على مدى عامين حتى إنتهاء ولاية أوباما وخروجه من البيت الأبيض، خطّطت واشنطن وهافانا لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة.
تم تخفيف القيود المفروضة على بيع معدات الاتصالات السلكية واللاسلكية للجزيرة المحاصرة، وأشار أوباما الى أن افتقار كوبا إلى الوصول إلى التكنولوجيا الأميركية الصنع أبقاها لفترة طويلة “منغلقة عن عالم مترابط”(1).
كما سمحت واشنطن بالرحلات الجوية التجارية وزيارات السفن السياحية إلى كوبا. وتدفق مئات الآلاف من المواطنين الأميركيين على الجزيرة ما وفر حافزًا اقتصاديًا مباشرًا للقطاع الخاص المتوسع في كوبا؛ وحصلت الشركات الأمريكية على إذن للقيام بأعمال تجارية في كوبا؛ وأنشأ المسؤولون الأميركيون والكوبيون لجانًا ثنائية لتعزيز المصالح المتبادلة في المجالات الحيوية لكلا البلدين، من بينها مكافحة المخدرات وحماية البيئة وحقوق الإنسان والهجرة.
في حزيران/ يونيو 2017، أعلن الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب عن “إلغاء الاتفاق الأخير بشكل أحادي الجانب مع كوبا”(2). ومنذ ذلك الحين، فككت إدارة ترامب فعليًا كل عنصر رئيسي في سياسة أوباما، واستبدلت الانخراط بنوع من الإنعزالية، والدبلوماسية بالعقوبات والمطالب الإمبريالية.
مع خروجه من البيت الأبيض، وهو يصرخ ويركل، يترك ترامب العلاقات الثنائية مع كوبا، من بين العديد من الدول الأخرى، في حالة يرثى لها على مكتب الرئيس المنتخب الجديد جو بايدن.
مؤخرًا، أصدرت منظمتان غير حكوميتين رائدتان في السياسة الخارجية، وهما مكتب واشنطن في أميركا اللاتينية (WOLA) ومركز الديمقراطية في الأميركيتين (CDA) – تقريراً يحمل عنوان “الولايات المتحدة وكوبا: سياسة جديدة للمشاركة”، يهدف إلى تقديم “خريطة طريق” واضحة للإدارة الجديدة لإعادة النظر في الحالة السيئة للعلاقات الأميركية الكوبية وتصحيحها.
في جلسة إحاطة لوسائل الإعلام ومحللي السياسة الخارجية في 17 كانون الأول/ديسمبر، للاحتفال بالذكرى السادسة لاختراق أوباما التاريخي للعلاقات مع كوبا، قال ممثلو WOLA و CDA إنهم قدموا “قائمة تفصيلية لما يجب القيام به” لأعضاء فريق جو بايدن الانتقالي، وأعربوا عن أملهم في أن يخلق التقرير “زخمًا للمشاركة” من شأنه أن يؤدي إلى علاقات أقوى بين الولايات المتحدة وكوبا في المستقبل.
إعادة التعامل مع كوبا أمر سهل نسبيًا. لأن كل عقوبة فرضها الرئيس ترامب على كوبا كانت مفروضة من قبل السلطة التنفيذية، وبالتالي يمكن حذفها بجرة قلم من الرئيس
لماذا يجب أن تكون كوبا أولوية؟
سيواجه الرئيس المقبل تضافرًا غير مسبوق من الأزمات: جائحة كوفيد -19، وأسوأ ركود اقتصادي منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ومطالب بالعدالة العرقية داخل أميركا، وسيكون هناك إحتياج لسياسة ليبرالية وتقدمية في الولايات المتحدة للتغيير وإصلاح الضرر الذي تسبب فيه دونالد ترامب.
لماذا يجب أن تكون كوبا على رأس جدول أعمال بايدن؟
كوبا بلد صغير لا يشكل أي تهديد حقيقي للولايات المتحدة، على الرغم من أكثر من نصف قرن من العداء.
هناك عدة أسباب وجيهة لبايدن للتحرك بسرعة لإعادة التعامل مع كوبا. السبب الأول هو أزمة فنزويلا، وهي القضية الأكثر إلحاحًا التي تواجه أميركا اللاتينية بعدما جعلت سياسة ترامب الفاشلة لتغيير النظام الأمور أسوأ. وسيتطلب الحل السياسي للأزمة الفنزويلية تعاونًا دوليًا بين الجهات الفاعلة ذات المصالح المختلفة، بما في ذلك كوبا والولايات المتحدة.
