لهذه الأسباب.. الحرب المفتوحة مع لبنان مستبعدة

بعد أن وضعت حرب غزة أوزارها، توجهت الأنظار إلى "الجبهة التالية"؛ فهل تكون الجبهة الشمالية مع لبنان، بحيث تشتعل ولا تنطفىء إلا بموجب اتفاقية مشابهة لاتفاقية غزة؛ وبالتالي من يقرأ جيداً مواقف الرئيس اللبناني جوزاف عون، سواء في ما يخص فتح باب التفاوض كما حصل مع الترسيم البحري قبل ثلاث سنوات أو بالدعوة إلى "إسناد لبنان بنموذج هدنة غزة"، يجد أنها تصب في خانة قطع الطريق أمام الحرب بالذهاب مباشرة إلى التفاوض، حول القضايا الأمنية العالقة بين الجانبين.

لم يكد يجف حبر توقيع اتفاق وقف النار في شرم الشيخ حتى راحت تعلو الأصوات القائلة بأن الحرب المقبلة سوف تكون من نصيب لبنان أو إيران، وأن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وجوقة المتطرفين معه، لا بد وأن يستكملوا حفلات جنونهم لتنفيذ مخططاتهم بتحقيق “النصر المطلق” والقضاء على كل تهديد للكيان، وهذا ما يُردّده دائماً نتنياهو، وقاله بمنتهى الوضوح من على منبر الأمم المتحدة بأن “السنة العبرية المقبلة سوف تكون سنة القضاء على محور المقاومة”.

برغم كل ما تقدم، لكن ثمة تحليل يستبعد الحرب المفتوحة على لبنان.. لماذا؟

أولاً؛ ثمة أسباب دفعت بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى طرح خطة غزة وفرضها على نتنياهو، وأبرزها الضغط العالمي على الولايات المتحدة، والذي تُرجم بإعلان 152 دولة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، أي بات بإمكان السلطة الفلسطينية اعتماد سفراء لها، مع كامل طواقمهم الدبلوماسية، في 83% من دول العالم. وهذا ليس تفصيلاً بسيطاً، بل سوف يؤرق ساسة الكيان في المحافل الدولية. أضف إليه، انسحاب معظم ممثلي الدول من القاعة العامة للأمم المتحدة فور صعود نتنياهو لإلقاء كلمته. هذا فضلاً عن العزلة الدولية التي تعيشها إسرائيل نتيجة الإبادة الإنسانية التي تمارسها على مرأى العالم أجمع في قطاع غزة.

ثانياً؛ أشار استطلاع لصحيفة “معاريف” الإسرائيلية نُشر على وقع بدء سريان العمل بخطة ترامب، إلى تقدم ملحوظ لحزب الليكود بزعامة نتنياهو، بحيث أنه، في حال حصلت انتخابات الكنيست غداً، يحتل الحزب المذكور الموقع الأول بـ 27 مقعداً.. على الرغم من أن الاستطلاع المذكور يشير إلى أن قائمة حزب الليكود لن تحظى بائتلاف يزيد عن 51 عضواً بالكنيست؛ فإذا أقدم نتنياهو على حل الكنيست ودعا إلى انتخابات مبكرة، فهذا يعني تأجيل الحرب على لبنان ستة أشهر على الأقل.

أضف إلى ذلك، في حال فاز نتنياهو بالانتخابات وتمكن من تشكيل ائتلاف من 61 وما فوق، من مجموع أعضاء الكنيست الـ120، لن يكون الائتلاف المقبل على غرار القائم حالياً، أقلّه لن يكون اليمين المتطرف بهذا الحجم والتأثير، خصوصاً أن الاستطلاع نفسه يُشير إلى أن قائمة حزب “الصهيونية الدينية”، برئاسة وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، لن تتمكن من تجاوُز نسبة الحسم (3،25%)، التي تخولها الدخول إلى الكنيست. ولن تحصل قائمة “عوتسما يهوديت” (قوة يهودية)، برئاسة وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، على أكثر من 6 مقاعد. وبالتالي، احتمال تغيّر توجهات ورؤى الحكومة الجديدة تجاه الجبهات المفتوحة، ومنها لبنان يصبح وارداً. خصوصاً أن هناك من يدعو في إسرائيل إلى “ضرورة استغلال الإنجازات المحققة على كل الجبهات وتحويلها إلى وقائع سياسية مستدامة، وعدم تكبير الطموحات والأحلام حتى لا نخسر كل شيء”.

