الهجوم الإسرائيلي علی قطر.. “إسرائيل الكبری” قيد التنفيذ!

الهجوم الذي شنّه الكيان الإسرائيلي علی قطر أثار ويُثير ردود فعل اقليمية ودولية لما ينطوي عليه من تهديد ليس لقطر وحدها بل لكل دول المنطقة ولأمنها واستقرارها.

تناول كثيرون الاعتداء الإسرائيلي الذي طال دولة خليجية عربية مسلمة تلعب منذ اليوم الأول لحرب “الإبادة الإنسانية” التي تشنها دولة الاحتلال علی قطاع غزة، دور الوسيط، بشراكة كاملة مع مصر، سعياً منهما لإيجاد حل يؤدي إلى وقف هذه الإبادة التي ذهب ضحيتها مئات آلاف الشهداء والجرحى.

هنا ينبري السؤال: لماذا استهدفت إسرائيل دولة قطر؟ وما هي الأهداف التي تريد تحقيقها؟ ومن الذي يدعم مثل هذه الهيمنة والعربدة الإسرائيلية الأمنية والعسكرية؟ وما هي مآلات هذا العدوان الذي طال عدداً من دول المنطقة حتی وصل إلی دولة تابعة لمجلس التعاون الخليجي؟ وماذا بعد ذلك؟ هل يقف الكيان الإسرائيلي عند حد معين أم أنه سيُهدّد دول المنطقة كلها؟

في ظاهر الأمر، قالت إسرائيل إنها استهدفت قيادة حماس بوصفها المسؤولة عن حدث 7 أكتوبر الذي هزّ كل مفاهيم الأمن الإسرائيلي وعقيدة الجيش الإسرائيلي.. كما أن الإستهداف طال القاعة نفسها في الدوحة التي احتفل فيها قادة حماس بـ”طوفان الأقصى”..

البديهي أن الوفد الفلسطيني الذي تم استهدافه كان يناقش المقترحات التي تقدمت بها الولايات المتحدة إلى حماس عبر الوسيطين المصري والقطري، وبالتالي كان العدوان بمثابة استهداف للمفاوضات التي تريد انهاء “الإبادة الانسانية” في غزة خصوصاً وأن الكيان الإسرائيلي رفض وماطل كثيراً في مواجهة كل المقترحات الهادفة للتوصل إلى وقف نهائي لاطلاق النار والانسحاب من غزة.

ثمة اعتقاد سائد أن المعلن عن أسباب العدوان علی قطر مختلف عن المضمر مما تخفيه إسرائيل من مخططات وخرائط سياسية تريد تنفيذها في الشرق الأوسط بعد أن تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشكل واضح عن “الشرق الأوسط الجديد” و”إسرائيل الكبری”. في هذا السياق، يُمكن وضع العدوان في خانة تحقيق الأهداف الآتية:

أولاً؛ الرسالة التي أرسلتها إسرائيل إلی كافة دول المنطقة بما في ذلك مصر وتركيا بأنها قادرة على تنفيذ عمليات عسكرية وأمنية حتى في دول تستضيف قواعد أميركية، متی وجدت أن ذلك لمصلحتها ويحقق أهدافها.

ثانياً؛ ملاحقة قادة حركة حماس أينما وجدوا وهم في الغالب منتشرين في دول الاقليم، من دون احترام سيادة هذه الدولة أو تلك بعدما فشلت في السيطرة علی قطاع غزة وتحرير رهائنها بعد سنتين تقريباً من القتال و”الإبادة الانسانية”.

ثالثاً؛ تقويض دور قطر كوسيط، مما يخدم هدف إسرائيل القاضي بتهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية، فضلاً عن مصلحة نتنياهو بإطالة أمد الحرب حتى الإنتخابات الإسرائيلية المقررة في خريف العام 2026.

رابعاً؛ التأكيد علی قدرة إسرائيل على ضرب أي تهديد في كل دول المنطقة، بما فيها الدول الحليفة للولايات المتحدة.

