رسالة نتنياهو القطرية: حربنا ضد إيران هي حربكم كلكم يا أهل الخليج!

تعدّدت الاجتهادات عن أهداف العدوان الإسرائيلي على قطر، الذي أثار الكثير من علامات الاستفهام. لكن، ربما بات واضحاً، الآن، أن تل أبيب أرادت توجيه "رسالة بالدم"، مُباركة أميركياً، مُلخصها أنه يتوجب على دول الخليج-وباقي الدول التي تُقيم علاقات معها-القبول بكل شروط ومندرجات الحرب الإسرائيلية على إيران وحلفائها من غزة إلى اليمن مروراً بلبنان وسوريا والعراق، وأن إمساك العصا من الوسط، لم يعد مقبولاً، وأنه ممنوع إقامة نظام إقليمي غير إسرائيلي.

يثير العدوان الاسرائيلي المفاجئ على الشقيقة قطر، المُرخّص له أميركياً كما بات مؤكداً حتى الآن، الكثير من علامات الاستغراب والاستفهام، ومنها:

هل من المنطقي أن تضرب إسرائيل في منطقة عربية، تُعدُّ الأكثر ترشيحاً ليس لإبرام المزيد من اتفاقات السلام وحسب، بل وللتطبيع الكامل مع الدولة العبرية، وعلى كل الصُعد الاقتصادية والاجتماعية وحتى الايديولوجية (إضغام أبراهام التوراتي، ومعه أرض إسرائيل الكُبرى الموعودة – بالنبي إبراهيم الإسلامي)؟

هل يُعقل أن تقبل واشنطن بأن يهتزّ استقرار منطقة تحتضنُ أكبر وأهم قواعدها العسكرية في المشرق وغرب آسيا، وتشكل منطلق أهم الواردات الاستثمارية إليها والتي لامست مؤخراً سقف التريليونات من الدولارات؟

كيف يمكن لقادة حُلفاء أميركا الأساسيين في الإقليم- السعودية ومصر وتركيا والمغرب- أن يستطيعوا النوم بعد الآن من دون أن يبقوا عيناً مشرعةً لمراقبة رئيس أميركي اسمه دونالد ترامب لا يتورع عن ممارسة الخداع الاستراتيجي حتى ضدَّ أقرب حلفائه وأصدقائه؟

***

هذه الأسئلة عميقة ودقيقة. لكنها في الواقع تقفز فوق حقيقة المعطيات الموضوعية الجديدة التي برزت مع بدء حروب العام 2023، والتي تشير؛ ببساطة ووضوح؛ إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة قررتا إنشاء نظام إقليمي مشترك جديد في المنطقة مهما كلّف الأمر. والحياد في هذه النقطة ممنوع. لكن، كيف سيُقام مثل هذا النظام؟

الإجابة، وببساطة، عبر تدمير النظام الإقليمي الذي حاولت إيران العمل على تأسيسه منذ انتصار ثورتها في العام 1979، بالتعاون مع حلفائها. وكل ما يجري الآن، في غزة ولبنان والعراق واليمن، وحتى داخل إيران نفسها، يندرج في هذا الإطار. وما يجب الاعتراف به (بمرارة) أن القوى الإقليمية الأساسية الأخرى، تركيا ومصر والسعودية، كانت تشعر بالارتياح ضمناً لتقليص أو حتى لضرب النفوذ الايراني في المنطقة، وذلك لاعتبارين إثنين:

الأول؛ أن إيران الإسلامية أرادت الاستفراد بإنشاء نظام إقليمي جديد، ما أثار المخاوف (السياسية والايديولوجية) في السعودية، والقلق والرفض (الجيو-سياسي) في مصر وتركيا. وهذا خطأ تكرّر عبر التاريخ الحديث للإقليم: مرة عندما حاولت “مصر الناصرية” بناء نظام إقليمي قومي عربي في مواجهة تركيا وإيران. ومرة عندما حاولت تركيا إقامة نظام إقليمي عثماني جديد بمعزل عن مصالح إيران ومصر والسعودية.

ومثل هذه الأخطاء كانت في أساس كارثة “لعبة الكراسي الموسيقية” الأميركية في المنطقة التي تحدث عنها باستفاضة أحمد داوود أوغلو، والتي تقوم على تحريض ضلعين من المُثلث الذهبي الحضاري في الإقليم ضدَّ إي ضلعٍ ثالثٍ متمرد.

