اجتماع طهران الثلاثي.. هل يُرمّم الثقة الهشّة بين السعودية وإيران؟

استقبلت طهران، الأسبوع الماضي، وكيل الشؤون السياسية في وزارة الخارجية السعودية سعود بن محمد الساطي، وذلك في أول تواصل رسمي بين البلدين في أعقاب زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الرسمية إلى واشنطن قبل ثلاثة أسابيع، وما أعقبها من تسريبات مفادها أن السعودية يُمكن أن تلعب دورًا في إعادة إحياء المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن، الأمر الذي من شأنه تخفيف التوترات الإقليمية.

تأتي زيارة الساطي في سياق مناخ التشاور الإيراني السعودي المفتوح بين العاصمتين على مستويات عديدة، كما تُمثّل خطوة إضافية في مسار تطبيع العلاقات الذي بدأ في ربيع العام 2023 بوساطة صينية. كما تأتي أيضًا عشية لقاء ثلاثي سعودي–إيراني–صيني من المقرر عقده في طهران قريبًا، وذلك استكمالًا لمندرجات اجتماع بكين الشهير ووثيقته التي كرّست عودة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين.

ومن المعروف أن اجتماع بكين قبل نحو ثلاث سنوات طوى صفحة التعرض للسفارة السعودية في طهران عام 2016، وما أدى إليه ذلك الحدث من قطيعة بين طهران والرياض استمرت سبع سنوات، وهذا الأمر لم يكن مجرد حدث يرتبط فقط بإعدام شخصية دينية شيعية في السعودية، وإنما جاء تتويجًا لاحتقان سياسي وأمني وتضارب مصالح، وتحديدًا في ساحات لبنان وسوريا واليمن، مع اتهامات متبادلة بالتدخل في الشؤون الداخلية. وأدى هذا الوضع إلى سباق تسلّح وتوترات إقليمية هدّدت الأمن والاستقرار في المنطقة.

وما شهدته بكين في آذار/مارس 2023، كان أيضًا تتويجاً لمفاوضات استكشافية احتضنها العراق خلال العام 2022، أعقبتها وساطة صينية توصلت إلى اتفاق أعاد فتح السفارات، وهو الاتفاق الذي قال الرئيس الصيني شي جين بينغ عنه إنه “نموذج للحلول السلمية” بين الدول.

كان الاتفاق مدفوعًا بمصالح مشتركة وتفهّم واضح لدى البلدين لضرورة معالجة المشاكل بينهما وتذليل حالة “التدافع السياسي” التي انعكست على العديد من الملفات الإقليمية، كما انعكست على مواقف وسلوك أصدقاء وحلفاء طهران والرياض في الإقليم.

لكن، وبالرغم من كل ذلك، لم يشهد مسار تطبيع العلاقات تطورًا ينسجم مع حجم المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية، والإمكانات السياسية والاقتصادية والثقافية التي يختزنها البلدان، لا سيما في ضوء التحديات الكبرى التي تواجهها شعوب المنطقة، وأبرزها التهديد الإسرائيلي المتمادي بإنشاء “شرق أوسط جديد” على مقاسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتطلع نحو “إسرائيل الكبرى” التي بشّر بها نتنياهو أيضًا في ضوء مآلات المشهد الإقليمي.

وعلى الرغم من الزيارات المتبادلة التي شهدتها الرياض وطهران على المستويين السياسي والعسكري خلال الفترة الأخيرة، والتي ركزت على قضايا مثل غزة ولبنان والأمن الإقليمي، إلا أنها لم تُترجم اتفاقيات ملموسة في جوانب عديدة ولا سيما على الصعيدين التجاري والاقتصادي.

اتفاقية تعاون سياسي

وخلال الزيارة التي قام بها سعود بن محمد الساطي إلى طهران ولقاءاته مع المسؤولين الإيرانيين بحضور السفير السعودي في طهران عبدالله بن سعود العنزي، أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بعد استقباله الديبلوماسي السعودي على أهمية أن يكون هناك “تنسيق إقليمي أقوى” بين البلدين في مواجهة “التهديدات الإسرائيلية” في غزة ولبنان وسوريا، محذرًا من أنّ عمليات إسرائيل تشكل “خطرًا على السلام الإقليمي”. في حين شدّد الساطي على “الحاجة إلى تنسيق أوثق بين الدولتين للحفاظ على استقرار الشرق الأوسط”، مشيرًا إلى دور منظمة التعاون الإسلامي في إدانة الانتهاكات الإسرائيلية.

