“هآرتس”: ترامب يلجم نتنياهو لبنانياً.. ويُذخّر حكومة سلام سياسياً!

Avatar18005/12/2025
يقول الكاتب الإسرائيلي تسفي برئيل في مقالة له في صحيفة "هآرتس"، أمس (الأربعاء) إن موافقة لبنان على تعيين الديبلوماسي اللبناني السابق سيمون كرم رئيساً للوفد اللبناني المفاوض في لجنة "الميكانيزم" والانخراط من خلالها بمفاوضات سياسية مع إسرائيل "جاءت بعد أن أصبح تهديد توسيع الحرب ملموساً وفورياً، وإلى جانبه ضغط ديبلوماسي كبير مارسته الولايات المتحدة على لبنان. وفي المقابل، مارست دول عربية، وعلى رأسها السعودية ومصر وقطر، ضغطاً على واشنطن لتهدئة إسرائيل". وفي ما يلي النص الكامل للمقالة كما ترجمتها "مؤسسة الدراسات الفلسطينية".

“بعد التحذير التوبيخي الذي وجهه دونالد ترامب إلى بنيامين نتنياهو رداً على العملية العسكرية التي تعقدت في بلدة بيت جن في الجولان السوري، وتعليماته بأنه “من المهم أن تجري إسرائيل حواراً حقيقياً ومتيناً مع سوريا، وألاّ يحدث شيء قد يعرقل تطورها إلى دولة مزدهرة”، برز أمس الأول (الأربعاء) أيضاً استعراض قوة من الولايات المتحدة على الجبهة اللبنانية؛ إذ يشير تعيين ممثل مجلس الأمن القومي، أوري رزنك، رئيساً للوفد الإسرائيلي في لجنة الرقابة على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، بالتوازي مع تعيين الديبلوماسي اللبناني المخضرم سيمون كرم لقيادة الوفد اللبناني، إلى اختراق ديبلوماسي قد يبطئ، وربما يجمد، الاندفاع نحو مواجهة عسكرية بين الدولتين.

بالنسبة إلى لبنان، تُعد هذه خطوة سياسية مهمة، إذ إن قيادة الدولة، وعلى رأسها الرئيس جوزاف عون، رفضت حتى الآن منح لجنة الرقابة (“الميكانيزم”) حتى مظهراً بعيداً يؤشر إلى إطار لإدارة مفاوضات سياسية يمكن تفسيرها كبداية لمسار نحو التطبيع مع إسرائيل. صحيح أن عون تحدّث كثيراً في الأسابيع الأخيرة عن ضرورة التفاوض مع إسرائيل، باعتبار ذلك مساراً لترتيبات أمنية، لكنه امتنع من نطق مصطلح “مفاوضات مباشرة”. وحتى الآن، وبعد تعيين كرم، فقد حرص رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام على تأكيد أن “هذه ليست محادثات سلام. وأي تطبيع سيكون مرتبطاً بعملية سلام شاملة، وهي لا تزال بعيدة عن التحقق”. ومع ذلك، أضاف قائلاً: “هناك استعداد لتفاوض ذي طابع عسكري”.

لم يوضح سلام ما إذا كان لبنان سيوافق على مفاوضات سياسية محدودة أو اتفاقات اقتصادية كما لمّح نتنياهو، لكن من المهم في هذا السياق النظر إلى ما قاله سيمون كرم في تموز/يوليو الماضي؛ ففي مؤتمر عُقد في جامعة القديس يوسف في بيروت، وجّه الديبلوماسي البالغ من العمر 75 عاماً، وهو من أبرز المعارضين لحزب الله، اتهاماً بقوله: “مَن وافقوا على وقف إطلاق النار مع إسرائيل (في إشارة إلى حزب الله) يطلقون الآن ناراً سياسية وأمنية كثيفة على الساحة الداخلية في لبنان؛ فهم يهاجمون الدولة لأنها تبنت الخيار الديبلوماسي، وهو الخيار الوحيد الممكن بعد الكارثة (النكبة بحسب تعبيره). لقد هاجموا الجيش لأنه غير قادر على حماية الدولة ومواطنيها، والقوات الدولية لأنها تسعى لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة. كل هؤلاء خونة ومتآمرون… إن الخيار الديبلوماسي يعني قبول المفاوضات في ظل ميزان القوى الحالي، وهو الطريق الممكن الوحيد المتاح أمام الدولة”.