وتعتبر إعادة التعامل مع كوبا عنصرًا ضروريًا (وإن لم يكن كافيًا) لسياسة عملية تجاه فنزويلا، تمامًا كما كانت شرطًا ضروريًا لإنهاء الصراع في جنوب إفريقيا في الثمانينيات.
السبب الثاني، هو أن الولايات المتحدة تخطط لاستقبال القمة التاسعة للأميركيتين في أواخر عام 2021، وهو حدث سيتطلب من الإدارة الجديدة صياغة نهجها العام تجاه أميركا اللاتينية، بما في ذلك كوبا، في وقت أبكر مما قد تفعله بخلاف ذلك. علاوة على ذلك، ستوفر القمة فرصة للرئيس بايدن للقاء الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل للتأكيد على اهتمام الولايات المتحدة بتحسين العلاقات الثنائية. وسيكون هذا الاجتماع مثمرًا للغاية إذا ما اتخذت الإدارة الجديدة بالفعل تدابير لإصلاح الضرر الذي لحق بالعلاقات على مدى السنوات الأربع الماضية.
السبب الثالث، هو أن إعادة التعامل مع كوبا أمر سهل نسبيًا. لأن كل عقوبة فرضها الرئيس ترامب على كوبا كانت مفروضة من قبل السلطة التنفيذية، وبالتالي يمكن حذفها بجرة قلم من الرئيس.
السبب الرابع والأخير، هو أن كوبا تمثل قضية سياسية خارجية بارزة للتاريخ الأميركي داخليًا، ربما أكثر مما تمليه الأهمية الجوهرية لكوبا نفسها، حيث اجتذب انفتاح الرئيس أوباما على الجزيرة عام 2014 انتباه العالم باعتباره حدثًا تاريخيًا. وهذا الأمر يعود الى شهرة كوبا وما لها مِن تاريخ طويل للأزمات مع الولايات المتحدة مثل خليج الخنازير، وأزمة الصواريخ، وشراكة كوبا مع الاتحاد السوفياتي، وتصديرها للثورة إلى إفريقيا وأميركا اللاتينية، والهجرات الجماعية الدورية.
حظي قرار أوباما باستبدال سياسة العداء الفاشلة بسياسة المشاركة بشعبية واسعة لدى عامة الناس (بما في ذلك الجمهوريون) ومجتمع الأعمال والعديد من الأميركيين الكوبيين، وكان المعارضون الوحيدون الصريحون هم بعض الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس والأميركيين الكوبيين المحافظين، بما في ذلك بعض المشرعين الديمقراطيين المؤثرين. لكن سياسة المشاركة الجديدة في إدارة بايدن تنطوي على مخاطر سياسية قليلة نسبيًا وإمكانية حشد مجموعة متنوعة من الفئات المستهدفة لدعمها.
سياسة المشاركة: أصحاب المصلحة
هناك دعم واسع في مجتمع الأعمال الأميركي لتوسيع العلاقات التجارية مع كوبا، كما يتضح من الإثارة بشأن الفرص التي أتاحتها ادارة أوباما في العامين 2015-2016، حين زارت وفود تجارية أمريكية هافانا، تسعة منها بقيادة حكام حاليين، جمهوريين وديمقراطيين. وكان حاكم نيويورك أندرو كومو أول من أخذ مجموعة من 20 من قادة الأعمال في نيسان/أبريل عام 2015، وتبعه حكام يمثلون ولايات الموانئ التجارية (لويزيانا وتكساس وميسيسيبي) والولايات التي تأمل في تصدير السلع الزراعية (ميسوري وفرجينيا وأركنساس وكولورادو ووست فرجينيا). وقاد المشرعون والمسؤولون المحليون وفودًا تجارية أخرى من ألاباما وكاليفورنيا وكنتاكي وإلينوي وإنديانا ونيو مكسيكو ونورث كارولينا وأوهايو وفلوريدا وواشنطن العاصمة.
في آذار/مارس عام 2015، قام التحالف الزراعي الأميركي من أجل كوبا – وهو مجموعة واسعة النطاق تروج للتجارة الزراعية – بزيارة إلى كوبا ضمن وفد مكون مِن 95 شخصًا، بينهم وزيرا زراعة سابقان. وأطلقت غرفة التجارة الأميركية، التي دعمت إنهاء الحظر الأميركي منذ التسعينيات،مجلس الأعمال الأميركي-الكوبي الذي يمثل أكثر من عشرين شركة كبرى.