الساطي التقى أيضًا مبعوث إيران الخاص للشؤون السورية محمد رضا رؤوف شيباني، وناقش معه التطورات الإقليمية، وتحديدًا في لبنان وسوريا، خصوصًا أن شيباني رشّحته إيران لرئاسة بعثة سفارة الجمهورية الإسلامية في لبنان، خلفًا للسفير الحالي مجتبى أماني، علمًا أن شيباني سيبقى مُمسكًا – من موقعه في بيروت – بالملف السوري أيضًا. ووصف نائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي العلاقات بين الرياض وطهران بأنها “استراتيجية” لمصلحة الاستقرار الإقليمي والعالمي.. وهذه العبارة الأخيرة تشي بأن البلدين يسعيان للتوقيع على اتفاقية للتعاون السياسي، وهذه البادرة – إن تحققت – “ستكون خطوة متقدمة إلى الأمام، وإن لم تكن كافية”، على حد تعبير مصادر مطلعة.

وإذا ما أضيفت إلى هذه الزيارة الاجتماعات الثلاثية السعودية–الإيرانية–الصينية التي ستعقد خلال أيام في طهران، فإن ذلك من شأنه أن يخلق أرضية مهمة تستطيع الحد من التوترات الإقليمية.

لعبة مزدوجة أم وهم الثقة؟

ومع ذلك، يرى محللون إيرانيون أنّ زيارة سعود الساطي، وإن كان طابعها سياسيًا ثنائيًا، تحمل في طيّاتها مؤشرات “لعبة مزدوجة” لكسب نقاط سياسية من إيران من جهة، ومن جهة أخرى للحفاظ على تحالف المملكة الأمني مع الولايات المتحدة كضمانة في مواجهة ما يُسمى “التهديد الإيراني”!

ويسود اعتقاد بأن مثل هذه المواقف تعكس حالة من انعدام الثقة بين البلدين، هي نتاج سنوات من الاتهامات المتبادلة بدعم الإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية هنا وهناك، الأمر الذي يتطلب مقاربات واقعية لإعادة بناء حالة الثقة التي تعتبر الإطار الواقعي والحقيقي الذي يمكن أن تستند إليه أية علاقات قابلة للتطور بين الدول في المجالات المختلفة.

وعلى الرغم من الزيارة التي قام بها الأمير خالد بن سلمان، وزير الدفاع السعودي، إلى طهران في نيسان/أبريل 2025 ولقائه المرشد الإيراني الأعلى الإمام علي خامنئي وتسليمه رسالة خاصة من القيادة السعودية تضمنت دعوة للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لزيارة الرياض، فإن هذه الدعوة لم تُلبَ حتى الآن، وهو ما أثر على زيارات متبادلة على مستوى عالٍ لمعالجة حالة انعدام الثقة بين البلدين. كما انعكست هذه المسألة على عدم تفعيل الاتفاقيات الأمنية والتجارية التي وُقعت خلال الأعوام 1997 و2001 والتي أعاد اتفاق بكين التأكيد على أهميتها.

إقرأ على موقع 180  رئيس لبنان المقبل.. والرُّقـْيةُ الأميركية

وفي حقيقة الأمر، وبعيدًا عن الشعارات المنمقة، فإنّ العلاقات الإيرانية–السعودية تكشف هشاشة الثقة بين الجانبين. وبينما يدفع الضغط الإقليمي نحو التعاون، تبقى المصالح الجيوسياسية المتضاربة عائقًا رئيسيًا لتحقيق تقارب حقيقي يحتاجه الطرفان لأجل عقد اتفاقيات تجارية وتثبيت آليات محددة لحل النزاعات. وبخلاف ذلك، قد تكون مثل هذه الزيارات شكلية وروتينية وبروتوكولية بينما يضج المسرح الإقليمي بالتوترات التي درجت العادة أن يفوز فيها اللاعبون الكبار على حساب الشعوب.

إن تعزيز الثقة، الذي يعدّ العائق الأهم أمام تطوير العلاقات، إذا توفر، سيكون كفيلًا بمعالجة الكثير من المشاكل والتحديات التي تواجه البلدين، وأبرزها حاليًا الملف النووي الإيراني الذي يراه السعوديون تهديدًا خطِرًا على التوازن الإقليمي، وبخاصة مع عودة التهديدات الأميركية بتوجيه ضربات عسكرية جديدة ضد إيران.

إن الإصرار على عامل الثقة ينبع من أهمية التعاطي بحرية من دون حذر ومن دون قيود للسير نحو شراكة إقليمية مستدامة، ضمن إطار الالتزام المشترك بالحوار وحسن الجوار، ما من شأنه أن يفتح الباب أمام استقرار إقليمي يفيد جميع شعوب المنطقة.

(*) يُنشر بالتزامن مع جريدة “الصباح” العراقية

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  الحريرية بين الأب والإبن: إنها السعودية يا عزيزي (2)