وجاءت موافقة لبنان على دخول مفاوضات تحمل سمات سياسية لا عسكرية بحتة بعد أن أصبح تهديد توسيع الحرب ملموساً وفورياً، وإلى جانبه ضغط ديبلوماسي كبير مارسته الولايات المتحدة على لبنان. وفي المقابل، مارست دول عربية، وعلى رأسها السعودية ومصر وقطر، ضغطاً على واشنطن لتهدئة إسرائيل. وبدوره، بدأ الضغط الأميركي قبل بضعة أسابيع، عندما أوضح المبعوث السابق، توم برّاك، لقيادة لبنان أن “الولايات المتحدة لن تتدخل بعد الآن في وضع تسيطر فيه منظمة ’إرهابية‘ أجنبية (حزب الله)، ودولة فاشلة (لبنان) تملي الوتيرة وتطلب مزيداً من الموارد والمال والمساعدات”. وقد فُسر كلامه بأنه منح إسرائيل الضوء الأخضر للتحرك عسكرياً وفقاً لرؤيتها. وانضم إلى ذلك تصريح السفير الأميركي في لبنان، ميشال عيسى، الذي قال في مقابلة مع ليزا روزوفسكي (“هآرتس”، 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2025) إن “إسرائيل ليست في حاجة إلى إذن من الولايات المتحدة لتدافع عن نفسها”.

لكن كانت لبرّاك، الذي يصعب قول إن تصريحاته تتسم بالثبات، ملاحظة أُخرى، إذ قال إنه “إذا أراد اللبنانيون دخول مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، فسوف نساعدكم. سنضغط على إسرائيل لتكون عقلانية”. وربما وصل الآن تفسير الولايات المتحدة لمصطلح “عقلانية”، والذي قد يعني الطلب من إسرائيل وقف إطلاق النار طالما المفاوضات مستمرة، وطالما نقاش مراحل الانسحاب من النقاط الخمس التي سيطرت عليها في لبنان تجري بجدية، وكذلك مسألة ترسيم الحدود البرية. هذا المسار سيتطلب أيضاً مفاوضات موازية مع سوريا التي تدعي ملكية مزارع شبعا، وهي نقطة الخلاف الأكثر انفجاراً في قضية ترسيم الحدود. وسيبيّن سلوك إسرائيل في الأيام المقبلة ما إذا كانت قد وافقت على التخلي عن مبدأ المفاوضات تحت النار، بينما سيتعين على لبنان إظهار عزمه وقدرته على تطهير جنوب البلد من أسلحة حزب الله ومنشآته. أمّا تفكيك السلاح في شمال البلد، فمن المرجح أن يحظى بمهلة إضافية، سيحاول خلالها الرئيس جوزاف عون ورئيس الحكومة سلام تحقيق تفاهمات مع حزب الله.

وفي هذا السياق، تبرز أهمية تصريح سلام بأن “المفاوضات غير المباشرة (مع إسرائيل) تُجرى تحت مظلة وطنية واضحة. وهذه الخطوة محصنة سياسياً، وتحظى بإجماع داخلي.” فالنقاش العام والسياسي والإعلامي في لبنان معظمه يدعم الخطوة التي اتخذتها الحكومة، لكن كان من المهم لسلام قول ذلك “بصوت عالٍ” يُسمع، ليس فقط في الضاحية، بل أيضاً في طهران. أمّا حزب الله، المتمسك بموقفه الرافض لنزع سلاحه، فقد ترك مسألة المفاوضات ضبابية؛ إذ لم يأتِ الأمين العام، (الشيخ) نعيم قاسم، على ذكرها إطلاقاً في الرسالة العلنية التي وجهها الشهر الماضي إلى القادة الثلاثة – عون، وسلام، ورئيس البرلمان وزعيم حركة “أمل” نبيه بري – والتي عرض فيها سياسة الحزب.

