هل تآمر أقرب حلفاء الأردن للإطاحة بملكه؟

يوما بعد آخر تتكشف تفاصيل جديدة حول كواليس الخلاف داخل العائلة المالكة في الأردن، ولا سيما ما يتصل بـ"الفتنة" المنسوبة لولي العهد السابق الأمير حمزة بن الحسين وعدد من الشخصيات النافذة لتقويض حكم الملك عبد الله الثاني. يستعيد تقرير جديد للصحافيين مارتن شولوف وميشيل صافي، نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية أمس، ملابسات ما حصل، ليخلص إلى احتمال أن تكون "الفتنة" الأميرية جزءاً من خطة واسعة لتشكيل الشرق الأوسط تحمل توقيع "أقرب حلفاء الأردن".

في الأسبوع الثاني من شهر آذار/ مارس الماضي حصلت مكالمة هاتفية هزَّت الحكومة الأردنية. على الجانب الآخر من الخط الهاتفي الذي وصل إلى مكتب مديرية الاستخبارات العامة في عمَّان كان هناك السفارة الأميركية، تطلب عقد اجتماع عاجل لمناقشة مسألة وصفتها بأنها ذات أهمية وطنية كبيرة. مسؤولو الاستخبارات – الموكلون بمهمة “التجسس” لصالح أمن واستقرار المملكة- أصيبوا بالذهول. قيل لهم إن خطراً كان “يختمر” على الجبهة الداخلية، وإن هذا الخطر سيشكل قريباً تهديداً حتمياً للعرش.
في غضون ساعات، ركزت مديرية الاستخبارات العامة جُل اهتمامها ومصادرها نحو أحد كبار أفراد العائلة المالكة في البلاد، الأمير حمزة بن الحسين، ولي العهد السابق والأخ غير الشقيق للملك الأردني الملك عبد الله الثاني، الذي يشتبه الأميركيون في أنه زرع “بذور فتنة” وشيكة، وأنه بدأ يحشد مؤيدين له من المعارضة.
وبحلول أوائل شهر نيسان/إبريل، كان المسؤولون الرسميون قد وضعوا حمزة قيد الإقامة الجبرية في منزله، ووجهوا له مع اثنين من مساعديه المقربين تهمة التآمر للإطاحة بالملك عبد الله.
وفي حين من المنتظر أن يمثل اثنان من المتآمرين المزعومين أمام المحكمة في عمَّان، بدأت صورة الأسابيع الثلاثة التي هزت العائلة المالكة تكتمل شيئاً فشيئاً. هذا الأسبوع، سيكشف المدَّعون العامّون، الذين يملكون محاضر مكالمات هاتفية، ورسائل تم اعتراضها، ومحادثات مسجلة، عن أدلة تدعم اتهامات الفتنة الموجهة إلى كل من باسم عوض الله، الرئيس السابق للديوان الملكي الهاشمي، ورجل الأعمال وابن عم الملك الشريف حسن بن زيد.
ومع ذلك، وبعيداً عن المحكمة، فإن الأدلة على أن العداء العائلي يمكن أن يكون مدفوعاً بمؤامرة أوسع نطاقاً، تفاصيلها آخذة في التبلور أيضاً. ويُنظر بشكل متزايد إلى الأعمال والاتهامات المنسوبة إلى حمزة والمتآمرين معه على أنها أصداء لمؤامرة أكبر، تولى تغذيتها أقرب حلفاء الأردن، وكان من الممكن لهذه المؤامرة أن تزعزع قبضة الملك عبد الله على العرش وتعرضه للخطر في ما لو كان دونالد ترامب قد فاز بولاية ثانية كرئيس للولايات المتحدة.

كان من الممكن لهذه المؤامرة أن تزعزع قبضة الملك عبد الله على العرش وتعرضه للخطر في ما لو كان دونالد ترامب قد فاز بولاية ثانية

