر نموذج للذكاء الاصطناعي من مستوى (Open AI) ولكنّه يستهلك موارد حسابية أقل بكثير. انفجرت قنبلة Deep Seek تحت أقدام منظومة التكنولوجيا المتقدمة الأميركية، وخرقت الفقّاعة المالية “ناسداك”!

وعلى الرغم من كل المعوقات التي تضعها واشنطن على طريق التقدّم التكنولوجي الصيني، راح المنافس الصيني يُثبت أنّه قادر على رفع تحدّي الاستمرار في السباق. فقد ردّ في الرابع من شباط/فبراير 2025 على إطلاق الدفعة الأولى من التعريفات الجمركية ضدّ الصين، بفرض تعريفات مقابلة تصل إلى 125%. كانت هذه ضربة أولى تطاول “غوغل” مع إعادة فتح تحقيق في شأن نظام “أندرويد“، ذلك أن المنافسة كأداة للضغط لا تقتصر على الغرب.

راحت الصين تُقلّص صادرات الأتربة النادرة، وتعمل لإثارة القلق في شأن الديون الأميركية، وصولاً إلى تجميد المشتريات من شركة “بوينغ” الأميركية العملاقة، لكن هل يمكن للصين أن تصمد في وجه الحصار الذي تحاول الإدارة الأميركية فرضه عليها؟

وجاءت الضربة الثانية مستهدفة نقطة ضعف أميركية هي الأتربة النادرة، علماً أن بكين تعتمد مجموعة من التدابير الخاصة لحماية صادراتها من هذه العناصر الحيويّة للصناعات الدفاعيّة، والطاقات المتجدّدة، والتكنولوجيا المتقدّمة.

والجديد في هذا الموضوع، أن بكين قرّرت في 4 نيسان/أبريل الماضي تشديد الرقابة المفروضة على تصدير 7 أنواع من الأتربة النادرة صار خروجها من البلاد شبه محظور، وهذه الأنواع تُسمى “أتربة ثقيلة”، وهي: سامّاريوم، غادولنيوم، تريبيوم، ديسبروسيوم، لوتينيوم، سكانديوم وإيتريوم. هناك نوع من الاحتكار الصيني لهذه الأتربة وهي تدخل في صنع الرادارات والذخائر الأميركية فضلًا عن طائرات “إف-35”.

ويُعتقد أنه لدى الأميركيين في لعبة التصعيد هذه مخزونات من هذه “الأتربة الثقيلة” لكن ما هو المدى الزمني المسموح لذلك؟ كذلك لدى واشنطن برنامج لإعادة إطلاق إنتاج سيادي خصّصت له وزارة الدفاع الأميركية 439 مليون دولار منذ العام 2020. وهناك تصوّر لاستكشافات جديدة في حقل الأتربة النادرة في الولايات المتحدة واستراليا وكندا، وذلك على مقياس كبير من شأنه تلبية الطلب حالياً وفي المستقبل. وكل ذلك يتطلب عقداً من الزمن ويقتضي مليارات كثيرة من الدولارات مع ضمانات مالية حكومية!

وسُجّل شكل ثالث من الردّ الصيني عندما انزلق اليوان نقاطاً عدّة بالنسبة إلى الدولار، ويُعتبر خفض اليوان بمثابة حجر يرميه الرئيس الصيني في حديقة ترامب الذي يرفض التلاعب بمعدّل سعر صرف العملة الصينية، ويريد دولاراً تنافسياً أكثر. وهنا رُبّما تجازف بكين باحتمال هروب الرساميل نتيجة التعامل بعملة صعبة ضعيفة.

يبقى الحديث عن الضربة الرابعة التي حدثت في 9 نيسان/أبريل الماضي، وذلك إبّان الهزّة التي تعرّضت لها السوق المالية الأميركية المعروفة بأنها آمنة. والملاحظ أن موجة الفوضى التي يثيرها ترامب وتطاول ثقة المستثمرين، لعبت دورًا في حالة الذعر في الأسواق المالية. ويُعتقد أن بكين ساهمت في هذه الحالة عبر بيع 60 مليار دولار. وقد أتت هذه الضربة أكلها إذ اضطُر ترامب إلى إعلان فترة سماح من 90 يومًا في نقل تعريفاته الجمركية إلى حيّز التنفيذ.

إلى ذلك شملت الردود الصينية أهدافاً رمزية مثل كتالوغ هوليوود والمشتريات من العملاق “بوينغ” الذي يرى السوق الصينية تُغلق أمامه ما دامت الحرب الاقتصادية دائرة.

تُفيد الوقائع أن الدعم الصيني لروسيا لا يتقلّص، في وقتٍ يتمسّك فيه بوتين وشي جين بينغ بنظام دولي عادل ومتعدّد الأقطاب بعيدًا عن الهيمنة الأميركية

الدعم الصيني لروسيا

إقرأ على موقع 180  صور القمة الخليجية.. ظلال وتساؤلات

في العالم الحقيقي، قَلَبَ الرئيس الصيني رأساً على عقب نظرية وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، وهي النظرية التي استعادها بعض الخبراء لتفسير أو تبرير التقارب بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ وقف شي جين بينغ إلى جانب بوتين في الساحة الحمراء في موسكو في مناسبة العرض الكبير في الذكرى 80 للنصر السوفييتي على النازية في الحرب العالمية الثانية. وشاركت وحدات صينية في عرض العاصمة الروسية، كما في عرض آخر في مدينة مينسك، عاصمة بيلاروسيا. واعتُبر هذا الحضور الصيني البارز الذي ترافق مع الزيارة الرئاسية الصينية إلى موسكو من 7 إلى 10 أيار/مايو الماضي رداً على خطوة الاصطفاف مع الحكومة الروسية التي أقدم عليها ترامب في بداية ولايته الثانية في محاولة لفصل روسيا عن الصين. وهذا يُذكّر بخطوة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ومستشاره الاستراتيجي كيسنجر في مطلع سبعينيات القرن الماضي المتمثلة في فتح الحوار مع الصين في عهد الزعيم ماو تسي تونغ وذلك لإبعاد بكين عن الاتحاد السوفييتي.

واقع الحال أن العلاقة الصينية – الروسية تخطو خطوات كبيرة، ويساهم الدعم الصيني، إلى حدٍّ كبير، في إبقاء الاقتصاد الروسي متماسكاً، وفي إدارة الصناعة الدفاعية الروسية لتغطية حاجات الحرب في أوكرانيا. وتُفيد الوقائع أن الدعم الصيني لروسيا لا يتقلّص، في وقتٍ يتمسّك فيه بوتين وشي جين بينغ بنظام دولي عادل ومتعدّد الأقطاب بعيدًا عن الهيمنة الأميركية.

يُذكر أن الصين تمكنت في العام الماضي من الحصول على فائض تجاري قوامه ألف مليار دولار، ما يعادل ثلاثة أضعاف الفائض في العام 2018، وهذه نقطة هامة في سياق الحرب التجارية بينها وبين الولايات المتحدة.

Print Friendly, PDF & Email
ميشال نوفل

كاتب وصحافي لبناني

Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180      النزيف العربي بانتظار الصفقات