غير أن اختبار سلوك حزب الله، الذي سبق أن وافق على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، لن يكون بشأن موافقته أو معارضته لمبدأ المفاوضات، إنما سيكون عندما يبدأ الجيش اللبناني عملية منهجية لجمع سلاحه في شمال لبنان والبقاع. ومع اقتراب هذه المرحلة، فمن المتوقَع أن ترغب الولايات المتحدة في تزويد حكومة لبنان بذخيرة سياسية وديبلوماسية تسهل عليها الوصول إلى تفاهمات مع حزب الله، أو الحصول على شرعية شعبية إذا اضطرت إلى مواجهته.

وهنا يُتوقع من إسرائيل أيضاً أن تمنح لبنان مكاسب سياسية، كالانسحاب من النقاط الخمس، وإطلاق سراح المعتقلين اللبنانيين لديها، والسماح بعودة آلاف المواطنين اللبنانيين، ومعظمهم من الشيعة الذين فرّوا من قراهم في جنوب لبنان ولم يعودوا إلى منازلهم بعد. هذه الخطوة ضرورية أيضاً لتمكين الجيش اللبناني من الانتشار على طول الحدود كما نص اتفاق وقف إطلاق النار، وبالتالي استكمال بسط سيادة الحكومة على المنطقة التي كانت لعقود خارج نطاق سيطرتها. كما لها أيضاً أهمية أُخرى تتعلق بالصراع السياسي والاقتصادي حول إعادة إعمار لبنان.

فقد تعهد حزب الله بتعويض سكان جنوب لبنان والضاحية الجنوبية عن الأضرار التي لحقت بهم، وخلال أيام الحرب قدّم إلى بعض النازحين مبالغ مالية لدفع الإيجار وشراء الأثاث والمعدّات الأساسية، وهي أموال وصل بعضها من إيران. ومع تقدُّم المفاوضات بين إسرائيل ولبنان وتحوُل وقف إطلاق النار إلى وضع ثابت، يُتوقع أن تتحول معركة إعادة إعمار لبنان إلى ساحة الصراع السياسي المقبلة بين حزب الله والحكومة اللبنانية، وخصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أنه من المتوقَع إجراء انتخابات برلمانية بعد نحو 6 أشهر- وهي الانتخابات الأولى بعد الحرب– وهي التي يُرتقب أن تكون حاسمة بالنسبة إلى مكانة حزب الله الشعبية والسياسية، سواء أمام خصومه أو أمام شريكه نبيه بري الذي ينافسه على تمثيل الطائفة الشيعية. ومن هنا تأتي الأهمية الكبيرة لسيطرة الحكومة على مشروع إعادة الإعمار بطريقة تحرم حزب الله من أدوات النفوذ لدى سكان الجنوب، ومن هناك لدى الساحة السياسية اللبنانية بأسرها.

ولأن إسرائيل قلقة من نشاط حزب الله وتشتكي عن حقٍ ضعفَ حكومة لبنان، فعليها أن تدرس الصراعات السياسية في لبنان ضمن رؤيتها الأمنية تجاهه، وعلى ضوء ذلك، فعليها أن تفكر في الفائدة التي تجنيها من استمرار سيطرتها على المواقع الخمسة داخل لبنان في مقابل الأضرار التي تسببها هذه السيطرة بقدرة الحكومة اللبنانية على استثمار إعادة إعمار الجنوب كوسيلة لانتزاع القوة من حزب الله”.

(*) المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  المواطن.. فريسة الجنجويد في السودان الشقي
Avatar

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  مردخاي فعنونو وضمير الردع المكسور