مع انحسار موجة الاضطرابات التي سادت طوال فترة ولايته الرئاسية، بدأت تتبلور تداعيات المحاولات التي قام بها ترامب لإعادة رسم خريطة إسرائيل وفلسطين من خلال مسرحيته الإستعراضية في السياسة الخارجية – ما يسمى بـ”صفقة القرن”. ويخشى المسؤولون في إدارة الرئيس جو بايدن، التي أعادت إتباع النهج التقليدي في الدبلوماسية الإقليمية، من أن مصالح الأردن كانت ستتمزق لو كُتبت لترامب ولاية ثانية. وربما كانت القيادة الأردنية ذاتها ضحية.
يقول مسؤولون إقليميون إنه قد تكون هناك صلات بين أفعال الأمير حمزة المزعومة، التي يصفها مسؤولون في عمَّان بأنها “فتنة” وليست إنقلاباً، وبين النهج الذي أدار به صهر ترامب ومبعوثه جاريد كوشنر شؤون الشرق الأوسط، بدعم من صديقه وحليفه، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
التهم الموجهة إلى حمزة تدينه بحشد دعم معارضين مؤيدين له بعدما استغل ثلاثة أحداث رئيسية حصلت مؤخراً في الأردن: مقتل سبعة من المصابين بفيروس “كورونا” في آذار/مارس في مستشفى مدينة السلط (شمال غرب عمَّان) نتيجة انقطاع الأوكسجين عنهم، بسبب إهمال المسؤولين القيمين على المستشفى؛ إحياء ذكرى معركة وقعت في عام 1968 بين إسرائيل والفلسطينيين؛ وإحياء ذكرى تأسيس حركة شباب أردنية قبل عقد تقريباً.
مسؤول كبير قال إن “حمزة حضر شخصياً إلى مستشفى السلط وقت الحادثة، ونحن نعلم أنه كان يخطط مع مساعديه لتقديم ما يشبه الإستعراض للفت الإنتباه. ثم انتقل هذا الأمر برمته من التجريد إلى كلمات استفزازية وأساليب أراد منها إحباط المعنويات واستغلال معاناة الناس”.
المعلومات التي حصلت عليها صحيفة “الغارديان” حول عمليات التنصت على الهواتف صورت الأمير حمزة والشريف حسن على أن بينهما تنسيق وثيق، وأنهما غالباً ما كانا يتحدثان إلى بعضهما باللغة الإنكليزية، وينادي أحدهما الآخر بعضهما بـ”الأخ”. أما بالنسبة إلى عوض الله، فقد كانا يطلقان عليه لقب “No Lube”.
منذ الأشهر الأولى في عهد ترامب، كان كوشنر والأمير محمد بن سلمان يجولان في المشهد الإقليمي على نطاق واسع، وقد إنجذب كل منهما إلى الآخر بفضل نظرتهما المشتركة إلى العالم، وتوافقهما بخصوص الإستعداد المطلق للمزج بين السلطة السياسية والمصالح التجارية.
كلاهما رأى نفسه من عوامل التغيير القادرة على تحطيم الحواجز من خلال سياسة الإكراه والترهيب، وكانا لا يسمحان للحلفاء برفض أوامرهما أو المزايدة عليهما.
لقد وصلت العلاقة المتوترة عادة بين عمَّان وواشنطن، والتي بٌنيت على مدى 50 عاماً من التعاون الأمني، إلى نقطة الإنهيار أثناء ولاية ترامب، بحسب مسؤولين أردنيين رفيعي المستوى. فقد كان البيت الأبيض يدير أجندته للشرق الأوسط من خلال فريق من الموالين تم اختيارهم بعناية، بعدما تم استبعاد باقي هياكل الدولة وتهميش المسؤولين الذين كان الأردن عادة يتعامل معهم.
كان على رأس أولويات خطط الإدارة الأميركية السابقة صياغة مشروع سلام بين إسرائيل والفلسطينيين يتخطى كل القواعد والاتفاقيات والتفاهمات التي حكمت عقوداً من المحادثات المشتركة بين طرفي النزاع، وينسف كل ما كان متوقعاً أن يؤول إليه أي إتفاق نهائي. وعلى الرغم من أن الأردن هو المعني الأول بأي مشروع سلام بين إسرائيل الفلسطينيين كونه الأكثر تأثراً من النزاع القائم، إلا أن المملكة لم تكن تعرف أي شيء عن ما كانت إدارة ترامب تخطط له لحين الإعلان الكبير الذي تم في أوائل عام 2019.