والأمر نفسه يسري، بطبيعة الحال، في حال فازت قائمة الحزب الجديد “بينت 2026″، برئاسة رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بينت، والتي ستحصل هذه القائمة على 19 مقعداً وفقاً لاستطلاع “معاريف” نفسه، لناحية اعتماد الحكومة رؤية واستراتيجية مغايرة للاستراتيجية القائمة حالياً.

ثالثاً؛ لا شك ان إسرائيل بحاجة لفترة راحة بعد انهاء حربها على غزة، وقبل خوض حروب أخرى، مع إبقاء الأوضاع على حالها في لبنان وسوريا، لناحية حرية الحركة البرية والجوية والبحرية في البلدين المذكورين. ويقول رئيس الاستخبارات الإسرائيلية الأسبق، ومدير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، تامير هايمان، بأن على إسرائيل، وقبل كل شيء، “أن تبدأ بطور التعافي وإعادة البناء؛ نحن مطالَبون بإعادة بناء الاقتصاد، واستعادة مكانتنا الدولية، ومحاولة معالجة أهم ما لدينا: الانقسام السياسي، الذي تحوّل إلى استقطاب اجتماعي يتّسم بخطاب سام، وعنف لفظي، وعمق من الشر لم نعرفه من ذي قبل”. هذا فضلاً على ما واظب على ترداده رئيس الأركان، إيال زامير، في الفترة الأخيرة، لناحية وجوب إعادة ترميم وتأهيل الجيش بعد حرب سنتين متواصلتين على “سبع جبهات”.

رابعاً؛ ثمة كلفة صفرية للحرب التي تخوضها إسرائيل ضد حزب الله منذ وقف النار قبل سنة حتى الآن، وبالتالي تستطيع قتل من تشاء وقصف أي هدف، فضلاً عن منع العودة إلى قرى جنوبية ومنع إزالة الأنقاض ومنع اعادة الإعمار ولا سيما في قرى الحافة الأمامية، فضلاً عن اقامة منطقة عازلة والإمساك بالعديد من النقاط الإستراتيجية في الأراضي اللبنانية واعتقال مواطنين لبنانيين أبرياء.. كل ذلك في ظل توجه لإعادة جميع المستوطنين في الشمال مع نهاية العام الحالي، وهو أمر تجد حكومة نتنياهو صعوبة في الوصول إليه بسبب عدم الثقة باستتباب الأمن في الشمال، فكيف إذا قررت فتح الحرب وقرر حزب الله الرد صاروخياً على الشمال؟

إقرأ على موقع 180  خطة بايدن.. أميركية أم إسرائيلية أم مجرد خداع تفاوضي؟

والجدير ذكره أن عدد المستوطنين العائدين إلى مستوطناتهم في الشمال حتى نهاية أيلول/سبتمبر 2025 بلغ حوالي خمسين ألفاً من أصل حوالي السبعين ألفاً.

في الختام، وبخلاف ما غرّد به الرئيس جوزاف عون، ودعوته للاقتداء بنموذج غزة، ثمة من يقول في إسرائيل العكس، بحيث يرى الصحفي يائير كراوس في “يديعوت أحرونوت”، أن الجواب على كيفية التعاطي مع حركة “حماس” في اليوم التالي، موجود في النموذج الشمالي (يقصد جبهة لبنان)، ويُكمل “لقد انتهى عهد الجولات في غزة، وانتهى عهد الهدوء في مقابل الهدوء، والخوف من أيام قتال، والاختبار من الآن فصاعداً هو أن يقف الجيش الإسرائيلي على الخطوط الجديدة، في المنطقة العازلة، أمام سكان غلاف غزة، وأن يستمر في الأعمال الهجومية غير المتوقفة ضد كل محاولة لإعادة بناء “الإرهاب”. كل مسلح يرفع رأسه، وكل محاولة لإقامة بنية تحتية، وكل نشاط شبه “إرهابي” يجب أن يقابَل بنار فورية”. وهذا ما أشار إليه نتنياهو قبل أشهر، بقوله إن الجيش الإسرائيلي “يضرب حزب الله كلما رفع رأسه”!

وبالتالي، إمكانية استمرار النموذج الإسرائيلي القتالي القائم في لبنان منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، واردة، مع مزيد من التصعيد وتوسيع دائرة الاستهداف على غرار ما جرى في المصيلح وقبلها في أنصارية للضغط على المقاومة وبيئتها وفرض اتفاق أمني على غرار الذي تنشده تل أبيب مع الرئيس السوري أحمد الشرع.

Print Friendly, PDF & Email
مهدي عقيل

أستاذ جامعي، كاتب لبناني

Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  هل يجرؤ "نواب التغيير" على تعديل قانون الأحزاب؟