تدرك إيران أن أميركا هي التي خرجت من الاتفاق النووي في العام 2018، وهي من يجب أن يبادر للعودة إليه، وهذا الأمر لن يكون محور تفاوض. هذا “خط أحمر” بالنسبة لإيران، وفق رؤية إستراتيجية رسمها المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الذي قال إن إيران مستعدة للالتزام بكافة تعهداتها في الاتفاق النووي ولكن بعد أن تلتزم الدول الغربية بتعهداتها تجاه إيران.
إنطلاقاً من هذه الرؤية، كل التوقعات السائدة في الإعلام الغربي بأن عودة الإدارة الأميركية الجديدة إلى الإتفاق النووي مشروطة بإلتزام إيران بتعهداتها “ليست منطقة وغير منصفة ولن تتحقق مهما طال الزمن”، فإيران لن تلتزم “إلا إذا حصلت على ثمار الإتفاق النووي الاقتصادية، وفي طليعتها رفع العقوبات الأميركية”.
وكانت إدارة جو بايدن، قد أعلنت بلسان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن واشنطن لن تعود إلى الإتفاق المبرم في العام 2015 إلا إذا وفت إيران مجدداً بكل إلتزاماتها بموجبه.
وقد سارع وزير الخارجية محمد جواد ظريف للرد من إسطنبول على نظيره الأميركي على النحو الآتي:
أولاً، الإتفاق النووي المبرم عام 2015، وفق القرار الدولي الرقم 2231، هو اتفاق دولي حظي بإجماع المجتمع الدولي ولا يجوز خرقه، كما أن الأمور التي لم تذكر في الاتفاق النووي لا يحق لأحد إضافتها إلى الإتفاق نفسه، وهنا يشير ظريف إلى البرنامج الصاروخي الايراني ودور إيران الإقليمي. هذه الملفات “لن توافق إيران على إقحامها في الاتفاق النووي مهما كانت الأسباب والنتائج”، تقول مصادر إيرانية.
ثانياً، الولايات المتحدة (برئاسة دونالد ترامب) قررت في العام 2018 الخروج من الإتفاق النووي وفرضت عقوبات على طهران وأيضا على الشركات الدولية التي كانت تريد التعامل مع ايران، إستناداً إلى القرار 2231، ما يعني أن الكرة في ملعب حكومة بايدن وليس مطلوباً منها سوى العودة إلى الإتفاق النووي وإلغاء العقوبات التي فرضتها على إيران وعلى الدول الأخرى التي تعاملت تجارياً معها.
تدمير الإتفاق النووي ستكون له انعكاسات سلبية على الوضع الأمني وربما تخرج الأمور عن السيطرة ونشهد سباقاً نووياً وإندلاع حرائق في كل المنطقة لن يكون من السهل إخمادها.. وحتماً سيطال لهيبها الدول الأوروبية أيضاً
ثالثاً، أية عودة إيرانية إلى الالتزام بالتعهدات الواردة في الاتفاق النووي وإيقاف الإجراءات التي تبنتها رداً على خروج أميركا من الإتفاق النووي مثل رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى عشرين في المائة لن تحصل إلا وفق سيناريو عودة أميركا إلى الإتفاق النووي وإلغاء جميع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على إيران، وهذا السيناريو، تعتقد طهران أنه “منصف وعادل ومنطقي ولا بديل له”.
ماذا اذا لم يتحقق هذا السيناريو؟
حسب القانون الذي صادق عليه البرلمان الإيراني، فإن عدم التزام أميركا والدول الأوروبية بتعهداتهم الاقتصادية تجاه إيران قبل 20 شباط/فبراير المقبل، يستوجب تنفيذ الحكومة الإيرانية قرار البرلمان بوقف العمل بالبروتوكول الإضافي في الاتفاق النووي، وبالتالي توقف طهران تعاونها مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل كبير، كما توقف عمل الكاميرات التي نصبتها الوكالة في المنشآت الإيرانية ويعود كل شيء إلى ما كان عليه قبل العام 2015، “وهذا أسوأ سيناريو بالنسبة للمنطقة لانه سوف يساهم في زيادة التوتر على المستويين الإقليمي والدولي”.
ماذا إذا عادت الولايات المتحدة إلى الإتفاق؟
اذا قررت الإدارة الأميركية الجديدة العودة إلى الإتفاق وأثبتت حسن نواياها من خلال إلغاء العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على طهران.. عندها يمكن أن يأمل الرئيس بايدن بإعادة فتح باب الحوار مع طهران حول ملفات أخرى خلال ولايته الرئاسية، وعلى الأميركيين الإلتفات إلى أن الإنعكاسات السياسية والأمنية والاقتصادية للاتفاق النووي “ليست أقل أهمية من اتفاق باريس المناخي وبالتالي يجب أن نطرح سؤالاً: كيف أن الرئيس الأميركي، وبمجرد دخوله إلى البيت الابيض، أصدر أوامره بعودة أميركا إلى اتفاق باريس المناخي ولكن عندما يصل الأمر إلى الإتفاق النووي يتبنى سياسة المماطلة والمراوغة وإضاعة الوقت في حين أن تدمير الإتفاق النووي ستكون له انعكاسات سلبية على الوضع الأمني وربما تخرج الأمور عن السيطرة ونشهد سباقاً نووياً وإندلاع حرائق في كل المنطقة لن يكون من السهل إخمادها.. وحتماً سيطال لهيبها الدول الأوروبية أيضاً”، تقول مصادر إيرانية.
حتى الآن نشهد إشهار كل من واشنطن وطهران أوراقهما التفاوضية. كل طرف يرفع سقفه حتى لا يخسر أية فرص. نحن عملياً أمام مسار يحتاج إلى أسابيع حتى تتبلور إتجاهاته الحاسمة. لا يجوز الغرق في منطق التفاؤل أو التشاؤم. طهران إعتادت ظروف الحصار منذ ثورتها في العام 1979. الوقائع هي التي ستفرض نفسها على الأرض وليس التمنيات.