وعندما تم الكشف عن مشروع “صفقة القرن” شعر القادة الأردنيون بخطر مميت لما تحمله “الصفقة” في طياتها من نوايا ضمنية لتقاسم السيطرة على الحرم الشريف في القدس، الذي حافظت عليه السلالة الهاشمية للملك الأردني منذ العام 1924.
وعلاوة على ذلك، فان “الصفقة” تنبذ العديد من النقاط التي انطلقت منها محادثات السلام السابقة، ولا تعترف بالثلاثين في المئة من الأراضي للضفة الغربية ووادي الأردن، كما ترفض المطلب الرئيسي للفلسطينيين والمتمثل في إنشاء عاصمة لهم في القدس الشرقية. وكان كل ذلك غير مقبول بالنسبة للأردن لدرجة أن رئيس الوزراء في ذلك الوقت، عمر الرزاز، حذر من أن معاهدة السلام التي تربط الأردن مع إسرائيل معرضة للخطر.
إن الوصاية على الحرم الشريف، الذي يضم موقع المسجد الأقصى وقبة الصخرة، من أساسيات الشرعية التي يستند إليها “الهاشميون”، حتى قبل إنشاء الأردن وإسرائيل.
وبحسب مسؤول أميركي فإن “تقاسم الوصاية على الحرم الشريف مع السعوديين والإسرائيليين كان بالتأكيد أمراً سعت إليه إدارة ترامب: “كانوا متحرقين لتحقيق هذا الأمر، ولجأوا إلى إبتزاز الأصدقاء والأعداء على حد سواء من أجل الوصول إلى هدفهم. فمثلاً هم ابتزوا الإماراتيين بطائرات F-35، وابتزوا السودانيين بشطب السودان من القائمة السوداء للإرهاب. وكانت الجائزة (لكلا البلدين) برعاية أميركية مباشرة وبمعية الخبرات الفنية الإسرائيلية”.
بحلول منتصف عام 2020، كان الملك عبد الله تحت ضغوط متزايدة، تعصف به الرياح السيئة من واشنطن، كما من الحدود مع المملكة العربية السعودية. فلطالما اعتمد الأردن وبشكل كبير على كلا البلدين: الولايات المتحدة في المقام الأول من أجل تمويل أجهزته الأمنية، والرياض من أجل تأمين دفع رواتب القطاع العام. على المستوى الخاص، شعرت الرياض بالاستياء جراء إحجام الأردن عن الرضوخ لسياسة ترامب في ما يتعلق بالشرق الأوسط، وفق ما يؤكده مسؤولون في كلتا العاصمتين. فقد كان من شأن خطة كوشنر- لو نجحت ونُفذت- أن تعزز دور المملكة العربية السعودية كلاعب مركزي في منطقة يُعاد تشكيلها. كما كان من شأنها أن تمهد الطريق لسلام مع إسرائيل وفق رؤية إدارة ترامب.
وفي هذا الخصوص يعتبر مسؤول إقليمي كبير، رفض الكشف عن اسمه، أن “رفض مشروع الشرق الأوسط الجديد يعني من جهة أخرى أن الخطة برمتها ستسقط. وذلك بالرغم من أن آخرين كانوا على استعداد للذهاب بعيداً مع مثل هذه الصيغة”.
خلال الأشهر الأخيرة من وجود ترامب في البيت الأبيض، تكثفت المطالب لإنجاز صفقة القرن. وقد أثار التحدي الذي أبداه الأردن برفضه الصفقة غضب كوشنر والأمير محمد بن سلمان، اللذين كانا مستاءين كذلك من الرئيس الفلسطيني محمود عباس المتردد على نحو مماثل.
رجل أعمال سعودي له صلات مع الديوان الملكي السعودي يقول عن القيادة الأردنية: “كان يُنظر إليهم على أنهم مثل اللبنانيين. يأخذون الكثير ولا يعيدون شيئاً. النظام الجديد (الأمير محمد بن سلمان) يريد مقابلاً على الاستثمارات التي ينفذها. وهو متفق مع كوشنر حول طريقة التفكير هذه”.
وفيما كانت علاقة الصداقة تتطور بين كوشنر والأمير محمد بن سلمان– وغالباً خلال المناقشات الليلية الطويلة التي كانا يجريانها وهما يخيمان معاً في عمق الصحراء السعودية – كانت الروابط بين باسم عوض الله والرياض تزداد عمقاً أيضاً. ففي العام 2019 شارك عوض الله، وزير المالية الأردني السابق، في ندوة عقدت في الرياض حول الإستثمار المستقبلي، حيث تعرفت إليه شخصيات محلية على نحو جيد ومختلف عن الدور السابق الذي كان يقوم به كمبعوث أردني إلى العاصمة السعودية.