الثاني؛ أن كلاً من تركيا ومصر والسعودية اعتقدت أن إنهاء النفوذ الإقليمي الإيراني، سيُمكًنها حتماً من ملء الفراغ وبثّ الروح في مشاريعها المنفردة الخاصة بالإقليم. بيد أن حسابات الحقل لدى كلٍ من هذه الدول لم تتطابق مع مخططات البيدر الإسرائيلي (والأميركي حُكماً)، ذلك لأن تل أبيب تخوض حربها ضدَّ إيران-على كل الجبهات- بهدف إقامة نظامها الإقليمي الخاص بها، وليس من أجل أن تترك لحلفاء أميركا فرصة قطف الثمار مجاناً.

إذا لم تلتقط القمة العربية-الإسلامية العتيدة المرتقبة في الدوحة هذه الرسالة، فقد تجد الهراوة الإسرائيلية (المُرخَص لها أميركياً) فوق رؤوس الجميع مجدداً

كما أن إسرائيل، وهنا الأهم، تزعم أنها تخوض حرباً وجودية بالدم مع إيران وحلفائها. وبالتالي من غير المقبول؛ بالنسبة إليها؛ أن يقف حُلفاء أميركا من العرب فوق السور يتفرجون على ما يجري ويتركونها وحيدة في الميدان، وفي الوقت نفسه يشاركون في الحملات الدولية ضدَّها تحت شعار حرية فلسطين ودولة فلسطين، ويقيمون الولائم لإيران ويستقبلون حلفائها (حركة حماس وغيرها).

***

هنا، وفي هذا الإطار بالذات، يجب وضع مدلولات الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق على الدوحة:

-إنه في الواقع رسالة بالنار إلى جميع حلفاء أميركا (بدعم أميركي) بأن عليهم النزول عن السور، والانضمام إلى الحرب ضدَّ إيران وحلفائها.

-إمساك العصا من الوسط، بين طهران وتل أبيب، لم يعد مقبولاً.

-ترك إسرائيل وربها ليقاتلا (ونحن هنا قاعدون) لم يعد مسموحاً به.

-إسرائيل، كما أعلن رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، ستواصل ضرب قطر، وأي دولة أخرى، إذا لم تنضم إلى حربها الشاملة.

هذه، إذن، قد تكون عناوين الرسالة الحقيقية من وراء الهجوم الصاروخي على قطر. ويفترض أن تكون قد وصلت الرسالة الآن إلى كل المعنيين في المنطقة. وإذا كان ثمة أحد من هؤلاء المعنيين ما يزال يراهنُ على أن الولايات المتحدة لن تترك الخليج وغيره وحيداً في مواجهة هذه الهراوة الإسرائيلية العنيفة، فعليه أن يتذكّر أن واشنطن- نفسها- انغمست في عهد الرئيس دونالد ترامب (وللمرة الأولى منذ 40 عاماً) في حربٍ مباشرةٍ مع إيران، وأنها بالتالي تدعم المساعي لإقامة نظامٍ اقليمي إسرائيلي والعمل على إعاقة كل ما يمكن أن يصب في صالح إقامة نظام إقليمي إيراني (وليس حتماً نظاما عربياً-إسرائيلياً، أو تركياً-إسرائيلياً).

إقرأ على موقع 180  إعادة هندسة العروبة.. وأنسنتها

***

لقد أشرنا في البداية إلى تعدّد الاجتهادات عن أهداف الاعتداء على قطر. لكن، ربما بات واضحاً الآن أن تل أبيب تحتضن في الواقع اجتهاداً واحداً لا غير، وهو أنه يتوجب على دول الخليج، وباقي الدول التي تُقيم علاقات معها، القبول بكل شروط ومندرجات الحرب الإسرائيلية على إيران وحلفائها. فالدم اليهودي غالٍ وموغل في لاهوته، واليهود تاريخياً لم يعتادوا تقديم لا الخدمات ولا الوجبات المجانية.

والآن، وإذا لم تلتقط القمة العربية-الإسلامية العتيدة المرتقبة في الدوحة هذه الرسالة، ستجد الهراوة الإسرائيلية (المُرخَص لها أميركياً) فوق رؤوس الجميع.

Print Friendly, PDF & Email
سعد محيو

كاتب سياسي، مدير منتدى التكامل الإقليمي

Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  "ليلى".. وكرّاسة الحاجات الحلوة في حياتها