قواعد ترامب الأربعون للبقاء في البيت الأبيض

يبدو دونالد ترامب خلال الأيام الأخيرة زعيماً يعرف كيف يخفي الإصابات والأوجاع الناجمة عن أزمات وتطورات غير مناسبة لما يرغب في تحقيقه. في الوقت نفسه، يبدو واثقاً، وإن بجهد وقدرة فائقة، أنه استطاع أن يجمع من إمكانات القوة والنفوذ والإتصالات والمال ما يجعله أو يجب أن يجعله مطمئناً إلى أنه ليس بعيداً عن الفوز، بل لعله أقرب إلى هذا الفوز مما كان عليه في الفترة المماثلة من المرحلة السابقة على الإنتخابات الرئاسية الماضية.

من جانبي، وهو جانب هام في الموضوع، أشعر أن حماستي لمتابعة هذه الإنتخابات  لم تفتر. كنتُ باستمرار واضحاً ومبرراً هذه الحماسة بمنطق بسيط. أنا المواطن من مصر أعتقد أن لا رئيس لأية دولة في العالم، طبعا باستثناء الرئيس المصري، أشعر تجاهه بأنه يؤثّر في حياتي السياسية والاقتصادية بل والشخصية مثلما يؤثر أحياناً رؤساء أمريكيون، ومثلما أثّر بالتأكيد هذا الرئيس، المدعو دونالد ترامب. أشعر وأعرف أن كثيراً من الملمات التي أصابتني كانت من تداعيات مباشرة لأفعالهم، أو من تداعيات غير مباشرة. لن أنكر على كل حال أن بعض السعادة، تسربت إليّ حيث أكون، فعشتها. عشت تداعيات الفوضى التي أطلقها من أقفاصها الحديدية بإعلانه أنه سوف يواصل سياسة خلفه الرئيس باراك اوباما، سياسة الإنسحاب من الشرق الأوسط. كان الأمل أن بانسحابه ننفرد أهل الإقليم ببعضنا فنستقر على رأي موحد ونعيد لملمة أجزاء حضارتنا وطموحاتنا، وهي بالقياس متواضعة. حتى الفوضى لم يتركونا ننعم بها، أو انغمسنا فيها ثم عدنا فوجدنا آخرين سبقونا إلى المكان.

***

إقترب موعد إجراء الإنتخابات. إقترب الموعد وسط مفاجآت وتطورات لم يتوقعها أي منا في أيام مماثلة قبل أربع سنوات. أنا شخصياً أفتقد المهرجان حيث كانت تجري طقوس إختيار مرشح الحزب. أفتقده لأنه يكشف بدون خجل عن قدر من الوثنية ما زال يكسب السياسة الداخلية في أمريكا ألواناً محببة للبعض ومقززة لبعض آخر. هذه الوثنية وجدناها في كثير من ممارسات الرئيس ترامب خلال فترة حكمه. لا أخفي أنني كثيراً ما حكمت على فساد الحكم وتناثره في مختلف دوائر إدارته بأنه نوع من العلاقات الوثنية التي ربطت بين أصنام وعبدتها. بل لعلني في أكثر من حوار حول الديموقراطية كما يراها بعض القريبين من الحزب الجمهوري لم أخف خوفي على مصير القوة الرخوة التي جذبتنا لأمريكا لو استمرت الأدوات الترامبوية في ممارسة العشق المفضوح بالفساد والديموقراطية الزائفة. لم أخطئ أو هكذا يروح ظني. فمن ثنايا الشقوق في جدار الغرب تخرج أصوات غاضبة أو عاتبة تحمل هذا العشق وهذا العهد تحديداً مسئولية في مسلسل انحدار الغرب، أيديولوجية وثقافة وحضارة.

***

يثق كثيرون في أن فرص الرئيس ترامب في الفوز تناقصت ويستمر تناقصها. وعلى الجانب الآخر، يثق عدد متساوٍ أو يكاد يتساوى في أن فرص فوز المرشح الديموقراطي جو بايدين ازدادت وتستمرة بالزيادة. يجري هذا السباق بين الفرص في جو يهيمن عليه احتمال خبيث، وهو أن يستخدم الرئيس ترامب سلطاته عند اللزوم لوقف السباق وإعلان نتيجة مزورة وفرض أمر واقع ليس فقط على أمريكا والأمريكيين ولكن أيضاً على العالم والبشر أجمعين. يذهب محللون إلى أن الرئيس ترامب قد لا يلجأ لهذه الخطوة الدراماتيكية فلديه كما يعرف العارفون والأقربون عشرات الخيارات وعديد الدروب ليسلكها إن أراد الوصول إلى هدفه بخسائر أقل وثمن غير باهظ. في ما يلي نماذج خيارات ودروب يتحدثون بها:

أولاً، إن نسينا كثيراً من مصادر قوة دونالد ترامب، فلن ننسى هذا الرصيد الهائل من العلاقات التي أقامها ترامب مع عشرات السياسيين وصانعي القرار في عديد الدول والشركات الكبرى. كان صريحاً في حملته الإنتخابية قبل أربعة أعوام عندما حذرنا   كمواطنين في بلده أو في خارجها مستفيدين أو متضررين من أنه سوف يتعامل مع كافة الشعوب والدول كما يتعامل مع زبائن ساعين إلى عقد صفقات. وليتأكد من أننا فهمنا الدرس، قرر علينا كتاباً يحمل إسمه حول هذا الأسلوب في حكم بلاده والعالم، وظل على إمتداد السنوات الأربع يمتحننا ويختبر قدراتنا في تطوير أسلوبه لخدمة منافع مشتركة. أتصور أن المرحلة الأخيرة من حملته الانتخابية سوف تشهد سباقاً منفرداً في هذا المجال إذ لن يتحصل جو بايدين وزميلته كاملا هاريس على إمكانات مناسبة للدخول متسابقاً ثانياً في سباق صفقات على هذا المستوى. هنا يتفوق الرئيس ترامب. سوف تظهر في اللحظات الأخيرة فرص لصفقات لم يحلم رئيس أمريكي سابق بعقد مثيلاتها.

كان الظن أن يحتفظ اليمين الأمريكي بهيمنته على مختلف ساحات الحكم والإعلام على حساب قوى اليسار. تغير وجه الساحة الأمريكية في الشهور الأخيرة. إنحسر اليمين وصعد اليسار. كذلك لم يخطر على أذهان المراقبين أن يقع حادث قتل جون فلويد تحت ركبة ضابط شرطة أبيض فتشتعل الساحات الاجتماعية

***

ثانياً، كنا حتى أيام قريبة نراهن على فوز مطلق وحاسم للرئيس ترامب ونائبه في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر القادم. لم يتغير الرهان إنما لم نعد نرى الفوز به للرئيس ترامب ونائبه مطلقاً أو حاسماً. اعتدنا سابقاً أن نراهن بفوز مطلق مستندين إلى عناصر لم يخطر على الظن أن تتغير. كان الظن أن يحتفظ اليمين الأمريكي بهيمنته على مختلف ساحات الحكم والإعلام على حساب قوى اليسار. تغير وجه الساحة الأمريكية في الشهور الأخيرة. إنحسر اليمين وصعد اليسار. كذلك لم يخطر على أذهان المراقبين أن يقع حادث قتل جون فلويد تحت ركبة ضابط شرطة أبيض فتشتعل الساحات الاجتماعية، ويشمر اليسار المعتدل في الكونجرس والإعلام والمجتمع المدني بوجه عام عن ساعديه في مواجهة يعتقد اليسار أن استحقاقها طال. في الوقت نفسه، ارتكب الرئيس عدة أخطاء جلبت عليه وعلى الساحة السياسية تداعيات شقاق أيديولوجي وعنصري كان مؤجلاً أو مكتوماً. رأينا الكورونا أيضا تلعب وتؤثر وتساهم في رسم خريطة إجتماعية جديدة في أمريكا.

إقرأ على موقع 180  المصير البائس للإنتفاضة السودانية

***

ثالثاً، بالرغم من بيانات الإنكار الرسمية الصادرة عن حكومتي الصين وروسيا، لم ينحسر الشك في أن التدخل الإلكتروني للتأثير في مجريات الحملة الرئاسية في الولايات المتحدة سوف يتكرر. بل كانت هناك إجتهادات إستخباراتية تتوقع كثافة أشد وأساليب أكثر تنوعاً. المهم ساد الانطباع أن موسكو وبكين لن تتخليا بالرضا والبساطة عن الرئيس ترامب، وأنهما سوف يردّان الجميل. وبالفعل يجوز القول بأن الدولتين لم تذهبا إلى بعيد في إتخاذ أو تنفيذ إجراءات أملتها ظروف حرب شبه باردة أو حروب تجارية مصغرة لزوم الاستجابة لتغيرات في توازنات القوة الدولية. تغيرات ترفض أن ترقى إلى مستوى تهديد السلم والأمن الدوليين ومكانة أمريكا المتراجعة في صدارة القوى القائدة.

***

رابعاً، تجري الانتخابات والرئيس ترامب في السلطة. يستطيع الرئيس أن يعلن حال طوارئ ويفرض الأحكام العرفية. يستطيع دعوة الجيش للنزول إلى الشوارع. يستطيع إعلان الحرب على إيران وإعلان التعبئة. يستطيع في النهاية أن يؤجل إعلان النتائج.

***

لن تكون هادئة ولا مملة الشهور من تشرين/أكتوبر وحتى كانون الثاني/يناير، ولكنها، في كل الأحوال، ستكون باهظة التكلفة وعميقة التأثير في داخل الولايات المتحدة ودول عديدة. شعوب كثيرة سوف تدفع جانباً من فاتورة هذه الإنتخابات، نحن منها. دفعنا وندفع وسوف ندفع. دول عديدة سوف تقضي وقتها ووقت جيرانها تبحث عن مكانة ودور وعن إستقرار وأمن. عالم بأسره كان على وعد ببوصلة تعوضه عن الفوضى، وهو في الإنتظار.

Print Friendly, PDF & Email
جميل مطر

كاتب ومفكر مصري مهتم بقضايا الإصلاح والتحول الديمقراطي

Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  تصعيد تركي لاستباق الوقت: إدلب على رقعة الشطرنج الدولية