خامساً؛ التماهي الاستراتيجي الأميركي – الإسرائيلي، بدليل نيل تل أبيب الضوء الأخضر من إدارة ترامب قبل تنفيذ العدوان، وهذا يؤكد مجدداً أن قاعدة “إسرائيل أولا” ما زالت هي القاعدة الذهبية التي تحكم التعامل الأميركي مع قضايا وشعوب منطقة الشرق الأوسط.

في هذا السياق، يندرج قرار الولايات المتحدة بنقل إسرائيل رسمياً من القيادة الأوروبية الأميركية “EUCOM” إلی القيادة الأميركية الوسطی “CENTCOM” في 15 يناير/كانون الثاني 2021، وهذه الخطوة جاءت ثمرة تغيرات جيوسياسية في المنطقة. علماً أن إسرائيل باتت الدولة الرقم 21 في منطقة “سنتكوم” إلی جانب دول أخرى مثل البحرين ومصر والأردن.

ويقول خبراء في “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنی” إن الولايات المتحدة ترغب في اعطاء إسرائيل دوراً أكثر فاعلية في إدارة الأوضاع الأمنية والعسكرية في الاقليم. ولذلك نالت إسرائيل الضوء الأخضر الأميركي في ساحات ومحطات مفصلية، وبالتالي لم تكن “سنتكوم” بعيدة عن العمليات العسكرية الإسرائيلية سواء في غزة، أم في لبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن وأخيراً وليس آخراً في قطر. وتتحدث مراكز الأبحاث الأميركية عن تواجد ضباط أميركيين تابعين للأسطول الأميركي الخامس بشكل دائم في مركز القيادة العسكرية في تل أبيب للإشراف علی الأعمال العسكرية الإسرائيلية في غزة والعديد من دول المنطقة.

وبرغم عدم وجود دليل مباشر على أن قاعدة العديد استُخدمت في الهجوم، إلا أن التقارير تشير إلى أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة قبل تنفيذ العملية، وهذا يشير إلى أن وجود “سنتكوم” يُسهّل التنسيق بين إسرائيل والولايات المتحدة، حتى لو كان بشكل غير رسمي. على سبيل المثال، قد تكون المعلومات الاستخباراتية التي حصلت عليها إسرائيل عن اجتماع قادة حماس في الدوحة مستمدة من أنظمة المراقبة الأميركية في المنطقة.

ومن السذاجة أن نتصور أن إسرائيل هاجمت قطر من دون علم الولايات المتحدة كما يتحدث البيت الأبيض لا بل إن المعلومات التي تنقلها مراكز الأبحاث الأميركية تتحدث عن تنسيق استخباراتي وعسكري وأمني مع “سنتكوم” في تنفيذ هجوم الدوحة. كما أن الوجود الأميركي قد يحد من التصعيد القطري أو الإقليمي ضد إسرائيل، مما يمنح إسرائيل مساحة لمواصلة ملاحقة أهدافها.

إقرأ على موقع 180  إلى الشّيخ سبينوزا: هل بيدنا "فعل" أيّ شيء؟ (2)

ويسود اعتقاد أن الهجوم علی قطر جاء في سياق تعزيز فكرة “الشرق الأوسط الجديد” التي لطالما بشّر بها نتنياهو وصولاً إلی رفعه مؤخراً شعار “إسرائيل الكبری” التي تمتد من النيل إلی الفرات، وبالتالي من غير المستبعد أن يستهدف الكيان الإسرائيلي تركيا أو السعودية أو مصر لأنها في صلب قائمة الأهداف الإسرائيلية ما لم تبادر دول المنطقة العربية والإسلامية التي ستجتمع في الدوحة غداً (الإثنين) إلى اتخاذ مواقف سياسية عالية السقف وإجراءات ميدانية رادعة وكفيلة بوضع حد للعربدة الإسرائيلية.

(*) ينشر بالتزامن مع جريدة “الصباح” العراقية

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  هل يُغرِق ترامب العرب في بحر.. غزة؟