ومن شأن إزالة العقوبات الاقتصادية أن تسمح باطلاق المنافسة في السوق الكوبية بمزايا القرب، وتحصين العلامة التجارية، والتكنولوجيا الفائقة. ومن شأن إنهاء القيود المفروضة على السفر أن يسهل إعادة بناء القطاع الخاص الكوبي الذي يمكن أن يصبح قوة رئيسية للإصلاح الاقتصادي في ظل الظروف المناسبة.
في وقت مبكر، يجب على الإدارة الجديدة التشاور مع غرفة التجارة الأميركية، ومجلس الأعمال الأميركي الكوبي والتحالف الزراعي الأميركي لكوبا لمناقشة كيفية قيام حكومة الولايات المتحدة بتسهيل توسيع العلاقات التجارية مع كوبا.
التكنولوجيا الأميركية وتقويض كوبا
“كوبا تتغير”، ويمكن أن يكون للولايات المتحدة تأثير إيجابي على مسار التغيير، ولكن فقط من خلال المشاركة، فالاستمرار في سياسات الماضي أو تعديلها ببساطة على الهامش سيترك الولايات المتحدة خارج اللعبة – معزولة عن حلفائها، معزولة عن الكوبيين العاديين، ومعزولة عن الجيل الصاعد من القادة الكوبيين، وهؤلاء هم مَن سيشكل مستقبل الجزيرة. القادة الجُدد، ولدوا بعد ثورة 1959، وفي نيسان/أبريل عام 2021، سيتنحى راوول كاسترو (آخر رفاق فيدل كاسترو – أخر أعداء أميركا) عن منصب السكرتير الأول للحزب الشيوعي الكوبي. الاقتصاد الكوبي يتغير أيضاً، وقد تحركت عملية إصلاح في العام 2011 ببطء، ولكنها تسارعت في العام الماضي، مما أدى إلى تنوع وانفتاح اقتصاديين أكبر. كما تتزايد قوة المجتمع المدني، مدفوعًا في جزء كبير منه بتوسع الإنترنت، ما يُمكّن الناس من إنشاء شبكات اجتماعية افتراضية يمكن أن تتحول الى تجمعات في العالم الحقيقي، ويمكنها إشعال الاحتجاجات أحيانًا.
وثمة توصية في التقرير (ص 3) تُشير الى الثورات الملونة وإستغلال الولايات المتحدة لوسائل التواصل الإجتماعي في الإطاحة بخصومها أحيانًا، وصنع الإضطرابات أحيانًا آخرى، ما يعني أن فتح مجال الإتصالات في كوبا سيخضع النظام المتمرد، وهذا تنظير عن القوى الناعمة يفتح باباً آخر للتساؤل عن مدى حقيقة وراديكالية الثورات في عصر الإنترنت.
أدى تعزيز المشهد التكنولوجي في كوبا إلى تعطش الكوبيين للتكنولوجيا المتطورة.
تهيمن الصين على قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية في كوبا وتشكل تحديًا للشركات الأميركية التي تتطلع إلى دخول هذا القطاع
في السابق، صرح بايدن إنه سيصلح نهج الولايات المتحدة تجاه كوبا. لكن كيف يبدو هذا الإصلاح بالضبط؟ لم يحدد. لكن كوبا لا تنتظر أميركا، فلديها حليف آخر، هو الصين، حيث قدمت الأخيرة للجزيرة كُل معدات الاتصال منخفضة التكلفة. ووفقًا لتقرير صادر عن فريق عمل الإنترنت في كوبا التابع لوزارة الخارجية الأميركية العام الماضي: تهيمن الصين على قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية في كوبا وتشكل تحديًا للشركات الأميركية التي تتطلع إلى دخول هذا القطاع(3).
عندما يتعلق الأمر بالسياسة مع كوبا، ما يمكن أن نتوقعه في ظل إدارة بايدن؟ يقول ريكاردو هيريرو، المدير التنفيذي لمنظمة “الدراسات الكوبية” غير الربحية: “تمكين الشعب الكوبي وتمكين القطاع الخاص الكوبي، وقطاع ريادة الأعمال التكنولوجي المتنامي”، لكن من غير المتوقع أن تكون كوبا بشكل عام على رأس قائمة الأولويات التي ستعالجها إدارة بايدن على المدى القصير. لكن، يضيف هيريرو: “سيكون من المؤسف أن تتنازل الولايات المتحدة تمامًا عن سوق [تكنولوجيا اتصالات المعلومات] في كوبا لصالح الصين”(4).