رجل أعمال سعودي له صلات مع الديوان الملكي السعودي يقول عن القيادة الأردنية: “كان يُنظر إليهم على أنهم مثل اللبنانيين. يأخذون الكثير ولا يعيدون شيئاً.

ومع رحيل ترامب، لم يبق سوى ركن واحد من أركان بطانة صفقة القرن: المملكة العربية السعودية، حيث لم يكن الأمير محمد بن سلمان قد أعاد بعد الدفء للعلاقة مع عمَّان. وبعد اعتقال عوض الله في 3 نيسان/ابريل، سافر وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إلى عمَّان للقاء مسؤولين أردنيين. في هذا الوقت كان الأمير حمزة قيد الإقامة الجبرية في منزله، حيث لا يزال حتى اليوم. وعلمت “الغارديان” أن الوزير فرحان طلب الإفراج عن عوض الله، لكن مضيفيه (الأردنيون) رفضوا ذلك. وتنفي السعودية أن يكون فرحان قد تقدم بأي طلب إلى الأردن، وتقول إن الأخير زار عمَّان للإعراب عن دعم المملكة السعودية للملك عبد الله في الظروف التي كان يمر بها.
وبحلول ذلك الوقت، كانت دائرة الاستخبارات العامَّة منشغلة بمئات الساعات من التسجيلات الهاتفية المرصودة منذ 15 آذار/ مارس. ويقول المسؤولون إنه قبل ذلك بفترة ليست بالطويلة، أجرى الشريف حسن اتصالاً بإحدى السفارات (علمت صحيفة “الغارديان” أن المقصود هو السفارة الأميركية في عمَّان)، وطلب الدعم للأمير حمزة. وهذا ما ساعد الولايات المتحدة على التنبه وبالتالي والإندفاع لفهم ما كان يحدث.
وقال مصدر استخباراتي إقليمي إن “النتيجة هي أن ترامب خسر الانتخابات وبالتالي سقط كل شيء. ولو كان أُعيد انتخابه لولاية ثانية لكانت هذه المنطقة اليوم مختلفة جداً عن ما هي عليه”.
لا يحبذ كبار المسؤولين في عمَّان تبني فرضية احتمال وجود عنصر أجنبي في المؤامرة المزعومة، وهم أيضاً يرفضون تأكيد أن شريكهم الأمني الأكثر ثقة، الولايات المتحدة، قد نبههم إلى وجود تهديد محتمل. ومع ذلك، فمن الواضح أن المسؤولين الأردنيين قد شعروا بإرتياح من حقيقة أن الإدارة الأميركية الجديدة قد أعادت العلاقة الأمنية التقليدية إلى ما كانت عليه قبل أن تتعرض لانتهاكات في عهد ترامب.
مسؤولون أميركيون أكدوا لصحيفة “الغارديان” أنه في الأشهر الأخيرة من العام 2020، سعى بعض مسؤولي إدارة ترامب لمعرفة أي مجالات التمويل المقدمة للأردن كانت خارج موافقة الكونغرس، وبالتالي يمكن قطعها دون مناقشة.
لكن في نهاية المطاف، نجت ميزانية عمَّان من التعرض لضربة كان يجري التخطيط لها. ومع استقرار جو بايدن في البيت الأبيض، تنفس القادة الأردنيون الصعداء، ومع ذلك هم يفضلون عدم التركيز على حقيقة كم كان وشيكاً أن تتم الإطاحة بالملك عبد الله وعلى يد أقرب صديقين للأردن.
وبدلاً من ذلك، ينشغل كبار المسؤولين الأردنيين بالتركيز على البعد المحلي للمؤامرة المزعومة. ويبدو أن التنصت على الهواتف وأجهزة التنصت في آذار/ مارس يصور المنظمين الذين يطالبون بحصر اجتماعات المسؤولين العسكريين في سبعة أشخاص كحد أقصى، في حين أن الاجتماعات القبلية لا تضم عادة أكثر من 15 شخصاً. بالإضافة إلى ذلك، لم يكتفوا بتطبيق مقاربة منهجية أساسها بناء توافق بين سكان الضفة الشرقية، بل كانوا أيضاً حريصين على الجانب الفلسطيني من التركيبة السكانية (الديموغرافيا) الأردنية.
وفي حين رفض مسؤولون أردنيون البت في ما إذا كانت المملكة العربية السعودية قد لعبت دوراً في المؤامرة المزعومة، إلا أنه من الواضح أن ترتيباً ثنائياً ما قد إنهار في الوقت الذي تم فيه الكشف عن تلك المؤامرة.
في كل موسم خريف، يخرج الجراد من الصحاري السعودية ويطير شمالاً إلى الأردن وسوريا ولبنان. وعادة ما تصل الأوبئة في ثلاث موجات، وقد تم وضع أنظمة إنذار مبكر لإعطاء المزارعين الأردنيين الوقت الكافي لحماية محاصيلهم. هذا العام، لم تكن هناك تحذيرات.
https://www.theguardian.com/world/2021/may/26/did-jordans-closest-allies-plot-to-unseat-its-king

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  جيمس زغبي: الكارثة في اليوم التالي للإنتخابات الأميركية
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  الإمساك بموانئ المنطقة.. أحلاف وعداوات ومصالح