توصيات للمكتب البيضاوي
لا تحتاج كوبا إلا خطوات محددة ومحدودة يجب على البيت الأبيض في عهد جو بايدن اتخاذها لإعادة فتح قنوات الدبلوماسية، والتي توفر الأساس للمشاركة البناءة(5). وهي:
- اتصال شخصي من بايدن بالرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل يدعو فيه كوبا لحضور قمة الأميركيتين.
- إصدار توجيه سياسي رئاسي جديد لوضع المبادئ الأساسية لسياسة المشاركة وتوجيه وكالات السلطة التنفيذية لمتابعة العلاقات ذات الاهتمام المشترك مع نظرائها في كوبا.
- ترشيح سفير أميركي جديد في هافانا، وهو ما رفضه ترامب، وإعادة الطاقم الكامل للسفارة الأميركية، وكذلك إعادة فتح القنصلية.
- إعادة الانخراط الدبلوماسي هي الخطوة الأولى الضرورية لإصلاح الضرر، ويجب على الولايات المتحدة أن تأخذ زمام المبادرة لإعادة العلاقات، وبعد ذلك يمكن لإدارة بايدن في أعوامها المقبلة أن تقوم بسلسلة من المبادرات لتعميق العلاقات التجارية والثقافية والسياسية وتوطيدها. لكن الآن يجب أن تكتفي اميركا بزيادة تعاونها مع كوبا في قضايا الصحة الدولية مثل: أزمة جائحة كورونا، حماية البيئة، التبادلات الفنية والعلمية، والمشاركة الاقتصادية. ثم بعد ذلك يمكن فتح ملفات شائكة مثل: الديمقراطية في كوبا، وحقوق الإنسان.
تحذيرات وترقب
بالطبع، هناك قوى سياسية قوية ستقف ضد إنهاء الحصار، ويقر التقرير بوجود عقبات رئيسية أمام إعادة العلاقات مع كوبا، ومن بينها لغز الأمراض الطبية التي لم يتم حلها والتي عانى منها الموظفون الأميركيون في هافانا، والأزمة المتفاقمة في فنزويلا، فالجمهوريون سيهاجمون مشاركة إدارة بايدن مع الحكومة الكوبية بوصفها مكافأة لهافانا على الرغم من دعمها الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
شن الجمهوريون بالفعل هجمات استباقية على أية خطوات محتملة قد يقوم بها بايدن، واعتبرت السفيرة الاميركية السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” أن “ترامب انحاز بوضوح وقوة إلى شعبي فنزويلا وكوبا ضد مضطهديهما، وأي تراجع لبايدن في أي من البلدين سيكون بمثابة اعتناق للاشتراكية ويمنح الضوء الأخضر لأكثر الأنظمة وحشية في نصف الكرة الأرضية”. كما دعا السيناتور عن فلوريدا ماركو روبيو بايدن الى “السير على خطى الرئيس ترامب” بدلاً من “العودة إلى سياسة إدارة أوباما الفاشلة لمكافأة راوول كاسترو وميغيل دياز كانيل.. لعقود من السلوك القمعي”(6).
يجادل تقرير “الولايات المتحدة وكوبا: سياسة جديدة للمشاركة” بأن سياسة أوباما حققت نجاحًا كبيرًا، وأن الإنفتاح لمدة عامين فقط حقق نجاحات من أجل تعزيز المصالح الأميركية الملموسة ومصالح الشعب الكوبي أكثر من سياسة العداء التي اعتمدت طوال ستين سنة. علاوة على ذلك، فقد كان الانفتاح على كوبا بمثابة تغيير لقواعد اللعبة في تاريخ السياسة الخارجية الاميركية تمامًا مثل انفتاح ريتشارد نيكسون على الصين، وقد صرح الأستاذ في الجامعة الأميركية ويليام ليو غراندي، الذي صاغ التقرير: “لدى بايدن الآن فرصة لاستكمال ما بدأه أوباما”(7).
[1] https://www.politico.com/news/2020/12/11/biden-cuba-technology-reset-444512
[2] https://www.thenation.com/article/world/cuba-biden-obama-trump/
[3] https://www.politico.com/news/2020/12/11/biden-cuba-technology-reset-444512
[4] https://www.politico.com/news/2020/12/11/biden-cuba-technology-reset-444512
[5] https://www.thenation.com/article/world/cuba-biden-obama-trump/
[6] https://www.thenation.com/article/world/cuba-biden-obama-trump/
[7] https://www.thenation.com/article/world/cuba-biden-obama-trump/